مع كل أربع نساء، يلعب رجل واحد، دور قائد "الأوركسترا". يقف على الشجرة، يوجه تعليماته لهن فيفترشن الأرض، يلملمن ما خلفته الريح وبعثرته من حبات الزيتون.
بين المواويل الحلبية وذكريات القرى، السوريون هم عمال الأرض، وحصّاد الخير. قلة من من أبناء الوطن يعملون في الزراعة. هذه المهنة أصبحت مهنة التعب، هرب منها كثيرون، تركوا أرضهم بحثأ عن مال أكثر وربح أسرع.
يكشف موسم الزيتون الحالي تراجع اليد العاملة الزراعية اللبنانية. غالبية العمال صاروا من السوريين. ابتكر هؤلاء أساليب جديدة للعمل ضمن مجموعات بطريقة منظمة، وهذا ما مكنهم من البقاء في حالة جهوزية دائمة إذ يقومون باستلام الحقول ويقتسمون المحصول مع صاحب الأرض، وهناك طريقة أخرى إذ يتقاضى هؤلاء مبلغ 35 ألف ليرة لقاء كل يوم عمل للمرأة، أما الرجل فينال أربعين ألفا. تقول بدر أم عباس: "العامل اللبناني يأخذ خمسين الف ليرة يوميا، أما السوري، فيعمل أكثر منه وبمبلغ اربعين الف ليرة لبنانية".
بالنسبة لأبي كمال فإن الموسم شحيح جدا هذا العام. يقول الرجل: "لم أقطف بساتيني هذا العام، كلفة القطاف أكثر من كلفة شراء الزيت جاهزاً، ولكني طلبت من أحد العمال السوريين تشذيب الأغصان اليابسة، وتنظيف الحقل، إلا أنه اشترط مبلغ أربعمئة الف ليرة بدلاً لأتعابه، ما دفعني إلى التراجع عن الفكرة".
في مقابل ارتفاع كلفة العناية بشجرة الزيتون، يقول أبو رامي الرجل السبعيني والذي يصر على قطاف خيراته بيديه: "شجرة الزيتون شجرة بعلية، لم تعتد الدلال ولا الرعاية، ما نراه اليوم من مبالغة في الاهتمام بها، ما هو إلا ضعف خبرة بالعمل في الزراعة".
يظهر واقع الأراضي البور في الأرياف قلة الاهتمام بالزراعة خصوصاً في منطقتي إقليم التفاح وشرق صيدا، حيث تغيب المشاريع الزراعية الكبيرة على عكس بلدات ساحل الزهراني، إذ يقتصر الاهتمام بالزراعة على أصحاب بعض الحقول الذين يستأجرون العمال للاهتمام برزقهم من شجر الزيتون.
تراجع العمل بالزراعة مردّه إلى هجرة العديد من الشباب، وانتقال آخرين إلى مهن أخرى أقل تعباً. يقول محمد حمدان: "العمل في الزراعة متعب جداً، والعمل عند الناس فيه مذلة، يومية العامل لا تتجاوز الخمسين الف ليرة لأكثر من ثماني ساعات، لذا قررت الهجرة. قرار جريء لكنه قد يغير مسار حياتي".
أصبحت الزراعة، لكثرة المخاطر التي تتعرض لها خصوصاً عوامل الطقس والتغييرات المناخية إضافة إلى غياب الدعم الرسمي، عبئا كبيراً يهرب منه أي مستثمر، فبات معظم اهالي المنطقة يلجأون إلى المشاريع التجارية الصغيرة، التي لا تتطلب جهداً وتعبا كالعمل في الأرض، إضافة إلى غياب الارتباط المعنوي بالأرض كفكرة حملها الأجداد وتناقلتها الأجيال.
( السفير)