قد يكون هذا السيناريو موحياً لبنانياً... إذ صوّت البرلمان العراقي، السبت الماضي، في غياب النواب السنّة، على مشروع قانون يضفي شرعيةً على ميليشيات "الحشد الشعبي" الشيعية. ويفيد النصّ بأن "الحشد" يُعتبر "تشكيلاً عسكرياً مستقلّاً وجزءاً من القوات المسلّحة تابعاً للقائد العام للقوات المسلّحة" أي لرئيس الوزراء. ووفقاً للدستور اللبناني فإن القائد العام هو رئيس الجمهورية. وورد في مادة اخرى وجوب "فك الارتباط بين المنتسبين الى هذا التشكيل وكل الأطر السياسية والحزبية والاجتماعية ولا يُسمح بالعمل السياسي في صفوفه".
بمقدار ما أن توصيف "الحشد" بأنه مستقل وجزء من الجيش غير واقعي وغير عملي، كونه لا يخضع لإمرة هيئة أركان الجيش، بمقدار ما أن فك ارتباطه مع الأحزاب ضرْب من الأوهام. أما تبعيته لرئيس الوزراء فهي بالتأكيد رمزية، لأن المعروف أن قائده التنفيذي هو قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، أما قائده الروحي السياسي فهو المرشد علي خامنئي.
عدا أنه لا يوجد في العالم دستور أو قانون يمكن أن يشرعن حالات شاذة كهذه، فإنه لا توجد أيضاً دولة عاقلة وتتبنّى رسمياً مجموعات مذهبية مسلّحة ارتكبت وترتكب جرائم وانتهاكات موثّقة في حق فئة أو فئات مذهبية اخرى. لكن هناك الاستثناء الايراني الذي لا ينفكّ يصنّع استثناءات، بدءاً من الحرس الثوري الذي همّش الجيش الايراني الذي - بالمناسبة - لا يزال موجوداً وربما تقتصر مهمّته على حراسة الحدود، في حين أن "الحرس" مختصّ في الداخل بحماية النظام، وفي الخارج بعسكرة الشيعة وتفريخ الميليشيات لتحلّ محلّ الجيوش، من لبنان الى العراق وسوريا واليمن.
كل تشابه بين الحال اللبنانية وتلك الحالات هو "محض صدفة". فـ"حزب الله" يتميّز بوليّه الفقيه المحلّي، وهو بدوره تابع للوليّ الفقيه المرشد. أما في العراق فاختُطفت دعوة المرجع علي السيستاني الى حشد الشعب لمواجهة انتشار تنظيم "داعش" لتُعتبر تشريعاً دينياً لـ "الحشد"، لكن ما حصل بعدئذ لا يمتّ بصلة الى نيات السيستاني ومقاصده. التشابهات موجودة أيضاً في كون صلاحيات حسن روحاني في طهران وفؤاد معصوم في بغداد متقاربة، واذا كانت هناك صعوبة "فنّية" في تطبيق هذا النموذج لبنانياً إلا أن الممارسة والتحالفات تكفل نتائج وفقاً لما يتوخّاه المرشد.
ثمة تشابهات استنساخية اخرى، فـ "الحرس" كميليشيا وحيدة في ايران استولد أجهزة لخدمته، تماماً كما فعل "حزب الله" بتفريخ "سرايا المقاومة" و"سرايا التوحيد"، لكنه يطمح بالتأكيد الى وضعية قانونية إسوة بـ "الحشد" العراقي. ومع أن هذا الأخير انتزع "شرعيته" إلا أن الميليشيات المشاركة فيه لن تحلّ نفسها بل ستواصل العمل كـ "قطاع خاص"... وكل حديث هنا أو هناك عن احترام للدولة أو مصالحات وطنية يبقى عبثاً مطلقاً، فهذا ليس من شأن الميليشيات ولا من مهمّاتها.