من المؤكد أن الاتصالات لحلحلة العقد التي تؤخّر تأليف الحكومة ستستأنف اليوم، وسيشهد «بيت الوسط» استقبالات تصب في هذا الإطار، بعد «ويك اند» رابع على تكليف الرئيس سعد الحريري، لم يشهد أي تطوّر يذكر، في وقت كان انشغل فيه الرئيس الحريري في المؤتمر الثاني لتيار «المستقبل»، الذي استمر يومين (السبت والأحد)، وبدأ بكلمة سياسية مهمة لرئيس التيار وانتهى بانتخاب أعضاء المكتب السياسي في عملية ديمقراطية تميزت بالسلاسة والحرية، وجرت على خلفية نقاشات المؤتمر، ووقوف قيادة «التيار» على مسافة واحدة من كل المرشحين.
وعلمت «اللواء» من أوساط المشاركين أن المؤتمر الثاني «للمستقبل» شكّل نقلة نوعية سواء ما يتعلق بالتيار نفسه أو بالتجربة السياسية اللبنانية، حيث تميزت المداخلات بالجرأة والموضوعية والنقاش الحر، والابتعاد عن «الرأي الواحد»، انطلاقاً من هوية التيار العابرة للطوائف والعابرة للمناطق، وبصفته «تيار الحريات في مواجهة كل مستبد، وتيار السيادة في مواجهة كل وصاية واحتلال، وهو تيّار العدالة في مقاربة الارهاب والتطرّف والفوضى والخراب والفتنة باسم الاسلام والمسلمين» على حد تعبير الرئيس الحريري الذي أعيد انتخابه رئيساً للتيار بالتزكية.
وانطلاقاً من ثوابت التيار في العيش المشترك وصيغة المناصفة التي لا رجوع عنها بين المسلمين والمسيحيين وشرعية المؤسسات، تستأنف اليوم، وهذا الأسبوع، اتصالات تأليف الحكومة لحلحلة العقبات التي أخرت التأليف لغاية اليوم.
ووفق مصدر مقرّب من الرئيس المكلف، فان العقبات ليست سهلة، لكن الحكومة ستتألف عاجلاً أم آجلاً.
وقائع التعثر
وبصرف النظر عن مسألة المواعيد التي تذهب من يوم ليوم ومن أسبوع لأسبوع، بانتظار عيد الميلاد لدى الطوائف المسيحية، كمحطة قصوى للولادة هذا العام، سواء كانت طبيعية أم قيصرية، فان مسألة التأليف تواجه ليس عقدة من هنا أو من هناك، بل تعثر حقيقي كاد لبعض المصادر أن تقول انه عاد الى المربع الأول.
فماذا في الوقائع المتعثرة؟
1 - لم يجب تيّار «المردة» على العرض الذي قدمه الرئيس الحريري لوفد «المردة» في لقائهما الأخير، والذي يتعلق بتخيير التيار بين واحدة من ثلاث حقائب: التربية، الثقافة، أو الاقتصاد.
2 - لم تجب «القوات اللبنانية» بصورة نهائية على ان تكون وزارة الاشغال من حصة الرئيس نبيه برّي، وهي تشترط لتقديم الإجابة أن تتبلغ عرضاً جديداً من الرئيس الحريري لوزاراتها.
3 - لم يعرف ما إذا كان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني الأمير طلال أرسلان سيقبل بحقيبة البيئة إلى جانب وزارة العدل للطرف الدرزي، مع الإشارة إلى أن النائب وليد جنبلاط لا يرى مانعاً من تولي النائب مروان حمادة وزارة العدل.
4 - من الثابت أن الرئيس برّي على تمسكه بوزارة الاشغال، وليس من الوارد لديه أن يقبل بوزارة الصحة التي كانت من حصته في يوم من الأيام.
5 - يعترض «اللقاء الارثوذكسي» على تغييبه عن تسمية الشخصيات التي تمثل الارثوذكس في الحكومة العتيدة، ولا يُخفي نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي استياءه من أن تسمي «القوات اللبنانية» نائب رئيس الحكومة لهذا المنصب، متسائلاً: ما هو دور مرجعيات الارثوذكس اذا كان لا حق لهم بتسمية وزرائهم؟ فضلاً عن تسمية «التيار الوطني الحر» وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال لوزارة الدفاع، بدل الوزير سمير مقبل الذي يبدو مغيباً بالكامل عن المشهد الى جانب نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري والمرجعية الروحية للأرثوذكس.
6- وفي المشهد على جبهة «حزب الله» وبمعزل عن الكلام الذي قاله أمس نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم من أن «الأمر الأصعب قد تمّ وهو التكليف، أما عقبات التأليف فليست جوهرية، وبكل صراحة تتطلب بعض المرونة، ولا داعي لتتأخر الحكومة في تشكيلها، وبالإمكان التعاون لنصل في أسرع وقت لإنجازها»، فإن معطيات الحزب تُشير إلى أن تعثّر الحكومة مرده:
أ- فقدان وحدة المعايير في عملية التأليف، وهذا أصل الأزمة، وتتساءل مصادر الحزب: كيف يمكن للبعض أن يحتفظ بالحقائب نفسها التي كانت بحوزته في حكومة تصريف الأعمال ويطالب بالمداورة في ما يتعلق بالحقائب الأخرى، وكأن مبدأ المداورة يطبق على بعض الكتل ولا يطبق على سوها؟
ب- وترفض هذه المصادر أن يكون فريق 8 آذار هو الذي يعرقل، متهمة «القوات اللبنانية» ورئيسها سمير جعجع بالعرقلة.
وفي هذا المجال تتساءل المصادر: كيف يمكن أن تتمثل «القوات اللبنانية» التي لديها كتلة من سبعة أو ثمانية نواب بمقاعد وزارية تفوق الحجم المناسب، في حين يعترض على حصة بعض الأفرقاء المسيحيين من «المردة» إلى «الكتائب»، معتبرة أن حصة الكتائب التي تضم خمسة نواب من غير العدل أن تتمثل بوزير واحد.
ولادة طبيعية أم قيصرية؟
وسط هذه المعمعة، لم يسقط خيار ولادة الحكومة نهاية الأسبوع الطالع، والملاحظ أن بعبدا التي لم تشهد علناً أي حراك يتعلق بتذليل العقد، في ضوء البرودة التي تحكم علاقة الرئيس ميشال عون بكل من الرئيس برّي والنائب سليمان فرنجية، تعتبر أن مهلة التأليف الطبيعية لم تتجاوز السقف الزمني لما وصفته «بالولادة الطبيعية» غير «القيصرية»، الأمر الذي فهم منه أن خيار الحكومة القيصرية يراود المعنيين بملف التأليف، بما في ذلك العودة إما إلى خيار حكومة الثلاثين أو حكومة تكنوقراط، على طريقة «آخر الدواء الكي»، مع إدراكها أن لمثل هذا الخيار محاذير ليس من السهل احتواؤها.
ولفتت مصادر نيابية في كتلة «المستقبل» إلى أن الرئيس الحريري لم يترك اقتراحاً إلا واقترحه من أجل ولادة طبيعية للحكومة والمحافظة على التوازن السياسي من خلال إرضاء الجميع، وهو كان يطمح أن تكون حكومته مؤلفة من 24 وزيراً ولكن وبسبب شهية المستوزرين عاد واقترح أن تكون حكومته ثلاثينية ولذلك لم يتم حسم حجمها بانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات والمشاورات.
ولا تخفي المصادر نفسها أن يكون موضوع العقد المتعلقة بالتمسك بحقائب معينة أبعد من هذه الحقائب للوصول إلى مرحلة السعي لإفشال جهود الرئيس المكلف وإضعافه لأسباب سياسية، وبالتالي «كربجة» انطلاقة العهد وإظهار رئيس الجمهورية بموقع الضعيف وعاجزاً عن الوفاء بالوعود التي أطلقها قبيل وصوله إلى سدة الرئاسة.
وفي هذا السياق، كان لافتاً للانتباه انتقاد الرئيس نجيب ميقاتي لطريقة تشكيل الحكومة، بعد زيارته لرئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام في المصيطبة، غامزاً من قناة الرئيس عون عندما أشار إلى أن «الطريقة التي يجري فيها تشكيل الحكومة لا تحمل شعار الإصلاح والتغيير ولا التغيير الحقيقي» (في إشارة إلى الرئيس عون)، مضيفاً «وكأن المسألة توزيع مغانم أو تركات أو حصر إرث».
ولاحظ ميقاتي الذي أشاد بأداء الرئيس سلام خلال توليه الحكومة، «أن الجدال الحاصل بشأن توزيع الحقائب الوزارية يوحي وكأن الانتخابات النيابية المقبلة في الربيع لن تحصل».
مؤتمر «المستقبل»
وكان المؤتمر العام الثاني لتيار «المستقبل» قد اختتم أعماله مساء أمس بانتخاب الرئيس الحريري رئيساً للتيار بالتزكية لعدم وجود منافس، وكذلك أحمد الحريري أميناً عاماً.
وانتخب المؤتمر الذي شارك فيه 2400 عضو و400 عضو مراقب 20 عضواً للمكتب السياسي، بعد رفع عددهم إلى 20 بدلاً من 18 بناء لتوصية الرئيس الحريري الذي عيّن وفقاً للنظام الداخلي للتيار 12 عضواً، من بينهم خمس نساء إضافة إلى العضوتين اللتين تمّ انتخابهما بالاقتراع (أمل شعبان ونوال مدللي) لتحقيق حصة وازنة للنساء في المكتب السياسي، وفقاً لما كان شدّد عليه أمام المؤتمرين، وبذلك أصبح عدد أعضاء المكتب السياسي المنتخبين والمعيّنين: 32 عضواً.
كما عيّن الرئيس الحريري كلاً من الوزيرين السابقين: باسم السبع وريّا الحسن وسمير ضوميط نواباً للرئيس والنائب جمال الجرّاح ممثلاً للتيار في كتلة «المستقبل» النيابية.
وفاز المحامي محمّد المراد بمنصب أمين سر هيئة الإشراف والرقابة بالتزكية.
وبعد اكتمال أعضاء المكتب، عقد اجتماعاً تمّ فيه انتخاب أحمد الحريري أميناً عاماً للتيار، وسيعقد أحمد الحريري مؤتمراً صحفياً عند الواحدة من ظهر اليوم الاثنين.
وأكد المكتب الإعلامي للتيار في بيان، أن «عملية الانتخاب، تمت في أجواء ديموقراطية وهادئة، بعد جلسات مغلقة استمرت على مدى يومي السبت والأحد، ناقش خلالها أعضاء المؤتمر التقرير السياسي والوثيقة الاقتصادية الاجتماعية للتيار، إضافة إلى التقرير التنظيمي والنظام الداخلي، قبل أن يختتم المؤتمر أعماله بإصدار التوصيات السياسية والاقتصادية والتنظيمية، كحصيلة للتقارير المذكورة بعدما تم تعديل بعض بنودها بناء على ملاحظات المؤتمرين واقتراحاتهم» (التفاصيل ص 3).
ملف العسكريين
وفي ملف العسكريين المخطوفين لدى «داعش» والذي أعيد إحياؤه بعد العملية النوعية والاستباقية التي نفذتها وحدة من الجيش في «وادي الأرانب» وكانت محصلتها توقيف أمير «داعش» في عرسال أحمد أمون و10 من عناصره في هذه العملية، كشف المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الذي يتولى ملف التفاوض، عن وسيط آخر في ملف العسكريين، نأمل أن يكون جدّياً.
وشدّد إبراهيم على أنه يتابع هذا الملف لحظة بلحظة، لكن المشكلة أنه لم يكن هناك من مفاوض جدّي، مشيراً إلى أن الوسيط الجديد يبدو أكثر جدّية ممن سبقه، موضحاً بأن الوضع الصحي لأمون، والذي أوقفته مخابرات الجيش في عملية عرسال لا يسمح له حتى الآن بالإدلاء بأي معلومات بالنسبة لمصير العسكريين المخطوفين.