مع التقدم الميداني السريع للجيش السوري النظامي وحلفائه في شرق حلب، يتبلور واقع عسكري جديد للمرة الاولى منذ عام 2012 يصب في مصلحة النظام ويضع المعارضة أمام أقسى هزيمة لها منذ بدء الحرب السورية قبل أكثر من خمس سنوات ونصف سنة.

 

وستكون حلب بلا شك من أكبر انتصارات النظام الذي استعاد المبادرة على الارض في سوريا منذ أكثر من سنة عقب بدء التدخل العسكري الروسي لمصلحته، وفي ظل عجز دولي كامل عن إيجاد حلول للنزاع. وستكون أيضا انتصارا لحليفي دمشق روسيا وإيران اللذين نجحا في التفوق على الغرب وعلى خصوم الرئيس بشار الأسد في المنطقة من خلال التدخل العسكري المباشر.
ويرى الخبير في الشؤون السورية في معهد واشنطن للابحاث فابريس بالانش ان سيطرة النظام على حلب "ستشكل نقطة تحول" في مسار الحرب في سوريا، اذ ستسمح للنظام "بالسيطرة على دمشق وحمص وحماه (في الوسط) واللاذقية (في الغرب) وحلب (في الشمال)، اي المدن الخمس الكبرى".
ويقول مقاتلو المعارضة إن حلفاءهم الأجانب ومنهم الولايات المتحدة تركوهم لمصيرهم في حلب.

 

وضع "كارثي"
ومع فرار اكثر من عشرة الاف مدني من شرق حلب الى مناطق خاضعة لسيطرة النظام واخرى لسيطرة الاكراد، توجهت المئات من العائلات في اليومين الاخيرين الى جنوب الاحياء الشرقية التي لا تزال خاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة ويعيش سكانها المحاصرون وسط ظروف انسانية صعبة للغاية.
ووصف الناطق باسم الدفاع المدني في حي الانصاري ابرهيم أبو الليث الوضع في شرق حلب بأنه "كارثي". وقال بصوت متقطع: "هذان اسوأ يومين منذ بدء الحصار... النزوح جماعي والمعنويات منهارة... تنام الناس على الارض. لا مأكل ولا مشرب ولا مأوى أو ملجأ"، مضيفاً بغضب: "قولوا لنا، الى متى سيبقى العالم ضدنا؟"
وصرح الناطق باسم الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة ينس لايركه بأن الهلال الأحمر العربي السوري سجل وصول أربعة آلاف شخص إلى حي جبرين الذي تسيطر عليه الحكومة في غرب حلب بعد نزوحهم من المناطق الشرقية التي تخضع لسيطرة المعارضة.
وأعلن الناطق باسم الامم المتحدة ستيفان دوجاريك ان احياء حلب الشرقية لم تتلق مساعدات منذ أوائل تموز وباتت المواد الغذائية شحيحة. وقال: "نحض جميع الاطراف المتحاربين حاربة على وقف القصف العشوائي، لحماية المدنيين والبنى التحتية المدنية، والسماح بالمساعدات الانسانية العاجلة بموجب القانون الانساني الدولي".

تقدم سريع
وبعد ساعات من سيطرتها على أحياء عدة، أبرزها حيا الصاخور والحيدرية، تحدثت الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" عن سيطرة الجيش على محطة سليمان الحلبي، المحطة الرئيسية التي تضخ المياه الى الاحياء الغربية والتي كانت الفصائل المقاتلة تتحكم بها.
وأكد مدير "المرصد السوري لحقوق الانسان" رامي عبد الرحمن الذي يتخذ لندن مقراً له إن "الفصائل المعارضة خسرت كامل القسم الشمالي من الاحياء الشرقية بعد سيطرة قوات النظام على احياء الحيدرية والصاخور والشيخ خضر، وسيطرة المقاتلين الاكراد على حي الشيخ فارس". وأوضح أن المقاتلين الاكراد سيطروا على احياء بستان الباشا والهلك التحتاني الاحد والشيخ فارس الاثنين، التي كانت أيضاً خاضعة لسيطرة الفصائل.
وأفادت وزارة الدفاع الروسية أن قوات الحكومة السورية "حررت" نحو 40 في المئة من الجزء الشرقي من المدينة.
ونقلت وكالات روسية للأنباء عن الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحث مع أعضاء مجلسه الأمني في التقدم الأخير الذي أحرزه الجيش السوري.
وربط عضو المكتب السياسي لـ"حركة نور الدين زنكي" ياسر اليوسف تقدم النظام باستقدامه "تعزيزات عسكرية كبيرة وبالقصف الجوي العنيف الذي لم يهدأ". وقال: "الوضع أشبه بعين تقاوم مخرزاً... طوال السنوات الماضية كنا نقاوم بما أوتينا من قوة بأساليب بدائية، اما اليوم فنحن نقاوم ايران وروسيا" ابرز داعمي دمشق عسكرياً. وأضاف: "النظام انتهى وسقط منذ خمس سنوات، ونحن الان نقاتل جيوشاً وميليشيات من كل اصقاع الارض"، معتبراً ان الفصائل "محكومة بالصمود والدفاع عن النفس وعن أهالينا".
وقال مسؤولون في فصيلين للمعارضة في حلب إن مقاتلي المعارضة انسحبوا إلى مناطق يمكن الدفاع عنها بسهولة أكبر وخصوصاً بعد فقدان حي هانونو السبت.
وشرح مسؤول في فصيل "الجبهة الشامية" المعارضة أنه انسحاب من أجل التحلي بالقدرة على الدفاع وتعزيز الخطوط الأمامية.
وأضاف: "طبعا المناطق التي فقدوها مهمة لأنها مرتفعة، لكن المناطق التي حافظوا عليها هي مناطق مزدحمة بالأبنية أكثر من تلك وممكن القتال فيها بشكل أفضل".
وتخوض قوات النظام حالياً معارك عنيفة في حيي الشيخ سعيد والشيخ لطفي في جنوب المدينة.

ردود فعل
ودعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الى "وقف فوري للنار" في حلب، مطالباً روسيا وايران باستخدام نفوذهما لدى النظام السوري لتجنب "كارثة انسانية". وقال ان "الهجوم ينذر بكارثة انسانية". وأضاف: "أدعو أولئك الذين لديهم نفوذ على النظام وخصوصاً روسيا وايران الى استخدامه لوقف الهجوم المدمر على شرق حلب... نحن في حاجة الى وقف نار فوري في حلب ووصول فوري لاطراف انسانيين محايدين لضمان حماية المدنيين الذين يفرون من القتال. هذه ضرورات انسانية".
ودعا رئيس لجنة الشؤون الخارجية في "البوندستاغ" الألماني نوربرت روتغين المقرب من المستشارة أنغيلا ميركل، الى فرض عقوبات على روسيا بسبب دورها في الحرب السورية. وقال روتغين والنائبة فرانشيسكا برانتنر من حزب الخضر إن على الغرب أن يتحرك فورا في ضوء الهجمات السورية والروسية في شرق حلب. وكتبا في بيان: "يتعيّن على الاتحاد الأوروبي على الأقل أن يفرض عقوبات على المسؤولين الروس عن هذه الفظائع".

اخلاء خان الشيح
في غضون ذلك، قال المرصد السوري إن مئات الأشخاص غادروا بلدة خان الشيح المحاصرة الواقعة جنوب غرب من دمشق بموجب اتفاق مع الحكومة السورية على المرور الآمن إلى مناطق أخرى خاضعة للمعارضة. وأضاف إن عشرة أوتوبيسات غادرت خان الشيح متجهة إلى محافظة إدلب الخاضعة للمعارضة ولكن لم يتضح ما اذا كانت تنقل مقاتلين أم عائلاتهم فقط.
وذكر المرصد أنه بموجب الاتفاق سيغادر نحو 1450 معارضاً و1400 من أقاربهم البلدة. ويشمل الاتفاق توفير 42 أوتوبيساً علاوة على نحو 25 عربة إسعاف للمدنيين والمقاتلين المصابين.