في المقياس العسكري، يُمكن وصف ما حقَّقه الجيش أمس بالإنجاز الإستخباري الأمني النوعي، بعدما نجح في توقيف أحد أمراء «داعش» في عرسال، إضافة الى 10 إرهابيين من معاونيه، واضعاً يده على كنزٍ يملك كلمات السر للعديد من العمليات الإرهابية، ومنها عملية القاع التي أرهبت اللبنانيين منذ أشهر. وفي هذا الإطار تنشر «الجمهورية» تفاصيل «الليلة الصامتة».كلّف الوصول لإسم أحمد يوسف أمّون الملقب بـ«الشيخ» رصداً ومتابعةً لأكثر من ثلاثة أشهر، مع الإستعانة بالتحقيقات التي جرت في أكثر من ملف بينها تفجيرات القاع الأخيرة، حيث وصلت مديرية المخابرات لتقاطع معلومات حول هذا الشخص، وعليه بدأت برصده وتعقبه ومعرفة أماكن وجوده وتلك التي يتردّد إليها، لتتوصّل بعد فترة من المتابعة الى تحديد أحد المنازل على أطراف مخيم اللاجئين الذي كان يتردَّد إليه مع مجموعة تابعة له تتنقل بين مقرّه ومخيم اللاجئين في وادي الأرانب.
ككلّ عملية أمنية خطيرة، يترك العسكريون المنفّذون لها خوفهم وترددهم في منازلهم وينطلقون متكلين على الله، وهذا تماماً ما حصل منتصف ليل أمس الأول حين انطلقت وحدة خاصة من مديرية المخابرات في الجيش اللبناني من بيروت، لتصل الى نقطة الإنطلاق الساعة صفر، وتبلغ هدفها في وادي الأرانب في جرود عرسال عند الساعة الرابعة صباحاً، بعدما زحف العسكريون نحو كيلومتر ونصف الكيلومتر في ظروف مناخية صعبة جداً حيث وصلت درجة الحرارة الى 3 تحت الصفر في طريقٍ وعرة، وقد حمل كلّ منهم ما مجموعه 40 كيلوغراماً من المستلزمات العسكرية، ليلتحموا في اشتباكٍ عنيفٍ على بعد أمتار مع المجموعة المسلّحة التي كانت داخل المنزل، لقرابة 15 دقيقة، نجحوا في نهايتها في اقتحام المنزل وتوقيف «أمّون» و8 إرهابيين آخرين فيما تمكن اثنان من الفرار، وضبط كمية من الأسلحة والأحزمة الناسفة، حيث عمدت القوة المهاجمة الى إخلاء الموقوفين والمضبوطات نحو نقطة التجمع.
مواجهة الإرهابيين للجيش بإطلاق النار اضطره للرد بالمثل، ما تسبّب بإصابة «أمّون» لينقل على أثرها في طوافة للجيش الى إحدى مستشفيات بيروت، علماً أنّ حاله الصحية باتت مستقرة، فيما هرب اثنان ممَّن كانوا معه الى مخيم اللاجئين، إلّا أنّ القوة لاحقتهما واعتقلتهما رغم محاولتهما الاختباء بين النسوة والأطفال، لتكون النتيجة 11 موقوفاً هم عبد اللطيف حسن صديق، عدنان إسماعيل فاضل، تهامة محمد عيوش، علي محمد أمّون، عصام أحمد صديق، عكرمة تهامة عيوش، عبد الرحمن رفيق الغاوي، محمد رفيق الغاوي، حسام عبد الكريم العاتكي ومحمد حسين أمّون مع الرأس المدبر «أمّون»، وأنزلوهم الى نقطة الإلتقاء المُتّفق عليها.
هذه العملية التي حُضّر لها منذ مدة طويلة، وجرت متابعتها على فترات، جاءت لتؤكد مرة جديدة أنّ الجيش يعمل وفقاً لأجندته غير المرتبطة بالمساومات السياسية التي تحاول زجّه في زواريبها، وليثبت أنه يتابع ملفاته حتى الآخر ويعتقل كلّ معتدٍ على أمن الدولة، حيّاً إذا تيسّرت الأمور، ومقتولاً إذا ساءت، وهو ما حصل في عمليّة أمس التي أسفرت عن جرح «أمّون» رغم كثافة إطلاق النار والإشتباك العنيف، خصوصاً أنّ المجموعة الإرهابية كانت كبيرة ومحصّنة.
ما مدى خطورة «أمّون»؟
التحق «أمّون» بـ«جبهة النصرة» في معارك عرسال، هاجم مراكز الجيش وفخّخ عسكريين وأصابهم، شارك في الهجوم على البلدة في آب 2014 وكان أحد المسؤولين عن اقتحام مخفر البلدة وأسر عناصر الأمن الداخلي فيه، حيث يظهر في صور اتخذت حينها، كما نفّذ عمليات تصفية ضد أشخاص من عرسال يعتبرهم عملاء للأجهزة الأمنية اللبنانية بينهم قتيبة الحجيري، وهاجم مراكز عسكرية للجيش زارعاً العبوات، وآخرها تلك التي استهدفت الرقيب الأول الشهيد عزالدين في محلة وادي عطا في عرسال ليل 17-10-2016، وهو متورّط في أوقات سابقة بتجهيز سيارات مفخّخة وتفجيرها في مناطق لبنانية عدة منها الضاحية الجنوبية، وتخطيطه في الآونة الأخيرة لإرسال سيارات مفخخة إلى الداخل اللبناني لتنفيذ تفجيرات إرهابية.
و«أمّون» مسؤول أيضاً عن إطلاق الصواريخ في إتجاه بلدات بقاعية، والمشاركة في المعارك ضد الجيش اللبناني في معركة الثاني من آب 2014، إضافة الى المشاركة في قتل الرائد بيار بشعلاني والرقيب ابراهيم زهرمان، والأهم أنه يملك معلومات عن العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش».
أما خطورته فهو أنه مسؤول عن إحدى أبرز المجموعات العسكرية والأمنية لـ«داعش»، وهو من أهم القادة العسكريين في الجرود، وبعد انتمائه إلى «النصرة» ذهب الى القلمون وقاتل فيها، ليلتحق بعدها بـ»داعش» ثمّ يعود الى جرود عرسال ليستلم هذه المهام.
ما دوره في عملية القاع؟
«أمّون» هو أحد الأشخاص الثلاثة الذين خططوا لعملية كان يُفترض أن تُنفّذ، وسُدّت طريقها في القاع حيث فجّر الإنتحاريون الثمانية أنفسهم، وكانت المعلومات السابقة أشارت الى أنه الرأس المدبّر وصاحب الدور اللوجستي في هذه العملية، وهو ما سيتيح أمام الأجهزة الأمنية معرفة تفاصيلها وغاياتها الحقيقية بعدما اعتقلته، خصوصاً أنّ الانتحاريين الثمانية انطلقوا تحت إشرافه، وستكشف التحقيقات ما إذا كانت القاع وجهة هدفهم أو منطقة أخرى أو الإثنتان على حدٍّ سواء.
وفي معلومات جديدة لـ«الجمهورية»، يؤكد مصدر أمني أنّ «عدد الانتحاريين يوم تفجيرات القاع كان 10، إلّا أنّ الاثنين الإضافيين لم يكونا في القاع ولم يُعرف حتى الساعة إذا ما كانا قد تحرّكا في اتجاه البلدة».
في هذا الإطار، تأتي عملية توقيف «أمّون» للرد على الإفتراءات التي اتهمت مديرية المخابرات بالرضوخ لضغوط سورية-إيرانية لوقف التحقيقات في عملية القاع، لتأتي وقائع أمس وتثبت خلاف ذلك وتؤكد عمل المديرية الصامت في إنجاز ملفاتها حتى النهاية، والإيقاع بالإرهابيين مهما طال الوقت أو قصر.
وما يضيء على أهمية هذه العملية الأمنية اللبنانية مئة في المئة، هو أنها تأتي في إطار الحرب الإستباقية ضد الإرهاب التي بدأها الجيش وأشرفت عليها قيادته بتعليمات قائد الجيش طوال الفترة الماضية، ليثبت الجيش مرة جديدة أنه مستمر بهذه الحرب وهو ما كان قد أكده خطاب القسم.
واللافت أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اطّلع من قائد الجيش أوّلاً بأوّل على تفاصيل العملية، التي حازت على تهنئة الملحقين العسكريين الأجانب والعرب، حيث أكد الجيش أنه قادر على تنفيذ عمليات نوعية نظيفة في هذه الحرب من دون أيّ إصابات وفقاً لأعلى معايير الكفاءة العسكرية، ما قد يشجع المملكة العربية السعودية وغيرها على إعادة النظر في موقفها بوقف المساعدات العسكرية للجيش، خصوصاً أنه في حاجة إليها، وتبيّن أنه قادر على تحقيق الإنجازات في إمكاناته المتواضعة، فما الحال إذا تضاعفت هذه الإمكانات؟
قد يكون من أبرز تداعيات هذه العملية، سؤال كبير يُطرح بعد التضعضع الذي أصاب مجموعات «داعش» حيث فرّ عناصرها الى الجرود بعد انكشاف تفاصيل ما حصل. فالموقوف يملك أسراراً خطيرة عن تركيبة «داعش» في الجرود ومواقعها ومراكزها والأسلحة الموجودة في حوزتها وعدد عناصرها وخططها، نظراً لموقعه العسكري المهم فيها. فهل تؤدّي تلك الضربة الموجعة الى انهيار التنظيم في جرود عرسال؟
- الجمهورية -