يوم الجمعة الفائت كان اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة. هذا أمرٌ جيّد. لكنْ هل يكفي يومٌ أمميٌّ كهذا لوقف العنف، أو للحدّ منه؟! يا لَعار العالم، بشرقه وبغربه، بجنوبه وبشماله، كيف لا يعرف أن يؤسس لعملٍ قانونيّ، ديموقراطيّ، إنسانويّ، مجتمعيّ، جذريّ، وزجريّ، من شأنه أن يرفع عنه هذا العار!
لا يهمّني أن أتحدث عن "الآخرين". بل عنّا نحن الرجال العرب خصوصاً، ولكن من دون تعميم طبعاً. فكم نبرع في هذا الميدان، وكم نتجلّى، وكم نحرز سبقاً لا يوازيه سبقٌ في الأرض كلّها. أما نحن، الرجال اللبنانيين، فلا نقلّ عبقريّة في هذا المجال، وأيضاً من دون تعميم. بل نحن أسوأ بكثير، لأننا نمارس لعبة الظاهر والباطن، بأبشع صورها. في الظاهر نحن منفتحون، حديثون، ديموقراطيون، وداعون إلى المساواة. وفي الباطن نحن رجعيون، مراؤون، وحوش، وأقلّ ما يقال فينا إننا ذكوريون بامتياز.
لن تقوم لنا قائمة، ولن تقوم قائمة لمجتمعاتنا ومؤسساتنا السياسية، ما لم نردم آخر جدار، مادي أو معنوي، يمنع المساواة بين الرجل والمرأة. عبثاً، "نتمدّن". عبثاً "نَتَحَدْثَن". القضية هي قضية عقلٍ عربيّ، شرقيّ، ينبغي لنا إعادة "صناعته" من جديد. هذا العقل هو المشكلة، وهو المأساة، قبل أن يكون ثمّة مأساةٌ مفجعة تُرتَكَب في حقّ المرأة.
عجباً. كيف يستطاع أن يُمارَس عنفٌ ضدّ الأمّ أو الإبنة أو الأخت أو الزوجة أو الصديقة أو العشيقة أو الحبيبة؟ بل كيف يُستطاع أن يُمارَس عنفٌ ضدّ المرأة مطلقاً، أيّاً تكن هذه المرأة، وأيّاً يكن موقعها وفعلها وعملها؟! لو شئتُ أن أستغفر ربّي على خطأٍ واحد، لاستغفرتُه بسبب خطأٍ كهذا، قد يرتكبه "رجلٌ" ما، في مكانٍ ما، ولن أرتكبه بيدي، ولا بعقلي.
يا لَعار الرجل في كلّ زمانٍ ومكان، لأن هذا العنف يُرتَكَب بشخصه، باسمه، بسببه، وعنه.
يعتريني، كرجل، كذَكَر، الذهول المخجِل، من كوني رجلاً. في أحيان كثيرة، لا أستطيع أن أتحمّل "رجولتي" هذه، لأنه باسمها تُرتَكَب يومياً، وبطريقة "طبيعية"، كل أنواع الجرائم المنظورة وغير المنظورة في حقّ المرأة اللبنانية والعربية والشرقية.
أمامنا في لبنان عهدٌ جديد. "آمُرُه" بـ"أنوثة الشعر والحرية"، بأن يكون جديداً في مجال "فرض" المساواة المطلقة والكاملة، بقوة القانون والدستور، في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي الوظائف العامة والخاصة.
هذا، كي لا يشعر "رجلٌ نسويّ إنسانويّ" على غراري بالخجل من رجولته، خشية أن يُتَّهم يوماً بالتواطؤ العنفي ضدّ المرأة.
النهار