عندما قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنه «من الأَولى دعم الجيوش العربية الوطنية لفرض السيطرة على أراضي دولها»، مشيراً إلى أن المقصود بالجيوش الوطنية، في الحالة السورية، هو الجيش السوري النظامي، لم يصدر أي موقف خليجي معترض، بعكس ما حصل عندما صوّتت مصر في مجلس الأمن، خلافاً للموقف السعودي، الرافض قراراً روسياً يتعلّق بسوريا. حينها لم يتردد مندوب السعودية برفض الموقف المصري «المخالف للإجماع العربي» ووصفه بالـ «مؤلم». لم تكتف السعودية بذلك، بل أوقفت «آرامكو» إمداد مصر بالغاز «حتى إشعار آخر».
ما الذي تغير حتى ينتقل السعوديون من «الرفض» إلى «الصمت»؟
يجيب أحد المطلعين بأن تقارب مصر مع النظام السوري «لن يؤدي إلى تدهور العلاقات المصرية الخليجية، كما يتوقع البعض، بل على العكس». يعتبر أن هذا التقارب فيه مصلحة استراتيجية كبرى للسعودية وهي كبح النفوذ الإيراني، وبالتالي «حزب الله» في سوريا، وصولاً إلى إعادة سوريا للحضن العربي. ويقول إن السعوديين الذين أبلغوا رئيس مكتب الأمن الوطني السوري اللواء علي مملوك، قبل عام ونيّف، أن مشكلتهم تكمن في النفوذ الإيراني في سوريا، يرون أن «الشقيقة الكبرى للعرب» هي الأقدر على رفع ما يظنونه «وصاية إيرانية على النظام السوري».
في لبنان، يبدو أن السعوديين يسيرون على الدرب نفسه. اندفاعتهم تجاه الرئيس ميشال عون، وسعيهم لأن تكون زيارته العربية الأولى إلى الرياض، يصبّ في السياق نفسه: السعي إلى إبعاد عون عن إيران و «حزب الله».
في ما سبق، يمكن التوقف أمام سلوكين سعوديين مختلفين لهدف واحد. في الحالة السورية، قررت الرياض الاستفادة من الانفتاح المصري على النظام السوري لإحياء آمالها بإمكان إبعاده عن إيران، لكن في لبنان، قررت الاعتماد على نفسها مباشرة في عملية إبعاد ميشال عون عن إيران، مستغنية عن «الأخ الأكبر»، الذي سبق أن سعى، عبر وزير الخارجية سامح شكري، إلى أن يبدأ عون زياراته الخارجية من القاهرة، بما تحمله من رمزية وسطية وقدرة على الجمع والتواصل مع الجميع.
لا يُبدي مصدر متابع للموقف المصري اقتناعاً بربط الصمت السعودي بالسعي إلى استمالة سوريا عبر مصر، بل يراه مرتبطاً حصراً بالتوتر المستمرّ بين الرياض والقاهرة منذ الخلاف الذي حصل في مجلس الأمن. جاء ردّ الفعل السعودي حينذاك من خارج سياق العلاقة بين البلدين. فالخلافات لطالما حكمت هذه العلاقة بينهما، إلا أن الغرف المغلقة كانت دائماً هي المكان الأنسب لحل هذه الخلافات. ولذلك، يعتبر المصدر أن السعودية ظنّت أن دعمها مادياً لمصر بعد «ثورة 30 يونيو»، يجعلها مدينة لها في مواقفها، فيما المصريون يعتبرون أن ما فعله الجيش المصري حينها، خدم السعودية كما خدم الشعب المصري تماماً، لأن بقاء «الاخوان» في الحكم كان ليشكل كارثة على الطرفين.
يثق المصريون أن موقفهم تجاه سوريا ثابت ولا يتأثر بالمتغيرات أو بانزعاج هذا أو ذاك. هم لم يغيّروا مسارهم منذ البداية، فكان رأيهم في مجلس الأمن متناغماً مع هذه السياسة لجهة أولوية الحل السياسي ورفض عسكرة الأزمة السورية.
الأمر نفسه حدث في اليمن، حيث أكدت مصر منذ البداية أنها تؤيد «تحالف الشرعية»، لكنها رفضت التدخل في الحرب، لا بل دعت إلى إنهائها، لما تسببه من إحراج إنساني. يخلص المصدر إلى القول إن الموقف المصري من قضايا المنطقة ليس مبنياً على حسابات تتعلق بمصالح الدول الأخرى، حتى لو كانت حليفة، إنما بحسابات استراتيجية تتعلق بالدولة المصرية نفسها. وهي لذلك، على سبيل المثال، عندما ساءت علاقتها بالسعودية، لم تذهب إلى محور آخر.
ردّ الفعل السعودي جاء مفاجئاً جداً بالنسبة للمصريين، ولأن انزعاج القيادة المصرية كان جلياً، عمدت السعودية إلى القيام ببعض الخطوات الهادفة إلى امتصاص الغضب المصري. وضمن هذه الخانة، يمكن وضع استقالة السعودي إياد مدني من الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي، والتي أتت إثر تهديد المصريين بمراجعة التعاون مع المنظمة إثر استهزاء مدني بالسيسي.
وقد صار معلوماً أن الإماراتيين، مثل الكويتيين، تدخلوا لإصلاح ذات البين، إلا أنهم ووجهوا بموقف مصري متصلّب، فيما أدرك السعوديون أن رد فعلهم العنيف على الموقف المصري في مجلس الأمن أتى بأثر عكسي. وعليه، فإن المصدر يرى أن السعوديين، في إطار سياسة التهدئة التي اعتمدوها مؤخراً، ليسوا بوارد التعليق على أي موقف مصري، بغض النظر عما إذا كانوا يؤيدونه أم لا.
في الخلاصة، يقول المصدر إن «مصر الجديدة، لا تُقاد ولا في وارد أن تقود. هي مصر التي تتصرّف وفق منظورها للمصالح المصرية والقومية، لا وفق ما يشتهي لها هذا أو ذاك، وبالتالي، لن تكون جزءاً من محور ضد آخر».
السفير