انشغل الرئيس سعد الحريري خلال عطلة الأسبوع بالانتخابات الداخلية في «تيار المستقبل»، فتوقفت عجلات التفاوض حول تأليف الحكومة عن الدوران، ليتحول اهتمام الرئيس المكلف من البحث في التركيبة الحكومية، الى مواكبة ولادة التركيبة التنظيمية المتجددة لـ«المستقبل».
وما ساهم أيضا في تبريد خطوط مساعي التأليف هو وجود الوزير جبران باسيل في البرازيل، سعياً الى تزخيم الطاقات الاغترابية، بعدما ضاقت الحقائب الوزارية بـ «الطاقات المحلية»!
ولئن كان الحريري قد فاز برئاسة تياره بالتزكية، فإن الإنجاز الأهم هو أن يفوز سريعاً بتشكيلة حكومية متوازنة ومنتجة، لان استمرار هدر الوقت من دون إنجاز التأليف سينعكس سلبا عليه وعلى العهد الجديد.
وأبلغت مصادر مواكبة للملف الحكومي «السفير» أن العقد لا تزال تراوح مكانها، وأن كل طرف مستمر في التمسك بطروحاته، في انتظار حدوث اختراق ما من خلال تنازلات متبادلة، موضحة أن «القوات اللبنانية» باقية على مطالبتها بحقيبة «الأشغال العامة»، و«تيار المردة» على موقفه الداعي الى منحه «الطاقة» أو «الاتصالات» أو «الأشغال»، كما أن «التيار الوطني الحر» يتمسك بـ«التربية»، علما أن الرئيس نبيه بري كان قد اقترح أن تكون «الأشغال» و«التربية» من حصة فريقه السياسي على أن يتولى هو التفاهم مع النائب سليمان فرنجية حول الحقيبة التي ستؤول الى «المردة».
وتردد أن من بين الخيارات الممكنة لمعالجة العقد، محاولة إقناع «القوات» بنيل «الصحة» بدل «الأشغال»، إضافة الى البحث في إمكان أن يتخلى «المستقبل» عن «الاتصالات»، لتُمنح الى «المردة».
ولئن كان هناك من يتوقع أن تأتي الحكومة المقبلة امتدادا لسابقاتها، على مستوى المحاصصة والنهج، فإن ما يمكن أن يشفع لها ويخفف من وطأة علاتها هو أن تولد بسرعة، ليس حباً فيها، بل كرهاً بقانون «الستين» وأملاً أن تكون أولويتها وضع قانون انتخاب جديد، يمهد لمرحلة مغايرة، على قاعدة إعادة تكوين السلطة.
وبرغم أن المتطلعين الى قانون عصري على أساس النسبية لا يزالون يأملون تحقيق هذا الطموح، قبل دعوة الهيئات الناخبة في النصف الاول من شهر شباط المقبل، مرتكزين على قوة الدفع التي أفرزها انتخاب العماد ميشال عون رئيسا، إلا أن الواقعية السياسية تدفع في اتجاه الاعتقاد بأن فرص إنجاز مثل هذا القانون آخذة في التضاؤل، يوما بعد يوم، تحت وطأة «الحيل السياسية» من جهة، وعامل الزمن الذي بات ضاغطاً من جهة أخرى، مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقررة في 21 أيار المقبل.
وقالت مصادر سياسية لـ «السفير» إنها تخشى من أن يستفيد البعض من إجازات شهر الأعياد والوقت الذي يتطلبه تشكيل الحكومة ثم وضع بيان وزاري وبعد ذلك نيل الثقة، من أجل محاولة تمييع أولوية قانون الانتخاب الجديد، معتبرة أن المشكلة تكمن في النيات المضمرة التي تحاول استهلاك الزمن وتقطيعه، للوصول في نهاية الأمر الى فرض إجراء الانتخابات على أساس «الستين».
ولفتت المصادر الانتباه الى أن إقرار قانون جديد يبقى ممكناً في ربع الساعة الأخير، إذا توافرت الإرادة الحقيقية والصادقة، لأن كل المشاريع أشبعت درساً وتمحيصاً، وبالتالي لم يعد ينقص سوى القرار السياسي باعتماد هذا المشروع أو ذاك.
وفيما يشكل الإبقاء على «الستين» انتكاسة للعهد، اعتبر بعض المقربين من الرئيس ميشال عون أنه يجب عدم تحميل الأشهر الستة الأولى من ولايته أثقال كل المطالب دفعة واحدة، من حكومة ثورية الى قانون انتخاب عصري، مرورا بالإصلاحات ومكافحة الفساد.
وأشار هؤلاء الى أن الأشهر الأولى من الولاية الرئاسية هي انتقالية حُكماً، ما يفسر احتمال أن تأتي الحكومة المقبلة مزيجاً بين موروثات الحقبة السابقة وتطلعات الحقبة الجديدة، «وكذلك الأمر بالنسبة الى قانون الانتخاب الذي يجب بذل أقصى الجهود لتعديله وتطويره، ولكن إذا لم يحصل ذلك الآن، فهذه ليست نهاية العالم، إذ هناك متسع من الوقت أمام العهد لإنتاج القانون الأفضل في ما بعد».
وأكد المدافعون عن العهد أن حصول الانتخابات على أساس قانون عادل وعصري هو حتماً أفضل بألف مرة من إجرائها وفق «الستين»، فإذا تعذر ذلك، يصبح حصولها على قاعدة «الستين» أفضل بكثير من عدم إجرائها.
وتقول بعض الأوساط السياسية إن ما يخفف من وطأة «الستين» على المسيحيين هذه المرة هو التحالف بين «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» الذي من شأنه أن يُحسن تمثيل هاتين القوتين في المجلس النيابي المقبل، أياً كان قانون الانتخاب.
لكن أوساطاً بارزة في تكتل «التغيير والإصلاح» أكدت في المقابل لـ «السفير» أن «الستين» لا يفيد المسيحيين ولا يعدل في صحة تمثيلهم، إلا على مستوى بعض التفاصيل والجزئيات، برغم زخم تحالف «التيار» - «القوات»، مشددة على أن التحدي المحوري يكمن في تحرير مقاعد قرابة 30 نائباً مسيحياً «خارج السيطرة»، من هيمنة الصوت المسلم، من عكار الى بيروت مروراً بالشوف وزحلة، وغيرها من المناطق.
مخاوف بري
الى ذلك، قال الرئيس بري أمام زواره امس إنه لم يتبلغ بأي جديد خلال اليومين الماضيين في ما خص مساعي تأليف الحكومة.
وحذر بري من أن الوقت يمر، مشددا على ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة من أجل التفرغ لقانون الانتخاب.
ونبه الى أنه بعد شهر من الآن تقريبا سيصبح من الصعب جدا إنجاز قانون جديد وإجراء الانتخابات على أساسه، لان المهلة الفاصلة عن موعد الانتخابات ودعوة الهيئات الناخبة تضيق شيئا فشيئا.
وأبدى بري تخوفه من وجود أطراف داخلية تضغط في اتجاه فرض قانون «الستين» كأمر واقع على قاعدة أنه يخدم مصالحها، محذرا من أن أي أمر من هذا القبيل سيضع الطبقة السياسية في مواجهة الأكثرية الساحقة من اللبنانيين التي أكدت رفضها لـ «الستين»، كما أظهر أحد استطلاعات الرأي.
وكرر بري التنبيه الى أن اعتماد «الستين» سيشكل نكسة كبرى للعهد الجديد.
ولفت الانتباه الى أن كتل «التنمية والتحرير» و «الوفاء للمقاومة» و «الإصلاح والتغيير» تلتقي حول قاسم مشترك أساسي وهو ضرورة وضع قانون جديد يحقق عدالة التمثيل، معتبراً أن أي قانون يظل أفضل من «الستين» الذي لا يليق بطموحات اللبنانيين.