يحاول بعض الإعلام تحميل الرئيس المكلّف سعد الحريري مسؤولية "تعطيل" تأليف الحكومة الأولى للعهد الرئاسي الجديد. ويحاول بعضه الآخر تحميل رئيس مجلس النواب نبيه بري المسؤولية نفسها جرّاء تمسّكه بوزارة المال وشاغلها الحالي ووزارة الأشغال العامة، وجرّاء إصراره على حقيبة وازنة للنائب سليمان فرنجية وعلى تمثيل حكومي للحزب السوري القومي الاجتماعي. ويحاول بعضه الثالث تحميل "التيار الوطني الحر" مسؤولية "التعطيل" جرّاء تمسكه باتفاقه "الحكومي" مع حليفه الجديد "القوات اللبنانية" لحصر التمثيل الحكومي المسيحي ولاحقاً النيابي بهما. ويحاول بعضه الرابع تحميل المسؤولية نفسها لـ"القوات" كونها تستغل حاجة الرئيس الجديد الى استمرار تأييد غالبية "الشعب المسيحي"، التي كبرت جداً بتحالفه وتياره معها، واكتشاف الفريقين أن ما يجمعهما من زمان أكبر بكثير بل أعمق بكثير مما فرّقهما بما في ذلك الدمّ والحروب والدمار.
هذه المسؤوليات الأربع صحيحة على وجه العموم. لكن الموضوعية تقتضي الإشارة هنا الى مسؤولية فريق خامس عن "تعطيل" تأليف الحكومة الأولى لعهد عون، رغم أن استعمال كلمة "تعطيل" في غير محلّه. ذلك أن الرئيس الحريري كلّف رسمياً يوم الخميس في الثالث من الشهر الجاري، ولم يبدأ الاستشارات الفعلية للتأليف الا بعد ثلاثة أو أربعة أيام من هذا التاريخ. وهذا يعني أنه لا يزال ضمن المهلة المعقولة. "فزمان الأول تحوّل" كما يقول اللبنانيون حين كانت الحكومات تؤلف بعد أيام قليلة من التكليف في الجمهورية الأولى، وأيضاً بعد أيام أو أكثر بقليل في الجمهورية الثانية أيام الوصاية السورية، وأخيراً خلال أسابيع وأشهر بعد انتهاء هذه الوصاية رغم بقاء "ملائكتها حاضرة"، وعودة الانقسامات الحادة بين "شعوب" لبنان.
والفريق الخامس المقصود هو "حزب الله". فهو لم يعارض حتى الآن تشدّد حليفه في "الثنائية الشيعية" الرئيس بري، ولا يزال على تفويضه إياه التفاوض حول الحكومة المرتقبة مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، وكذلك مع الأطراف السياسيين المعنيين. ويعني ذلك أنه راضٍ عن تنفيذ التفويض رغم ملاحظاته على الشكل أحياناً، كما يعني أن هناك أموراً عدة تقلقه ويريد من الحكومة الجديدة التي ستسمّى "حكومة وحدة وطنية" أن تكون المؤسسة الدستورية التي يستند إليها، إضافة الى مجلس النواب برئاسة حليفه بري، فضلاً عن الأسباب المتنوّعة الأخرى لقوته، لمواجهة أي طارئ جرّاء تغيّر جدّي في مواقف جهات الداخل وإن حليفة، أو جرّاء تعثّر جدّي وخطير في مواقف أطراف الخارج المتصارعين على لبنان وحواليه. طبعاً يثق "حزب الله" وأمينه العام السيد حسن نصرالله بالعماد ميشال عون وهو لم يخن الثقة. ولهذا السبب لم يرَ موجباً للبحث معه قبل اتخاذ قرار بإنهاء الشغور الرئاسي الطويل بواسطته في مرحلة ما بعد الانتخاب، وكل ما سيرافقها على صعيد الداخل من إجراءات دستورية وعلى صعيد الخارج من متغيّرات. وهذه الثقة لا تزال موجودة وبحجمها نفسه. وقد عزّزها قول عون الرئيس لنصرالله في مكالمة هاتفية على ما نشر قريبون من "حزب" الثاني: "الثوابت التي كنا ملتزمين بها قبل الرئاسة سنبقى ملتزمين بها بعد الرئاسة"، وقوله للموفد السعودي الأمير خالد الفيصل ان "لبنان سينتهج سياسة خارجية مستقلة ولن يكون تابعاً لأحد". لكن الحيطة والحذر واجبان في نظر قيادة الحزب، ويبررهما قريبون منه بتغيّر الظروف الآن. فعلى الصعيد العربي تحرّكت السعودية في اتجاه لبنان، وقطر والخليج عموماً ومصر. وقد تكون هناك محاولة لاستعادة عون و"تياره" من الفريق الاقليمي "الممانع" الذي أيده منذ أكثر من 10 سنوات، أو على الأقل لـ"تحييده". وقد يتشجع هذا الفريق بقبول عون دعوة السعودية لزيارتها بعد تشكيل الحكومة. ويعني ذلك أن أولى زيارة له للخارج ستكون لرأس المعسكر المعادي لـ"الحزب" ومعسكره. علماً أن الحزب كان يفضّل أن تكون الزيارة الأولى لفرنسا مثلاً، وليس لحليفته إيران أو سوريا أو حتى لمصر التي بدأت تعلن اقترابها المزمن من سوريا وربما من محورها الاقليمي، رغم أنه تلقى دعوة إيرانية وأخرى مصرية للزيارة. وسوريّا قال له موفد الرئيس بشار الأسد في أثناء التهنئة: الدعوة مفتوحة لك لزيارة سوريا. وكان جوابه بعد تثمينه عالياً الدور السوري "سأزور دمشق قريباً".
النهار