شدد الرئيس سعد الحريري على مجموعة من الثوابت في شأن "تيار المستقبل"، مؤكدا أنه تيار اعتدال وحريات وتيار العيش المشترك والشرعية والنهوض الاقتصادي وقال: "نحن تيار جامعات لا تيار ميليشيات".
وقال الحريري خلال افتتاحه المؤتمر العام الثاني لـ"تيار المستقبل" في البيال: "إذا كان تيار المستقبل هو الأمانة التي أودعنا إيّاها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فأنتم تؤكدون في هذا المؤتمر، إرادة المحافظة على الأمانة. وهو مؤتمر ينعقد في مرحلة من أدق وأصعب المراحل في تاريخ لبنان والمنطقة العربية. وشئنا أن يواكب المبادرة السياسية، التي أطلقناها، وأنهت الفراغ في رئاسة الجمهورية، بانتخاب الرئيس ميشال عون، ونقلت لبنان من المراوحة في دوائر الخطر واليأس والتعطيل، الى دائرة إنقاذ الشرعية من الانهيار. ونجحنا بحمد الله، في تجنيب لبنان الانزلاق نحو المخاطر المحيطة، وقرّرنا أن نقوم بتسوية سياسية، لم يكن لها من هدف سوى العبور بلبنان من حقول الألغام الإقليمية والمحلية الى منطقة آمنة تحت مظلّة الوفاق الوطني. هذا النجاح هو اليوم في الرصيد الوطني لتيار المستقبل. إنّه في رصيد المؤتمر الثاني للتيار، الذي يشكل علامةً فارقة في مسيرتنا التنظيمية والسياسية والديموقراطية".
ولفت إلى أن "السنوات الاخيرة التي اعقبت المؤتمر الاول، لم تكن سهلةً على الإطلاق، وقد كان لغيابي الطويل لأسباب قسرية تعلمونها جميعاً إنعكاسات سلبية على التيار، أعرفها جيداً، وتناقشت في شأنها مع الكثير منكم. كما خسرنا باستشهاد وسام الحسن، ومحمد شطح، ركنين أساسيين للقضية الوطنية اللبنانية، وللمسيرة التي أرادها رفيق الحريري: مسيرة الشرعية والعروبة والدولة المدنية. باسمكم أتوجّه بتحية وفاء وإكبار الى روح الشهيدين البطلين، والى ارواح شهداء تيار المستقبل وانتفاضة ١٤ آذار جميعاً".
وأضاف: "الامانة توجب عليّ الاعتراف لكم اليوم، بأنّكم أنتم الذين شكّلتم خطّ الدفاع الاول عن تيار المستقبل. وانّ التيار قد صمد بفضل صدقكم أنتم، وإخلاصكم أنتم في وجه العواصف الخارجية وحملات التجنّي ومحاولات الاختراق وبقي التيار، وسيبقى بإذن الله، رقماً صعباً في المعادلة الوطنية، يستحيل كسره والتطاول عليه أو التلاعب فيه. وها هو التيار اليوم، يقدم الدليل القاطع على موقعه الاستثنائي في الحياة السياسية، والذي نراهن على ترجمته في هذا المؤتمر. لم يرغب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ولم نرغب نحن من بعده، ان نكون عدداً يضاف الى الأعداد الحزبية والسياسية في لبنان. أردنا لتيار المستقبل ان يكون مشروعاً لبناء وطن، وهذا ما سنكمل الدّرب اليه بإذن الله. وهذه مناسبة كي أؤكد في افتتاح اعمال المؤتمر على مجموعة من الثوابت، التي تتكامل مع رؤيتنا للبنان الذي نريد:
"نحن تيار هوية لبنان العربية، التي لا منافس لها في هويّة البلد. فالعروبة فعل انتماء عميق، لبيئة حضارية وانسانية وثقافية، ولن تكون فعل استقواء ووصاية وهيمنة او وسيلةً لاستيراد الولاء الطائفي والمذهبي.
نحن تيار لبنان أولاً، تيار الشرعية، تيار الدولة القوية التي لا تتقدّم على سلطتها أيّ سلطة، ولا يشاركها في سلاحها أيّ سلاح، ولا تعلو على مرجعيّتها أيّ مرجعيّة.
انها شرعية الجمهورية اللبنانية واتفاق الطائف. شرعية المؤسسات الدستورية التي تنبثق من إرادة الشعب والإجماع الوطني، لا من إرادة أولياء الأمور والوصايات الخارجية.
نحن تيار العيش المشترك بين اللبنانيين وصيغة المناصفة التي لا رجوع عنها بين المسيحيين والمسلمين.
ونحن تيار الاعتدال العابر للطوائف والمذاهب والمناطق، والامين على رسالة رفيق الحريري في مقارعة الارهاب والتطرّف، والفوضى والخراب والفتنة بإسم الاسلام والمسلمين.
نحن تيار الحريات، في مواجهة كل مستبدّ، وتيار السيادة في مواجهة كل وصاية واحتلال.
نحن تيار النهوض الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. تيار الجامعات لا الميليشيات. تيار البناء والإعمار والتطور الإنساني. تيار مكافحة الفقر والحرمان، والانتصار لحقوق الناس بالعلم والطبابة وفرص العمل وكرامة العيش.
نحن تيار الانفتاح على العالم وتجديد الثقة بلبنان ورسالته ودوره المميّز في العالم العربي وحماية علاقاته الاستثنائية مع أشقّائه".
وقال: "نحن اليوم أمام تجربة ديموقراطية في تيارنا الديموقراطي، تيار المستقبل، الذي يعتبر نفسه نموذجا ورائدا في الدفاع عن نظامنا الديموقراطي اللبناني. عندما بدأنا التحضير لهذا المؤتمر، كثر منكم سمعوا أنه سيتأجل غدا، و"يندفش لبعدين"، كما هي الموضة في كثير من التيارات والأحزاب السياسية. وعندما اتّفقنا على موعد لانتخابات المناطق والمندوبين، كثر حاولوا القول أنها ستكون انتخابات معلّبة، نتيجتها معروفة سلفا، ولن تشهد لا مشاركة ولا منافسة. والحمد لله، وبفضل جهودكم واندفاعكم وإيمانكم بالديمقراطية،كانت من أنجح وأجمل الانتخابات ونتيجتها واضحة أمام العالم كله: نتيجتها أنتم، الحاضرون في هذا المؤتمر بتكليف من كل القواعد الشعبية في تيار المستقبل، من كل لبنان".
وتوجه إلى أنصار "المستقبل" بالقول: أنتم مكلّفون من القواعد التي انتخبتكم بمهمتين:
الأولى إجراء مراجعة نقدية لمسيرة تيارنا من مؤتمرنا الأول حتى اليوم، والثانية تحقيق كل مطالب تجديد قيادة التيار وضخّ الدم الجديد وإعطاء الفرصة لجيل الشباب والشابات الذي يملك الكثير ليعطيه لتيارنا وبلدنا، والذي هو المستقبل: مستقبل .... المستقبل! هذا المؤتمر مؤتمركم، وأنا في هذا المؤتمر واحد منكم: ليست لدي لائحة أريد فرضها ولا رأي مسموح أو ممنوع. ناقشوا بحرية وبصدق وتواضع، انتقدوا تجربة السنوات الماضية من دون أن تلبسوا القفازات، لكن الأهمّ: قدموا إقتراحات، قدموا حلولا، ولا تتركوا شاردة وواردة لا بالسياسة، ولا بالتنظيم. مارسوا حقكم باختيار قيادتكم الجديدة، وأعود وأؤكد: لا أحد يقول لكم: "هيدي ليستة الرئيس الحريري". أنتم جميعكم "لائحة سعد الحريري"! أولاً أنا هنا ليس كرئيس، أنا واحد منكم. تانياً: ليست لدي لائحة، أنا على مسافة واحدة من كل المرشحين وليس لدي سوى تمنّ واحد، وبتّم جميعكم تعرفوه: أريد شبابا وشابات في كل لائحة، وأريد شبابا وشابات في قيادة التيار".
وتابع: "حان وقت الشباب والشابات، حان وقت العودة إلى فكرة الحداثة، والنظر إلى الأمام، التي ميّزت تجربة مؤسسنا، الرئيس الشهيد رفيق الحريري. ليس بالصدفة أن أسماكم رفيق الحريري "المستقبل". نحن "المستقبل" والمستقبل للشباب! والمستقبل يعني النظر إلى الأمام، والاعتراف بدور المرأة، وتكريس دور المرأة في كل قطاعاتنا وهيئاتنا وفي قيادة تيارنا ومجتمعنا. هذا الكلام لا ينتقص من أي جيل: نحن تيار كل الأعمار والأجيال، وكبارنا هم حكماؤنا، وهذه مناسبة لنوجه تحية لجيل المؤسسين. جيل رفاق درب الرئيس الشهيد رفيق الحريري. هم ذاكرتنا، وهم التجربة التي منها ننطلق لنبني تيارا أفضل للبنان ونحافظ على مسيرة رفيق الحريري ومدرسة رفيق الحريري".
وقال: "صحيح أن هذا المؤتمر هو مؤتمر تيار المستقبل. لكن كل هذا العمل والجهد والتعب، ليس لهدف حزبي ضيق: هدفه أن يكون تيار المستقبل، تيارا واثقا من نفسه، مرتكزا على دعم قواعده، ليكمل رسالته الأساسية، التي هي خدمة لبنان". وأضاف: "أعلم أن الفترة السابقة، كانت صعبة، وأن كثرا حاولوا استغلالها لزرع الشك في نفوسكم. الشّك بأن اللبنانيّين ما زالوا قادرين أن يعيشوا مع بعضهم البعض، الشّك بأن نظامنا ما زال قادرا أن يكمل بطبيعته الديموقراطية، الشّك بأن إقتصادنا ما زال قادرا أن يصمد، الشّك بأن بلدنا قادر أن يتغلّب على المصاعب التي تواجهه وعلى النيران المشتعلة من حوله. وأنا هنا لأقول لكم: لا تدعوا أحدا يهز ثقتكم بأنفسكم وبتياركم وببلدكم وشعبكم. وأنا ثقتي فيكم كبيرة، وثقتي بلبنان أكبر، وثقتي بالله سبحانه وتعالى وتفاؤلي بأن المستقبل... مستقبلنا، والبلد... بلدنا، والله معنا".