في غياب أي بشائر في ملف التأليف الحكومي، ووسط أجواء من الجليد في الاتصالات تنافس صقيع اهدن تتطاير فيها المواقف من كل حدب وصوب لتكشف عن نيات تتجاوز الحقائب الوزارية الى ما هو أبعد منها، يستبشر اللبنانيون خيراً بقدوم موسم الأمطار كي لا يصيبهم الجفاف على كل المستويات. فقد توقّعت مصلحة الأرصاد الجوية أن يكون الطقس اليوم غائماً مع انخفاض لدرجات الحرارة، وتشتد سرعة الرياح (85 كيلومتراً في الساعة) ويرتفع معها موج البحر وتتساقط أمطار متفرّقة، وتشتد من حينٍ الى آخر مترافقة مع عواصف رعديّة أحياناً. أما الخميس، فيكون غائماً وممطراً بغزارة أحياناً مع عواصف رعدية ورياح شديدة وانخفاض اضافي لدرجات الحرارة تتساقط معها الثلوج ليلاً على ارتفاع 1700 متر وما فوق.
سياسياً، التزمت دوائر بعبدا الصمت، وتركت الاجابة المباشرة لـ"تكتل التغيير والاصلاح". أما "بيت الوسط"، فأفادت مصادره ان الاتصالات مستمرة وان بوتيرة تراجعت عن الايام السابقة. ورفضت التعليق على ما سرّب عن امكان توقيع الرئيس ميشال عون مراسيم التأليف قريباً. في المقابل، قال الرئيس نبيه بري: "أنا لا أحد يهددني ولا أخاف إلّا الله". وأكّد أنه لا يزال عند موقفه من تأليف الحكومة. ونقل زواره : "في اختصار الكرة ليست في ملعبي ولم يعد لدي شيء أقوله".
وتوقعت مصادر سياسية ان تبصر الحكومة النور هذا السبت اذا استجاب الأطراف المعترضون لما هو معروض عليهم، خصوصاً ان المعروض عليهم يأخذ في الاعتبار معظم مطالبهم، وهذا الاتجاه يفترض ان تبلوره اتصالات الساعات المقبلة. وقالت المصادر لـ"النهار" إن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء المكلف في اجتماعهما الأخير بحثا في خيار حكومة الامر الواقع، وما يمكن ان يترتب عليه من نتائج، إما بالموافقة على تشكيلة "لا رابح ولا خاسر" فتمضي الحكومة في عملها، وإما بإسقاطها في مجلس النواب فتصبح هي حكومة تصريف الاعمال بدل حكومة الرئيس تمّام سلام، ريثما تجرى استشارات تكليف وتأليف جديدة.
وفيما يبدي أطراف حماسة لهذا الخيار، يشير مقربون من العهد الى ان هذا الخيار ليس محسوماً لا بل يتحدّد في ضوء الاتصالات المنتظر ان تتكثف اليوم وغداً. وتشير المعطيات الى ان الهجوم على العهد من خلال الوزير جبران باسيل كان بمثابة رسالة استباقية بعدما رشح الاتجاه الرئاسي عقب اجتماع بعبدا الى اعلان حكومة بمن حضر اذا استمرت الاعتراضات القائمة على حالها.
وأوضحت مصادر متابعة لـ"النهار" ان الخلاف قائم وفق مقاربتين: الأولى من الرئيس ورئيس الوزراء المكلف تعتمد الوزن السياسي للقوى المشاركة، والثانية نقيضها ويؤيدها بري و"حزب الله" وتقوم على تمثيل معياره عدد نواب كل كتلة.
وليلاً صدر عن اجتماع الحوار الثنائي بين "تيار المستقبل" و"حزب الله" بيان جاء فيه ان المجتمعين بحثوا في تطورات تشكيل الحكومة وضرورة انجازها في أسرع وقت ممكن للاستفادة من المناخات الايجابية في البلد.
"السرايا"
على صعيد آخر، وإثر كلام الرئيس عون عن دعم الجيش والقوى الامنية للقيام بواجباتها في الداخل وعبر الحدود، وما قابله مباشرة من عرض عسكري لـ"حزب الله" في القصير، وعرض آخر لما سُمّي "سرايا التوحيد" مع تعهّد للتحوّل الى الدفاع عن الارض والحقوق، تابعت الزميلة هدى شديد هذا الملف من الناحية القانونية ليتبيّن ان الدولة قادرة على معاقبة من تقدم بطلب "العلم والخبر" من وزارة الداخلية في حين انها غير قادرة على التعامل مع مجموعات أخرى تتجاوز الاجراءات القانونية ولا تتقدم من الوزارات والاجهزة المعنية بأي طلب أو أوراق ثبوتية. وكتبت: من رأى عرض "سرايا التوحيد" التي اعلن الوزير السابق وئام وهّاب اطلاقها من دارته في الجاهلية بحضور ممثل "حزب الله" العضو في المجلس السياسي محمود قماطي، استحضر معها بارتياب "سرايا المقاومة" التابعة لـ"حزب الله" والمتمدّدة منذ نحو ١٨ سنة خارج مناطق نفوذ هذا الحزب. وقد قرأ فيها البعض رسالة شبيهة بـ"القمصان السود" التي عرضت في لحظة سياسية معيٰنة بهدف فكّ ارتباط النائب وليد جنبلاط بـ"فريق الرابع عشر من آذار". وعلى رغم نفي الطرفين وهّاب و"حزب الله" أي رابط بين هذه السرايا وتلك، وتأكيد وهّاب ان "سرايا التوحيد" جزء من "حزب التوحيد العربي" الحائز "علماً وخبراً" من وزارة الداخلية كأي حزب لبناني، وليست تشكيلاً عسكرياً بل رياضي غير مسلّح، ولا يتدرّب على السلاح كما كانت تفعل "حماة الديار"، وان اللباس في العرض المقبل في ذكرى تأسيس الحزب في أيار سيكون باللون الابيض، يبقى السؤال المطروح: لماذا طلب وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق حلّ "حماة الديار" ولم يقترب قانوناً من "سرايا التوحيد"، ولا من "سرايا المقاومة" التي لطالما هاجمها ووصفها بـ"سرايا الفتنة والاحتلال"؟
وأوضحت مصادر قريبة من وزارة الداخلية أن إعطاء "العلم والخبر" يتم قانوناً بقرار من وزارة الداخلية والبلديات بموجب "قانون الجمعيات"، أما القرار بسحب "العلم والخبر" فيكون بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناءً على أسباب وتقارير أمنية مبنيّة. وفي ما يتعلٰق بـ"حماة الديار" ورد اكثر من تقرير من الأجهزة الأمنية عن تجاوزات يقوم بها أعضاء هذه الجمعية، فرفع وزير الداخلية هذه التقارير الواردة اليه الى مجلس الوزراء الذي ناقشها واتخذ القرار بسحب "العلم والخبر" بإجماع أعضاء المجلس. أما بالنسبة الى "سرايا المقاومة" أو "سرايا التوحيد"، فلا يبدو ان لديها "العلم والخبر"، وبما ان الموضوع يبنى على تقارير أمنية، فان المعالجة تبدأ بقرار أمني وتقارير أمنية، وعند ذلك تصبح وزارة الداخلية معنية برفعها الى مجلس الوزراء الذي يضع يده على الملف ويتخذ قراره ويعطي الاجهزة الأمنية توجيهاته لاتخاذ الإجراءات اللازمة. ولكن اذا لم يكن من الصلاحيات القانونية لوزارة الداخلية المبادرة، فلا يعود قرار الحل او سحب "العلم والخبر" من مسؤوليتها حصراً.
هذه الحالة القانونية، أوضحها بدوره وزير الداخلية السابق المحامي زياد بارود لـ"النهار" قائلاً إن وزير الداخلية لا يمكنه سحب "العلم والخبر" أو حل جمعية انما يرسل اقتراحاً إلى مجلس الوزراء ليتخذ مثل هذا القرار بمرسوم.
في أي حال، ليس من ترخيص لـ"سرايا المقاومة" ولا لـ"سرايا التوحيد" ليُسحب منهما، واذا كان التنظيمان تابعيْن لهذا الحزب وذاك، ويثيران الشكوك أمنياً أو عسكرياً أو سياسياً، فالقرار يعود الى مجلس الوزراء حصراً، وما على الأجهزة الأمنية إلا ان تضع تقاريرها المبنيّة في عهدة وزارة الداخلية ليرفعها وزير الداخلية المقبل الى مجلس الوزراء، ليبنى على الشيء مقتضاه.