هذا الأسبوع في نظر «القوات اللبنانية»، هو أسبوع الحكومة. والسبت 3 كانون الأوّل المقبل، موعد للولادة الموعودة. الصورة ليست بهذه الحماسة على خط «التيار الوطني الحر»، إنّما هو يلمس ما يُسمّيه نافذون فيه بدايةً إيجابية وردت بكلام غير مباشر من فريق سياسي أقلّ سلبيةً ممّا كان عليه. والمقصود هنا تيار «المردة». لكن من دون أن يكشفَ هؤلاء النافذون ماهيّة هذا الكلام. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرئيس المكلف سعد الحريري، فهو يشيع إيجابيّات، لكنّه لا يدخل لعبة تحديد المواعيد، لأنّ الصورة لم تكتمل، وهناك صعوبات وعقبات جوهرية مستعصية ما زالت ماثلةً في الطريق. وأمّا الرئيس نبيه برّي، فهو ينتظر، ويرى تراجعَ التأليف إلى المربّع الأوّل، وحينما يُسأل عن موعد الولادة يقول: «في اللغة العربية يقال أبجد، هوّز، حطّي، كلمن... ما زلنا في أبجد».أمام هذه الصورة تبدو «القوات» وكأنّها تغرّد وحدها، هناك من يسأل عمّا يدفعها إلى هذا الجزم، فيما التأليف ما زال عالقاً في حقل الألغام والعبوات الناسفة؟ هل هي تتمنّى، هل تمتلك معطيات بأنّ الأطراف الأخرى ستبادر إلى تقديم تنازلات؟ هل ستبادر هي إلى تخفيض سقف مطالبها وشروطها؟ هل تُحفّز المعنيين بالتأليف على إصدار مراسيم تشكيل الحكومة وفرضها أمراً واقعاً على الجميع؟
مسار التأليف ما زال يدور في متاهة التفاصيل والمطبّات، وأشبَه ما يكون بمتاريس متقابلة تتقاذف الشروط، ولكي يقال إنه بات وشيكاً، ينبغي بَتُّ عقدة تمثيل «القوات» وحصّتها كمّاً ونوعاً. وعقدة تمثيل النائب سليمان فرنجية، ونوعية حقيبته. وعقدة وزارة الاشغال ولمَن ستُسند.
واذا كانت «القوات» ترى أنّ حقّها أن تطالب بما تمّ التفاهم عليه مع «التيار الوطني الحر» قبل الانتخابات الرئاسية، وإذا كان من حقّ «التيار الوطني الحر»، وانسجاماً مع التفاهم المعقود بينه وبين «القوات»، ان يقول إنّ «القوات» محقّة بما تطالب به، وأنّ لها الحق بحصّة تمثيلية وازنة وبحقائب أساسية كوزارة الأشغال، فإنّ من حقّ مَن هم في المقابل ان يقولوا إنّ تفاهم «التيار» و»القوات» يعنيهما فقط.
العقدة هنا، مسؤولية التعطيل يلقيها أطراف التفاهم العوني القواتي، على برّي، الذي يؤكّد «أنّ مندرجات هذا التفاهم ملزمة لطرفيه ولا تسري على غيرهما. والحصص المتّفق عليها بينهما كمّاً ونوعاً، لا تسقط على حصص الآخرين أو تأخذ منها أو تحجبها، وخصوصاً عمّن هم من اهل البيت المسيحي، فمَن يقطع الوعد وعد بالدفع، عليه هو أن يدفع من كيسه وليس من كيس غيره أو على حساب غيره».
مسار التأليف انطلق بإيجابية لكنّ الشروط والتراجعات فَرملته، وتَخلص رواية عين التينة لِما جرى على هذا الخط بأنّه بعد تكليف الحريري تشكيلَ الحكومة شرَع الرئيس المكلف في إعداد خطة عملِه، كان برّي في جوّ أن ليس هناك ما يوجب أن يتأخّر التأليف، وتبعاً للأجواء المشجّعة التي رافقت التكليف، سارَع برّي إلى القول «عندما ترون الرئيس الحريري في عين التينة، فمعنى ذلك أنّ الدخان الأبيض سيتصاعد».
بالفعل حضَر الحريري إلى عين التينة، وكان حاضراً في اللقاء مع بري كلٌّ مِن الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري. بدأ الحريري كلامه بأنّ الاجواء مريحة بشكل عام، آملاً في ان تبصر حكومته النور خلال أيام قليلة.
كان برّي يَعتقد أنّ الحريري يريد الذهاب إلى حكومة ثلاثين، لكنّ الحريري أبلغَه أنّه في صَدد تشكيل حكومة من 24 وزيراً لكي نوفّر على أنفسنا أيّ إرباك.
ولأنّ الحكومة عمرُها ستة أو سبعة أشهر، «مِش مِحرزة نلبّك حالنا»، وعبّر عن رغبته تشكيلَ حكومة لا تختلف في جوهرها عن حكومة الرئيس تمام سلام الحالية، أي شكل الحكومة الحالية لكن مع بعض الروتوش. فوافَقه برّي وقال له «كما تريد».
وأكملَ الحريري حديثه وسأل برّي: ماذا تريدون في الحكومة؟ فردّ باسمِه وباسمِ «حزب الله» وقال طالما إنّ الحكومة التي يُراد تشكيلها هي صورة منقَّحة عن الحكومة الحالية، فحصّتُنا (حصة الشيعة 5 وزراء) تبقى كما هي بالحقائب ذاتها، أي المال، الأشغال، الصناعة والشباب والرياضة. وبالنسبة الى الوزير الخامس نريد وزيراً بحقيبة.
هنا تحفّظَ الحريري على الحقيبة للوزير الخامس، وأبدى عدمَ استطاعتِه تلبية هذا الطلب، فنزل برّي عند رغبتِه وقال «مِش مشكلة، خلّي الحكومة تمشي، وتسهيلاً لها نحن نَقبل بأن يكون الوزير الشيعي الخامس من دون حقيبة، أي وزير دولة، ولا نمانع ان يكون للشيعة وحدهم وزير دولة، المهم أن تمشي الحكومة.
ثمّ توجَّه الحريري الى برّي قائلاً: أريد أن أطلب منك طلباً، هل تعطيني وزارة الأشغال لي شخصياً؟ فردّ برّي: بهذا الأمر ستخلق لي إرباكاً، هناك معادلة متّبَعة في التمثيل عندنا، بين الجنوب والبقاع ولا نستطيع أن نتخطّاها، وإن تخطّيناها سنَدخل في إرباك كبير، لذلك أفضّل ألّا نذهب إلى هذا الأمر. فتفهَّم الحريري كلام برّي.
وهنا انتقلَ الحديث إلى حصص سائر الأطراف، فأشار الحريري إلى أنّ الحصة المسيحية هي مناصَفة بين «التيار الوطني الحر» و«القوات»، فسأله برّي: ماذا عن الكتائب، وماذا عن تمثيل النائب سليمان فرنجية، فردّ الحريري بأنّه طرَح على فرنجية حقيبة التربية لكنّه رفضَها، فاستغرَب برّي وقال ولماذا رفضَها، «ما معو حقّ»، هذه حقيبة أساسية، وفي أيّ حال أنتم حاوِلوا أن تتفاهموا معه حول هذا الأمر، وإن لم تتمكّنوا من إقناعه فأنا حاضر لكي أساعد وأقنعَه.
وسأل برّي عن حصّة النائب وليد جنبلاط، فقال الحريري إنّه يطلب حقيبة الصحّة، موحياً بأنّ هناك صعوبة في تلبية هذه الطلب، مشيراً إلى إمكان استبدالها بحقيبة العدل. هنا قال برّي للحريري: كما قلتُ لك في موضوع النائب فرنجية، أقول لك أيضاً إنّه في موضوع النائب جنبلاط أنا على استعداد لكي أساعد. وإن شئتَ فأنا على استعداد لكي أبدأ من الآن. لكنّ الحريري استمهَله.
بعد هذا الحديث تبيّنَ أنّ هناك إصراراً على أن تكون الحصة المسيحية حصراً بـ«التيار» و«القوات»، وأنّ هناك تحفّظاً كبيراً على مبدأ مشاركة فرنجية في الحكومة، لكن في ظلّ الأصوات المصرّة على تمثيل فرنجية تمّ القبول بمشاركته إنّما بوزارة لا تُعدّ أساسية. على أن يأتي تمثيله من خارج الحصّة المسيحية، أي مِن حساب الحصة المقابلة. فرَفض هذا الأمر، وتلا ذلك تبخُّر اقتراح الحريري إسنادَ التربية إلى فرنجية نظراً لاعتراض رئيس الجمهورية على هذه المسألة.
وتجلّى هذا الاعتراض في عدم موافقة عون على تشكيلة طرَحها الحريري على عون الأربعاء 16 تشرين الثاني الجاري وقبل يوم واحد من زيارة رئيس الجمهورية إلى بكركي، والتي تلاها في اليوم نفسه الخميس 17 تشرين الثاني، الاشتباك السياسي مع برّي.
يومها، أي الأربعاء، اتّصل الحريري قبل زيارته بعبدا بالرئيس برّي وأبلغه أنّه سيقصد القصر الجمهوري لعرض تشكيلته، فرحّب برّي بذلك وساد تفاؤل في عين التينة بأنّ الحكومة ستولد مساء ذلك اليوم، لكنّ ذلك لم يحصل تحت عنوان «الصباح رباح»... وعلى أن يردّ عون على الحريري قريباً.
وتّرَ الاشتباك الرئاسي جوَّ التأليف، فسارَع برّي بعد ظهر الخميس لإبلاغ الحريري بأنّ ما قاله له في اجتماعهما الأوّل لناحية الحقائب، هو كلام ثابت. وإضافةً إلى ذلك، أبلغَه بأسماء الوزراء الشيعة الخمسة.
بالإضافة إلى الإصرار على تمثيل فرنجية بحقيبة أساسية، مؤكّداً في الوقت ذاته أنّنا لا نشارك في الحكومة وفرنجية خارجَها. وفي جنبٍ آخر من الحديث بين برّي والحريري، كان رئيس المجلس يردّ بطريقة غير مباشرة على «الفيتو» الذي وضَعه بعض من هم حول رئيس الجمهورية، على بعض الأسماء القريبة من برّي، وتحديداً الوزير علي حسن خليل.
اختلطَت الأوراق بعد هذا الاشتباك، «القوات» أصَرّت على حصّتها وحجمها وعلى وزارات أساسية أوّلها الأشغال، فيما هي تلقّت عرضاً من الحريري بإسناد نيابة رئاسة مجلس الوزراء لها، وتقلّصَ العرض لفرنجية من حكومة أساسية إلى إعادة إسناد وزارة الثقافة له، على اعتبار أنّ الوزير روني عريجي قد نجح فيها. وهذا الأمر رفضَه فرنجية وكذلك حلفاؤه بالإصرار على الحقيبة الأساسية.
وواحدة من الصحة أو الاتّصالات أو الأشغال. وهذا ما أبلغَه وفد «المردة» المؤلف من عريجي والوزير السابق يوسف سعادة ويوسف فنيانوس إلى الحريري يوم الجمعة الماضي. ففي هذا اللقاء كان الحريري ودّياً إلّا أنّه بدا غيرَ قادرٍ على تلبية ما يريده «المردة»، فقال بداية إنّني في الحقيقة لستُ مستعجلاً على المستوى الشخصي إنّما البلد مستعجل على انطلاقة الحكومة.
إنتظر الوفد أن يتلقّى عرضاً من الحريري، إلّا أنّ ذلك لم يحصل، بل هو تمنّى على الوفد المشاركة في الحكومة، بصرف النظر عن الحقيبة التي يمكن أن تُسند الى «المردة»، «المهم ان تكونوا في الحكومة». وأمام إصرار الوفد على الحقيبة الأساسية، قال الحريري ما مفاده أنّني شخصياً لو عادت الأمور إليّ، لأعطيتكم ما تريدون، وأيَّ حقيبة تطلبون. وأوحى أنّ رئيس الجمهورية «مِش قابل» .
منذ يوم الجمعة، دخل التأليف في حال المراوحة السلبية، بين رفضِ إشراك فرنجية بحقيبة أساسية، وبين إصرار قوّاتي على الأشغال، في مقابل رفض قطعيّ لبرّي بالتخلّي عن الأشغال: «لم تكن هذه الحقيبة عند «القوات» وأنا أطلبها وأحاول أن أنتزعَها، هي كانت عندي وستبقى عندي». وبين رفضٍ لتكبير حصّة «القوات» على حساب سائر المسيحيين، وبين رفضِ إشراك للكتائب وعدمه، الأمرُ لم يُبت بعد.
تبعاً لذلك، الحريري يحاول جاهداً إخراجَ حكومته من عنق الزجاجة، يحاول تدويرَ الزوايا وخصوصاً مع من يُعتبرون في خانة الأصدقاء، لكنّ الأمور ما زالت مستعصية. هناك من ينتظر أن يليّنَ موقفَ الثنائي الشيعي، وهناك في المقابل من ينتظر دوراً ما لبعبدا مع جعجع، وأيضاً هناك من يقول إنّ شراكة فرنجية بحقيبة أساسية هي الأساس، وسيبقى الإصرار عليها ثابتاً حتى ولو بقيَ الحال على ما هو عليه مئة سنة.