سمعت الشيخ يقول أن البخاري قد بلغ من دقته أنه كلما جمع حديث استبعد مكانه عشرة، وسمعته يقول أن الأسبقين قد قاموا بتصحيح ما يقرب من ستمئة ألف حديث وردت عن النبى. وسمعته يقول أيضا أن رجل مثل الألباني قضي طول عمره يصحح ما ورد عن النبى..!
ما هذا أيها الأخوة…؟!
هل أتى النبى الكريم بالقرآن الكريم أم بالحديث وما الذي أوعز لكم أن قوله تعالي: “وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحى”
مقصود به الحديث وليس القرآن الكريم.
تعالوا نتأمل بعض الشئ رغم إننى كنت أحسبه أمر ظاهر لا يحتاج إلي تأمل لكن لا بأس. نزل الوحي علي الرسول الكريم وهو يتخذ لنفسه عزله عن صخب قريش ليلا في غار حراء بأطراف مكة. كان صلي الله عليه وسلم راعيا للغنم صباحا عند سيدة كريمة من سيدات قريش ومنعزلا متأملا ليلا في الغار.
بقي الرسول الكريم بمكة حيث نزل القرآن ثلاث عشرة سنة. ما نزل من القرآن خلالها سمى بالسور “المكية ” نسبة إلي مكة المكرمة وكانت الآيات المكية كما يقول الفقهاء آيات عقيدة وهذا مفهوم بالطبع لأنها كانت تخاطب مجتمع يتحول من حياة إلي أخري ومن تقاليد إلي أخري ومن عقيدة إلي أخري.
وكانت أيضا آيات أحكام حتى يقام بها الدين الجديد الذي بعث به محمد عليه الصلاة والسلام ولم يذكر قط أن أحدا من المسلمين كان يروي حديث عن الرسول في هذه الفترة وهذا منطقي أيضا إذا أن آيات القرآن الكريم نفسها كانت تكتب سرا وكانت تقرأ سرا ولم يكن سادة عظام مثل عمر وخالد وعمرو وأبى سفيان قد دخلوا في الإسلام بعد فكان طبيعيا أن يعبد الناس الله سرا وببضع آيات من القرآن تتلى سرا وقصة إسلام عمر بن الخطاب خير شاهد علي ذلك. فقد أسلم الرجل في منزل أخته فاطمة التى كانت تقرأ القرآن سرا عندما عقد العزم علي قتلها عندما أخبره أحدهم بهذا الأمر لكن قلبه تحول إلي الإيمان.
وعندما أذن الله لرسوله بالهجرة هاجر أيضا سرا وكان معه أصحابه من الضعفاء إلا قليل منهم مثل عمر وعندما وصل إلي المدينة كان كل ما يربو إليه هو الصلح بين قبيلتين كانتا تتزعمان السيادة وقد امتلأت صفحات التاريخ بنزاعات وحروب بينهما.
خاض الرسول الكريم في المدينة حربيبن.. بدر وأحد. انتصر في واحدة وانقلب فيها النصر إلى هزيمة في الثانية بفضل دهاء فارس العرب خالد بن الوليد.
عقد صلح الحديبية ومنع من دخول مكة في العام الذي أراد وعاتبه عمر في ذلك لأنه شعر بغضبة فارس أنه كان صلحا مهينا لكن الرسول وعمر ومعهم عشرات الآلاف يدخلون مكة بعد ذلك فاتحيين وبدون قتال.
في الفترة التى جاء بها صلح الحديبية كانت هناك عشر سنين لتدارس ما نزل فيها من القرآن الكريم بما يعرف بالسور المدنية ثم كانت السنة الفعلية الذي رآها المسلمون من الرسول والتى تجلت في قوله ” صلوا كما رأيتموتي أصلي”
وعندما رأي أن بعض الصحابة يكتبون عنه مثل أبو هريرة الذي كان مولعا بالنقل نهيهم عن ذلك وقال لهم بوضوح “من كتب عنى شيئا غير القرآن فليمحه”
وحتى لو تماشينا مع الذين يقولون أن الرسول قد أجاز الكتابة عنه بعد ذلك من غير القرآن فإن ذلك ينطبق علي الحديث المتواتر الذي نقله عن الرسول جمع عن جمع يستحيل تواطؤهم علي الكذب كما يقول الفقهاء.
وقد انتهج خليفة رسول الله أبو بكر الصديق هذا النهج ولم يقبل أن يسمع من يروي أو ينقل عن الرسول وهو ما فعله أيضا خليفته أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي كان أكثر حزما في ذلك خاصة عندما شاع عن أبي هريرة أنه يتحدث كثيرا عن الرسول وقد شدد علي نهيه وظل أبو هريرة متحفظا في النقل عن الرسول حتى مات عمر فملأ الدنيا أحاديث عنه صلي الله عليه وسلم.
واسمحوا لي في نقاط بسيطة أن أطرح عدة تساؤلات يمكن أن نستنتج منها إجابة لتساؤلنا الذي طرحناه أو حتى يمكن أن تأخذنا إلي وقفة نتأمل فيها ما أظنه جدير بالطرح..!
من كان أولي الناس بالرواية عن الرسول الكريم وأقرب الناس إليه ؟
الإجابة.. أبو بكر وعمر وعلي.
إذن ما هو كم الأحاديث التى رويت عن هؤلاء الأجلاء ؟
الإجابة.. لا شيئ..! او قليل جدا..!
ما الذي يمكن أن يثيره ذلك عندك وما الذي حمل الرواة بعد قرون من وفاة الرسول أن يروا عنه ويصححوا عنه ويصنفو عنه بينما أصحابه لم يفعلوا ذلك وكانوا به أحق..؟
هل كانت آيات القرآن الكريم المحكمة والمفصلة تحتاج إلي هذا الكم الهائل من الأحاديث التى نسبت للرسول و رغم حياة النبوة القصيرة علي نحو ما ذكرنا..؟
ولماذا قال صلي الله عليه وسلم لأصحابه “من كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار “
ولماذا كان هذا الكم الهائل الذي روي من الحديث في عهد الأمويين والعباسيين ؟
هذه بضع تساؤلات أتركها بلا إجابة ولعلها تحمل إجابة لكنى أريد أن أشير حتى لا يأخذنا أحدهم إلي قضية السنة وانكارها لا سمح الله.
نقول ونشدد.. القرآن الكريم هو المصدر الرئيسي للشريعة والسنة هي مصدرها الثانى لكنها السنة المتواترة التى نقلها جمع من الصحابة عن الرسول الكريم بالمعنى الذي أشرنا إليه والسنة الفعلية التى شاهدوها عليه صلي الله وسلم وهذه هي السنة التى يؤخذ منها الحكم الشرعي.
اللهم صل علي سيدنا محمد وانفعنا بسنته واهدنا إلى خلقه وقنا جميعا شر الكذب عليه.