صحيح أنّ المعارك الضارية تدور في شرق حلب حيث يُحقّق الجيش السوري وحلفاؤه تقدّماً واسعاً على الأرض، إلّا أنّ الأوساط الديبلوماسية الغربية المتابعة للملف السوري عن كثب باتت في صورة ما بعد سقوط حلب بكاملها.في السابق رسمت العواصم الغربية، وفي مقدمها واشنطن، معادلة حلب مقابل دمشق، وهو ما جعل روسيا ومنذ دخولها العسكري المباشر في قلب الحرب الدائرة، الى التمهل والتريّث إزاء إصرار دمشق وإيران على الإطباق على مواقع معارضي الرئيس بشار الأسد في شرق حلب.
لكنّ المعادلة تغيّرت، خصوصاً مع انتخاب دونالد ترامب المتفاهم الى حدّ التحالف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والذي يضع في أولويات سياسته الخارجية القضاء على «داعش» والتنظميات الإرهابية المتحالفة مع هذا التنظيم.
لكن من السذاجة والبساطة اختصار السياسة الأميركية في عهد ترامب بهذا العنوان فقط.
صحيحٌ أنّ ترامب لم يستقرّ بعد على الشخص الذي سيتولّى حقيبة وزارة الخارجية لو أنه بدأ يميل إلى ميت رومني رغم معارضة القريبين منه لهذا الخيار، إلّا أنّ الأهمّ هو توجّهه لاعتماد صهره جارد كوشنر مبعوثاً رئاسياً إلى الشرق الأوسط.
والدلالة في ذلك أنّ رومني لا يشارك ترامب في كلّ أفكاره حول السياسة الخارجية، وخصوصاً في الملف السوري والعلاقة مع الكرملين، لكنّه متشدّد في سياسته إزاء مسائل أخرى. أما صهر ترامب والذي سيُمسك عملياً بملف الشرق الأوسط، فإنّ تعيينه سيعني إشراف ترامب المباشر على ملف الشرق الأوسط.
عندها يصبح وجود رومني ضرورة خصوصاً مع الانقلاب الذي يجتاح أوروبا. إذ إنّ فرنسوا فيون الذي أصبح التعامل معه وكأنه الرئيس الحتمي لفرنسا في أيار المقبل، يتشارك مع ترامب أفكاره حول التعاون مع روسيا وأولوية مقاتلة «داعش» والانضمام الى التحالف القائم في وجهه، إضافة الى معارضته معاهدة التجارة الحرة عبر الأطلسي.
لكنّ فيون ووفق منطق فرنسا أوّلاً لديه اعتراض على الهيمنة الأميركية على أوروبا ويضع علامات استفهام حول الجدوى من استمرار حلف شمال الأطلسي (الناتو).
عدوى وصول فيون وعلى اساس فرنسا أولاً، قد تصيب إيطاليا التي ينتظرها استفتاء في الرابع من كانون الاول سيُحدّد مصير اليسار الوسط، وما إذا كان سينهار لصالح اليمين المتشدّد. وبعدها هناك انتخابات في النمسا وهولندا، حيث يتقدّم قادة اليمين المتطرّف وهو ما يرسم علامات استفهام حول قدرة الإتحاد الأوروبي على الصمود والاستمرار.
كلّ هذه المسائل قد تحتاج لوجود رومني كما يفكر ترامب، ولكنّ الشرق الأوسط وسوريا مسألة مختلفة.
ومع تسلّم ترامب سلطاته رسمياً في 20 كانون الثاني المقبل، من المفترض أن تكون دمشق ومعها طهران وموسكو قد أحكمت السيطرة على كلّ حلب.
لكن بعد حلب هناك المفاوضات لتثبيت التسوية السياسية، لذلك فإنّ تعيين جارد كوشنر مبعوثاً رئاسياً أميركياً يعني وجود رهان كبير لدى ترامب على وجوب إنجاح مهمته التسووية بالتحالف مع روسيا التي تُحاذر الذهاب في معارك اضافية خشية الغرق في الرمال المتحركة ووحول الحروب، وهو ما تعلمته من دروس أفغانستان.
تسوية تنبعث من دخان معارك حلب لتصل لاحقاً الى الملف الإسرائيلي ـ العربي، وبطبيعة الحال التسوية النهائية للملف الفلسطيني وعلى أساس «حلّ الدولتين». وتأتي مشاركة حركة «حماس» في مؤتمر حركة «فتح» مؤشراً اضافياً الى توحّد الفلسطينيين تمهيداً لهذه المرحلة المقبلة.
هذه العاصفة التفاوضية الآتية لا بدّ من أن تصيب لبنان، خصوصاً أنّ «حزب الله» طرف أساس في معارك سوريا وجهة مؤثرة في الداخل الفلسطيني، وعلى تماس وتداخل ربما، مع فلسطينيّي لبنان.
ولبنان الذي يعيش أزمة حكومية يُجدّد التأكيد مرة اضافية أنّ النظام السياسي الذي من المفترض أن يسيّره غير قادر على حماية مؤسساته. صحيح أنّ المشكلات الداخلية كبيرة، ولكن لو تعالى الأفرقاء السياسيون عن «النكايات» لكانت الصورة ربما أقلّ سوءاً، ولو تخلّى الموارنة عن أمراض النكاية والتحجيم لكان من الممكن تجاوز كثير من الأفخاخ والمخاطر.
في العراق، خفّفت إيران من اندفاعة حلفائها في اتجاه الموصل، في انتظار اتّضاح صورة المرحلة المقبلة.
وفي سوريا مشروع الدولة الجديدة القائمة على نظام لامركزي أو ربما فيدرالي. وفي إسرائيل «حلّ الدولتين» هو المطروح. أما في لبنان فأزمة حكومية واستحقاق قريب هو الانتخابات النيابية.
من الغباء الاعتقاد والرهان على إعادة عقارب الساعة الى الوراء كونه سيؤدّي الى كارثة جديدة. ربما من الأفضل مراقبة تطوّرات المنطقة والدعوة الى استكمال تطبيق «اتفاق الطائف»، خصوصاً ببنده المتعلّق بإقرار اللامركزية.