لم يعد «حزب الله» لاعبا محليا وحسب. صار مشاركا في إعادة صياغة الإقليم، وكلما كبر دوره ازدادت الأخطار والتحديات. لذلك، ليس غريبا أن يجد نفسه ليس في خضم حرب عسكرية وأمنية، بل في خضم معركة إعلامية ـ سياسية أيضا لمواجهة حملات شيطنته ومذهبته.
هذه المعركة السياسية والإعلامية يقاربها الحزب عبر أبعاد ثلاثة. الأول، هو البعد الرسمي. أي علاقته ببعض الأنظمة العربية، التي، وإن كانت قد اتسمت بالبرودة، لكن تم تحييدها وعدم استعدائها، في سبيل الإبقاء على البعد الثاني، وهو علاقته مع القوى الحزبية والمدنية العربية، وصولا الى البعد الثالث المتمثل في معركة كسب الرأي العام.
على الصعيد الثاني، كانت معركة الحزب صعبة، منذ اندلاع الأحداث السورية في العام 2011. وبدت أصعب مع تحول الحزب لاعبا رئيسيا في الميدان السوري، الأمر الذي لقي رفضا كبيرا من كثير من الأحزاب العربية، وبالتالي، حال دون إجراء أي نقاش جدي لجدوى تدخل الحزب في سوريا.
لكن مع ارتسام المعالم الجديدة للحرب وأهدافها ونتائجها، يقول المتابعون، بدأ «حزب الله» يجد تفهما، تحول تبريرا، ومن ثم اقتناعا لدى شرائح عربية واسعة بجدوى تدخله «لمنع سقوط سوريا في المحور المعادي ولحفظ وحدتها، وأيضا حماية للمقاومة».
لكن علاقة «حزب الله» استمرت على سوئها مع البعض، وخصوصا «الإخوان المسلمين». فالعلاقة بين الجانبين شبه مقطوعة، إذ إن «الإخوان» بالغوا بتقدير قوتهم في إحدى المراحل، ما أدى الى قطع علاقتهم مع «حزب الله». أما اليوم، «فلا تقدم على هذا الصعيد، اذا استثنينا لقاءات الحزب و«الجماعة الإسلامية» في لبنان» على حد تعبير المتابعين.
أما البعد الثالث، وهو البعد الشعبي، فقد شكل تحديا كبيرا بالنسبة الى الحزب الذي ذهب ضحية صورة نمطية في عز الحرب السورية. على انه بذل جهدا كبيرا ما كان ليغير تلك الصورة النمطية لولا اتضاح معالم وأهداف الحرب في سوريا. وان كان ثمة جهد كبير لا زال على الحزب بذله على هذا الصعيد، اذ ان شرائح عربية واسعة لا تزال تعتبر «حزب الله» خصما، ان لم يكن عدوا!
ويقول المتابعون ان مسلسل الخسائر السعودية في المنطقة لن يقتصر على سوريا والعراق واليمن ولبنان (وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية) بل سيتدحرج كـ «الدومينو» في المنطقة، وان كان هذا الامر سيأخذ وقتا. أما لب ما يحدث فهو بلا شك المعركة المستعرة في سوريا، وتحديدا في حلب.
على الصعيد اللبناني، لم ترفع الرياض، ومعها قطر، راية الاستسلام. وقد أوفد الملك السعودي مستشاره أمير منطقة مكة، خالد الفيصل، مثلما أوفدت قطر وزير خارجيتها، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الى لبنان، في محاولة للحد من خسائرهما في هذا البلد، حسب المتابعين، الذين يؤكدون ان هاتين الزيارتين، وغيرهما من الزيارات، ما كانت لتحصل لولا المعركة الاستراتيجية التي تخاض على أرض سوريا، وما سينتج منها من صياغات لمجمل النظام الاقليمي الجديد.
لا بل ان هؤلاء يذهبون للقول ان التحالفات على أساس الحرب في سوريا، ستمهد لصياغة المدى الجديد للنظام الدولي. وقد برزت موسكو كقوة موازية، لا بل متفوقة، على المسرح السوري. ويشير المتابعون الى ان روسيا ستعزز نفوذها في سوريا في المرحلة المقبلة، إذا قررت الادارة الجمهورية الجديدة الانخراط في المعركة بوجه التكفيريين في سوريا والعراق.
وفيما يذهب هؤلاء الى القول ان سوريا أمام فرصة كبيرة للخروج من أزمتها منتصرة، فإن الوضع في لبنان يشابه مشهد الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران. إذ، بينما مثّل هذا الاتفاق انتصارا لإيران، حاولت أميركا تسجيل العدد الاكبر من النقاط فيه للحد من خسارتها. وفي لبنان، مثّل وصول عون الى الرئاسة انتصارا لمحور المقاومة، يقابله عناد سعودي قطري للحد من الخسائر!
انطلاقا من هنا، يجهد اللاعبان السعودي والقطري لاجتذاب عون الى معسكرهما، ومن غير المستبعد أن يقدما الإغراءات له، مثل إفراج الرياض عن هبة الجيش اللبناني.. لكن المتابعين يؤكدون ان عون لن يسقط في هذا الفخ، نظرا الى عوامل عدة.
ولعل أول تلك العوامل، شخصية عون الرافضة لأي إملاءات قد يحاول البعض فرضها عليه. ثانيها، متانة الحلف مع «حزب الله»، وهو ليس حلفا مرحليا بل يتعلق بمصير لبنان كما بمصير المنطقة. ثالثها ولعل أهمها، إدراكه أن الخطر التكفيري يوازي الخطر الإسرائيلي.
ماذا عن دور «الوساطة» الذي يمكن ان يؤديه عون بين السعودية وايران؟
يجيب المتابعون ان لا أمل بأي وساطة في ظل التصلب السعودي، ما يعمق هوة الخلاف والتناقض مع إيران. لذا، فإن أي وساطة من قبل الرئيس اللبناني لن تنفع في التقريب بين رؤيتين اقليميتين متناقضتين.
- السفير -