طالعنا حسن نصر الله قبل أيام بحديث متوتر عن المخدرات وتجارها في البقاع، ودعا إلى القضاء على هذه الحالة، معلنا أن هذه الحالة هي عدو للشهداء والمقاومة .
بداية، من نافلة القول أنني وبالتأكيد مع العمل لإلغاء هذه الحالة الخبيثة ومن جذورها، سواء على مستوى الزراعة أو التجارة أو التعاطي . ولا سيما أنها محرمة في شرعنا الذي هو مبادئي التي ألتزم بها .
إلا أن حديث نصر الله "المفاجئ" عن هذا الموضوع جاء ليذكرنا بأحاديث أخرى خرج بها فجأة، طارحا حلولا فورية ومن دون مقدمات منطقية لا بد من اعتمادها بحسب المنطق الإجتماعي والعملي لإنهاء هكذا الحالات، حيث تشعر في بعض الأحيان وأنت تستمع إلى ما يطرحه وكأنه كمن جائته فكرة وهو مستلق سارح الفكر، فاتصل بالتلفزيون ليأتي إليه، ثم يطرح ما عنده وبشكل عشوائي، ثم يغيب الموضوع عن متابعته حتى يصبح نسيا منسيا !!
ترافق كلام نصر الله عن المخدرات مع إذاعة التلفزيون السوري خبر إلقاء القوى الامنية السورية القبض على شاحنة مخدرات تم تهريبها من لبنان الى الداخل السوري عبر المناطق التي يسيطر عليه مسلحو نصر الله على الحدود اللبنانية السورية . إضافة إلى أخبار اشتباكات حصلت بين مسلحي حزب نصر الله والقوات السورية على خلفية تهريب مخدرات من لبنان إلى سوريا عبر المناطق التي يسيطر عليها مسلحو الحزب على طرفي الحدود اللبنانية السورية . وكأن نصر الله أراد من خلال كلامه هذا أن يتلاعب بالعقل الباطني للناس من خلال هذا الكلام ذي النبرة العالية، ويوحي إليهم -من حيث لا يشعرون- أن حزبه "الإلهي" خارج دائرة الاتهام بتجارة المخدرات وأنه لا يصح حتى التفكير بذلك أساسا !!
أظن أن هذا الأمر هو الهدف الأهم وربما الوحيد لكلامه الذي أراد من خلاله نفي ما أذاعه التلفزيون السوري عن شاحنة المخدرات، وكذلك ذر الرماد في العيون حتى لا تعرف حقيقة الإشتباكات المتكرر بين الفينة والأخرى بين القوات السورية ومسلحي نصر الله في سوريا . وما يؤكد ذلك هو ما حصل عقب كلام نصر الله من القاء القبض على كامل أمهز الذي نقلت معلومات عن مصادر أمنية أنه متهم -إضافة لتهريب الأجهزة الخلوية- بتجارة المخدرات، وذلك للإيغال بذر نصر الله الرماد في العيون . مع لفت الإنتباه إلى أن معلومات تحدثت عن أن أمهز أجرى مؤخرا إتصالات مع الأمريكيين في كندا لرفع إسمه عن لائحة داعمي المنظمات الإرهابية، وهو على ما يبدو لم يرق لنصر الله وجماعته !!
هذه الأساليب هي من الألاعيب البالية التي ما عادت تمر على أحد، وخصوصا بعدما وصلت سمعة حزب نصر الله إلى الحضيض بعد فضائح "قادته" العملاء الذين ذهبوا بأقدامهم للمخابرات الدولية ولم يستدرجهم أحد لذلك . وكذلك أخبار السرقات والفساد الداخلي الذي لا تكاد تنسى خبر عنها حتى يأتيك ما هو أفظع منه !!
الغريب في ملام نصر الله "المتوتر" عن المخدرات ووجوب القضاء عليها فورا، أن نصر الله رجل معمم بعمة رجال الدين الشيعة، ومن المفترض أنه يعلم ان الله تعالى بجبروته لم يحرم المسكرات في الإسلام دفعة واحدة، بل على مراحل ثلاث، بينما نجد ان ما قاله نصر الله في كلامه عن المخدرات في البقاع، هو أنه تحدث وعلامات الغضب "المصطنع" بادية عليه، وأنه دعا لإنهاء هذه الحالة فورا .
وهنا لا بد أن أذكر حسن نصر الله بعدة أمور .
أولا، منع هذا الأمر لا يكون دفعة واحدة، بل يتم عبر سلوك عدة مراحل ومقدمات، كما تفيد كل تجارب الأنظمة والمجتمعات التي تعمل على ذلك، وأهمها ما قام به النبي (ص) عبر المنع المتدرج والذي هو بأمر من الله تعالى .
ثانيا، كان لك وزير للزراعة لعدة سنوات، وكان هناك حل عملي لزراعة المخدرات، وذلك عبر الزراعات البديلة التي يتم من خلالها إستيراد انواع من النباتات ليقوم مزارعو المخدرات بزرعها حتى تصبح أشجارا مثمرة، ليتم بعد ذلك تصدير ثمارها ضمن عملية إنهاء زرع المخدرات في البقاع ويتم بذلك التعويض عن زراعة المخدرات في البقاع بهذه الزراعات . ولكن ذلك وبعد مرور سنوات طويلة لم يحدث منه شيء على الإطلاق . فهل سألت وزيرك للزراعة عما قام به في هذا المجال، أم أن هذا السؤال ليس من اختصاصك ولا اختصاص حزبك، حيث أن تسلمك لبعض الوزارات هو لمجرد التغطي بالشرعية كحال نوابك على مدى أكثر من 24 سنة ؟!
ثالثا . لماذا يترك أهل البقاع لحالهم مع زراعة المخدرات والاتجار بها لسنوات طويلة، ثم تاتي الآن وتطالب بمنعها فورا . وهل مطالبتك بالمنع الفوري الآن بعد سكوت دام عقود، ولا سيما مع استلام حزبك لوزارة الزراعة لسنوات من دون أن ينتج وزيرك مشروع الزراعات البديلة، هل تقصد من ذلك إحراج الشباب البقاعي من خلال إفقادهم المفاجئ لأي دخل مالي لدفعهم لحمل السلاح في الحروب التي يخوضها مسلحو حزبك في بعض دول المنطقة كمرتزقة، كما هو حال شركة بلاك ووتر الأمريكية وغيرها من شركات الأمن التي تعمل بالأجرة ؟!
المشكلة ليست في أصل المطالبة بمنع زراعة المخدرات والإتجار بها وتعاطيها، المشكلة هي أن هذا الأسلوب الذي تعتمده في تمرير مشاريع إخضاع الشباب باتت أساليب مكشوفة وقد عفى عليها الزمان، وباتت كالرماد الذي تذريه بنفخة بسيطة من فم العقول التي لا تؤخذ بسحر الكلمات الفارغة .