ما من شك في أنّ الأشهر القليلة المقبلة ستشهد المواجهات العسكرية الأعنف في سوريا والعراق، في انتظار دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب رسمياً الى مكتبه البيضاوي، والأهمّ الى حين تسلُّم الإدارة الجديدة مهماتها الفعلية ومباشرة عملها.لذلك، يَضع الجيش السوري، والى جانبه القوى العسكرية المتحالفة معه، كلّ الثقل المطلوب لإنجاز السيطرة الكاملة على منطقة شرق حلب خلال الأسابيع المقبلة، وهو الهدف الذي طالما وضَعه الرئيس السوري بشار الأسد أمامه كونه سيُعزّز موقعه حول طاولة المفاوضات ويعطيه حصّة راجحة في التسوية المنتظرة.
أهمية إعادة السيطرة على كلّ حلب بالنسبة إلى النظام السوري لا تقف فقط عند أنّ الأسد عاد ليُمسك بمعظم المدن الكبرى في سوريا وبدفع القوى المعارِضة له الى مناطق ريفية أو صحراوية تفتقد للأهمية الجغرافية، إنما أيضاً لأنها تعني إجهاض الهدف التركي وإخراجه من دائرة الحسابات الميدانية الجدية، وأيضاً إسقاط ورقة تنظيم «جبهة النصرة» وهو الذي شكّل مادة نزاع بين موسكو وواشنطن بعد اتهام الأولى للثانية بأنّها تسعى إلى الحفاط على هذا التنظيم للمرحلة اللاحقة كونه الوحيد الذي يشكل تهديداً جدّياً للجيش النظامي السوري.
يومها توافق الأميركيون والروس حول إرهاب تنظيم «داعش» وضرورة القضاء عليه، فيما بقي الموقف الأميركي متأرجحاً وغامضاً لجهة إدراج «النصرة» أو «فتح الشام» على خانة التنظيمات الإرهابية.
لكنّ السؤال الأهم الذي كان ساد المهتمين بالملف السوري عقب انتصار ترامب الانتخابي، هو ما إذا كان الرئيس «المجهول» سياسياً سيستكمل المشروع العريض الذي كانت صاغته إدارة باراك اوباما والذي يطاول ملف التسوية الإسرائيلية - العربية فور تثبيت ركائز التسوية في سوريا. وبخلاف الانطباع السائد فإنّ ترامب يثير قلق الحكومة الإسرائيلية لهذه الناحية.
وبدا خلال الأيام الماضية أنّ مراكز الدراسات الأميركية والتي لها علاقات وثيقة بالحزبين الديموقراطي والجمهوري أجمعت على أنّ إدارة ترامب ستدفع في اتجاه ترتيب التسويات إن في سوريا أو العراق أو إسرائيل.
وحسب متخصّصين في شؤون الشرق الأوسط، فإنّ ترامب الذي وصل الى البيت الابيض من دون مديونية لأيّ طرف وخصوصاً لإسرائيل، سيستغلّ واقعه للدفع قدماً في فرض تسوية سلمية على المستوى الإسرائيلي - العربي.
ترامب أو «الصاروخ غير الموجّه» كما يَصفه الوسط السياسي الإسرائيلي القريب من بنيامين نتنياهو، حمّل إسرائيل في بداية حملاته الانتخابية مسؤولية غياب السلام في الشرق الأوسط، لكنه ونزولاً عند نصائح فريقه سرعان ما وضع جانباً أفكاره هذه ومن دون أن يعلن نقيضها. صحيح أنه أعلن عن نيّته نقل السفارة الأميركية الى القدس لكنه في الوقت نفسه لم يتحدّث عن تأييده توحيد القدس، وهو ما أثار حفيظة الحكومة الإسرائيلية.
وحسب الباحثين في مراكز الدراسات، فإنّ إدارة ترامب ستعيد إحياء مؤتمر مدريد الذي عقد عام 1991 حول السلام في الشرق الأوسط. هذا المؤتمر ركّز على مفاوضات سلام ثنائية بين إسرائيل وكلّ من سوريا ولبنان والأردن والفلسطينيين من خلال لقاءات ثنائية بين إسرائيل وكلّ طرف، وأخرى متعدّدة الأطراف وتشمل الجميع تحت رعاية واشنطن وموسكو ووفق مبدأ «الأرض مقابل السلام».
اندفع الأردن ومعه الفلسطينيون في مسار تفاوض أنتَج اتفاقَين سلميَّين فيما التزم لبنان وسوريا وحدة المسار وبالتالي بقاءهما خارجاً. لكنّ الأهم أنّ الظروف يومها أمّنت نجاح انعقاد المؤتمر. فحرب الخليج الأولى التي أدّت الى ضرب القدرة العسكرية للعراق وشعور الإسرائيليين بالخوف بعد تساقط صواريخ «سكود» العراقية على مدنهم جعلا الظروف ناضجة للانطلاق بالمؤتمر الدولي للسلام.
كذلك فإنّ معارضة رئيس الحكومة الإسرائيلية إسحق شامير يومها لانَت بعد التلويح الأميركي بتعليق المساعدات الأميركية السنوية لإسرائيل.
وحسب هؤلاء الخبراء فإنّ ظروف اليوم تُشجّع على الاندفاع في هذا الطريق.
فالحرب في سوريا أنهَكت الدولة وجيشها وجعلت دمشق في واقع أضعف، وروسيا أصبحت ممسكة بالمفاصل الميدانية الأساسية في سوريا ما جعل حضورها أقوى من التأثير الإيراني وأعطاها نفوذاً أكبر من أيّ نفوذ آخر.
ومع إنجاز السيطرة على شرق حلب، ستُصبح كلّ القوى المتحارِبة في سوريا في واقع يلزمها الانخراط في التسوية السلمية على مستوى سوريا بداية، ومن ثمّ على مستوى المنطقة وفق ما يعتقده الباحثون الأميركيون.
وروسيا خصوصاً التي تحاذر الانزلاق في وحول الحروب المفتوحة والغرق في رمال متحرّكة على غرار أفغانستان، تبدو متّفقة مع «حليفها» ترامب على الدفع في اتجاه السلام بعد إغلاق بركان حلب، كذلك لا يجب أن ننسى المساعدات الأميركية الأضخم لإسرائيل للسنوات العشر المقبلة، ما يُعطي واشنطن ورقة ضغط ممتازة على نتنياهو لتليين موقفه الرافض التسوية.
ولفت في هذا الإطار لقاء حصل في إحدى العواصم الخليجية الأسبوع الماضي والذي حضره مندوبون وباحثون من أميركا وروسيا والصين وأوروبا إضافة الى بعض البلدان العربية والخليجية حول الشرق الأوسط لمواكبة إدارة ترامب تجاه القضية الفلسطينية ووضع ضوابط للاتفاق النووي الإيراني وإنجاز تسوية في سوريا.
كذلك لا بدّ من الأخذ في الاعتبار قول مدير الاستخبارات الإسرائيلية إنّ فتح حوار مع حركة «حماس» أصبح مسألة ملحّة تمهيداً لما يُحضّر للمنطقة.
وانطلاقاً من هذه الصورة يمكن تفسير موضوع السياج حول مخيم عين الحلوة، والأهم الاعتراض على إقامته. فالمخيم الذي يحتوي على كلّ أشكال التنظيمات والخلايا الاستخبارية على أنواعها، يشكل بؤرة أمنية خطرة قابل لاستخدامه في لعبة الرسائل الأمنية والاعتراضات عند المنعطفات الحساسة لتُصيب الداخل اللبناني إذا ما تطلّب الأمر.
والخطر موجود أيضاً في منطقة شبعا، حيث بدأ الدخان يظهر ولو من بعيد. فإسرائيل تسيطر وتشرف على الطريق الذي يربط بين المناطق التي يسيطر عليها تنظيم «النصرة» في سوريا ومنطقة شبعا.
إنها مخاطر لا بدّ من أخذها في الحسبان.