استؤنفت اتصالات تأليف الحكومة، الا ان «شعير» الحكومة لم يتحوّل «قمحاً».
وتحولت الزيارة الرابعة للرئيس سعد الحريري إلى بعبدا إلى محطة، فتحت الباب امام جولة من التكهنات حول ما بعد هذه الزيارة:
1- فالرئيس المكلف لم يخف «وجود بعض العقبات» التي كانت اشارت إليها «اللواء» ضمن «ما نشيت أمس»، وهو لم يخف أيضاً السعي لحلحلة هذه العقبات.
ووزع الرئيس المكلف كلامه توازناً بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي، «فرئيس الجمهورية حريص على اقتصاد البلد، وسنكمل الخطوات بالتشاور معه»، و«نحن مع الرئيس برّي ظالماً كان أم مظلوماً».
وخارج دائرة التكهنات والتفسيرات بالظلم والظالم أو المظلوم، فإن الرئيس الحريري كان يجيب على سؤال يتعلق بحقيبة الاشغال وما إذا كانت هذه العقدة ما تزال قائمة (في اشارة الى التناغم على هذه الحقيبة بين الرئيس برّي وحزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع).
2- وكعادته لم يتأخر الرئيس برّي عن الجواب، ولكن هذه المرة، ليس عبر بيان فوري، كما حدث المرة الماضية، رداً على كلام الرئيس الحريري عن المعرقل، وجاء جواب عين التينة على لسان زوّار الرئيس برّي متضمناً نقاطاً ثلاث:
- ترحيب بالرسالة الإيجابية التي بعث بها الرئيس المكلف من على أبواب قصر بعبدا، وهو قصد هذه الرسالة، وفقاً لتقديرات عين التينة وليس «بيت الوسط».
- تأكيد الرئيس برّي، على لسان زواره، ان رئيس المجلس «لم يظلم أحداً وليس لأحد بمقدوره ان يظلمه»، وبالتالي فكلام الرئيس الحريري، وإن بدا طيباً، لكن لا ترجمة عملية له حتى الآن.
- ان رئيس المجلس ما زال متمسكاً بحقيبة الاشغال إلى جانب المالية، كما انه متمسك بالوزيرين علي حسن خليل للثانية وغازي زعيتر للاولى، وتبرير هذا التمسك ان «التيار الوطني الحر» متمسك بالخارجية والطاقة وتيار «المستقبل» متمسك بالداخلية واستبدل الاتصالات بوزارة العدلية، وسيكون له وزير مسيحي من حصته وآخر ارمني.
وعلى الجملة، لمس زوّار عين التينة ممن التقوا الرئيس برّي منه: ان الأمور غير مسهلة لتأليف الحكومة، وهي تحتاج إلى مزيد من الوقت، وأن رئيس المجلس راغب في ان تعتمد معايير واحدة في توزيع المسؤوليات الحكومية، وألا يكون هناك اقصاء للقوى الوطنية ذات البعث التاريخي، وأن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية بالفعل وليس بالاسم والشعار فقط، وفقاً لتعبير الوزير سجعان قزي.
3- تتفق مصادر المعلومات على ان موقف الرئيس برّي المدعوم من «حزب الله» والذي يعتبر الممثل المفاوض عن كتل واحزاب 8 آذار (تيّار المردة، الحزب السوري القومي الاجتماعي، سنة 8 آذار)، كان حاضراً بصورة رئيسية في اجتماع نصف الساعة بين الرئيسين عون والحريري في بعبدا.
وجرت النقاشات التي وصفها الرئيس الحريري بأنها «عكست تفاهماً مع رئيس الجمهورية على الأمور كافة»، في أجواء من عدم الارتياح من تأخير عملية التأليف وارتداداتها السلبية على النتائج الإيجابية التي أعقبت انتخاب الرئيس عون وتكليف الرئيس الحريري.
ووفقاً للأجواء التي سربتها دوائر بعبدا، فإن أجوبة الكتل على العروض في ما يتعلق بحقائب التوزير يتعين ان تصل إلى الرئيس المكلف في حدود السبت أو الأحد المقبلين على أبعد تقدير.
ولم تستبعد هذه المصادر ان يعقد اجتماع آخر بين الرئيسين لإعادة تقييم الموقف.
وتُشير هذه المصادر إلى ان فترة السماح انتهت، وانه لا يمكن قبول التمادي بسياسة اضعاف العهد أو تجاوز فترة الأعياد، حيث من المنتظر ان تكون الحكومة ولدت ونالت الثقة والانصراف إلى ورشة كبيرة تنتظرها لا تقتصر فقط على قانون الانتخاب.
ويعتقد مصدر متابع للتأليف ان بعبدا تسعى إلى حسم ملف التأليف قبل الانتهاء من حسم معركة حلب، حيث يسجل النظام وحلفاؤه تقدماً ملموساً في الاحياء الشرقية من المدينة السورية الثانية.
غير ان مصادر مطلعة أوضحت لـ«اللواء» ان لقاء الرئيسين افضى إلى إرساء روح التعاون بينهما على قاعدة التنسيق والتشاور المتواصلين، ولفتت إلى ان الرئيسين استعرضا عراقيل التشكيلة الحكومية وابديا قناعة مشتركة بأن هناك حاجة إلى المزيد من الاتصالات قبيل إعلان ولادة الحكومة، على ان أي تأخير جديد لن يصب في مصلحة أحد، وتوصل الرئيسان إلى قراءة مشتركة مفادها ان عدم ولادة الحكومة في مهلة أقصاها منتصف الأسبوع يعقد سير الاتصالات.
حكومة أمر واقع؟
الا ان المصادر المطلعة نفت لـ«اللواء» ان يكون الرئيسان عون والحريري حددا مهلة معينة لتأليف الحكومة، قبل ان يعمدا إلى إصدار مراسيم لحكومة أمر واقع، لكنها قالت ان الرئيسين عرضا في اجتماعهما أمس، العقبات التي تواجه تأليف الحكومة، وتداولا في أفكار يمكن من خلالها الخروج من الأزمة الراهنة، والاحتمالات التي يمكن ان تحصل في حال استمر الوضع الحكومي على حاله.
ولفتت المصادر إلى ان العقبات باتت معروفة وهي محصورة بحقيبتي الاشغال والصحة والمرتبطتين بموقف كل من الرئيس برّي والنائب سليمان فرنجية مع تمسك «القوات» بالحقيبة الأولى، بالتوازي مع تمسك الرئيس برّي بها.
وأوضحت ان الرئيسين وصلا في نهاية التفكير بصوت عال في أزمة التأليف، إلى تفاهم بأن الموقف ما زال بحاجة إلى مزيد من التشاور، وافساح المجال امام الاتصالات، حيث يفترض أن ينشط «الوسطاء» على خط عين التينة وبنشعي ومعراب، من دون أن تكون هناك مهلة محددة، أو سقف زمني لهذه الاتصالات، مشيرة إلى أن الآمال لا تزال معقودة على حلحلة ما ممكن أن تأتي من خلال تدوير زوايا معينة.
ولفتت المصادر إلى أن حكومة أمر واقع يمكن أن تزيد الأمور تعقيداً، وأن الرئيسين ليس لديهما رغبة بمواجهة أحد، الا إذا وصلت الأمور إلى طريق مسدود، مع العلم أن فترة السماح لم تنته بعد، ولم يبلغ الرئيس المكلف فترة الشهر على تكليفه (كلف في 3 ت2).
«حزب الله»
4 - في دوائر «حزب الله» يدور نقاش من نوع آخر، يتعلق بضغط حلفاء الحزب من 8 آذار، وطريقة التعامل مع الحلفاء، سواء النائب فرنجية أو النائب طلال ارسلان أو الحزب السوري القومي الاجتماعي أو الوزير السابق عبدالرحيم مراد.
وتساءل النائب في كتلة الوفاء للمقاومة علي المقداد في حفل تأبيني في البقاع: «لماذا الاستئثار، ولماذا يحق للبعض أخذ حقيبة وازنة والآخر حقيبة غير وازنة؟». في حين كان مصدر قريب من «حزب الله» يسجل ثلاث ملاحظات على عملية تأليف الحكومة، احداها تتعلق بمحاولة تصوير الأزمة وكأنها لدى الرئيس برّي بوصفه المفاوض عن الفريق الشيعي، والثانية تتعلق بمحاولات تجرب في الداخل والخارج لإحداث تغيير في استراتيجيات العهد، والملاحظة الثالثة تتعلق بسعي «القوات اللبنانية» للإبقاء على قانون الستين، باعتبارها «عرابة العهد» للحصول على كتلة نيابية كبيرة، تستأثر مع «التيار الوطني الحر» بالحصة المسيحية وقوامها 64 نائباً، بينهم 35 مارونياً.
ولا يُخفي المصدر المخاوف من انضمام النائب وليد جنبلاط إلى التفاهمات الجارية، بحيث يتم حصر التمثيل الدرزي «باللقاء الديموقراطي»، في حين لم تسند حقيبة إلى النائب أرسلان، واقتصر الأمر على توزيره كوزير دولة، وهو الأمر الذي يرفضه بإلحاح.
وتتهم أوساط الحزب العاملين على خط التأليف احتكار التمثيل المسيحي والدرزي وحتى السني، سواء بالتمسك بصيغة الـ24 أو رفض صيغة الـ30 وزيراً.
حكومة في 10 أيام؟
والسؤال: هل تبصر الحكومة النور خلال عشرة أيام، كما توقعت وكالة الأناضول؟
تنقل الوكالة التركية عن مصدر سياسي أن النائب فرنجية باصراره على حقيبة وازنة يهدف إلى التعطيل، فحجم «المردة» لا يسمح بوزارة من هذا النوع، والرئيس عون ليس في وارد اعطائه جائزة ترضية.
وتوقع المصدر أن يتراجع «الطرف المعطل» لأن الرئيس عون مستعد لتسمية المعطلين بأسمائهم، وهو من الشخصيات التي تذهب إلى المواجهة.
وفيما استبعدت مصادر أن يقدم الرئيس الحريري على تشكيلة أمر واقع، وكشف النائب عقاب صقر عن سعي الرئيس المكلف إلى صيغة ترضي تيّار «المردة»، قال النائب في تكتل الإصلاح والتغيير سيمون أبي رميا ان العماد عون لن يرضى بالمماطلة في تأليف الحكومة، ومن الممكن أن يتشاور مع الرئيس المكلف ويعمد إلى إصدار تشكيلة حكومة متوازنة على قاعدة «ان يزعل ويرضى نفس الأطراف بشكل متوازن». وهو الأمر الذي استدعى رداً مباشراً من عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم الذي رأى انه «اذا كان رئيس الجمهورية هو من يصدر مراسيم تشكيل الحكومة، الا اننا في لبنان، وهناك محاذير كثيرة من جرّاء هكذا خطوة، لأننا نكون دخلنا في أزمة لا يمكن أن نعرف إلى اين ستوصلنا».
ومهما يكن من أمر، فقد علمت «اللواء» أن رئيس الجمهورية أبلغ زواره انه ملتزم تطبيق الدستور في مراعاة عملية تأليف الحكومة وواثق بقدرة الرئيس الحريري على النجاح في مهمته، مؤكداً انه يتدخل وفق الدستور من دون أن يتدخل في جهود الرئيس الحريري.