ليست زيارات التهنئة التي تلقاها الرئيس ميشال عون ، وآخرها زيارة وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، جزءاً من الصراع على لبنان، أو فصلاً من فصول التنافس على كسب البلد الذي كان في ما مضى مرآة تعكس معظم حروب المشرق العربي ونزاعاته، أو على التأثير في سياسته الخارجية التي تسير اليوم على فوهة بركان.
وما أشيع عن ان الاقبال العربي، المصري ثم السعودي فالقطري ، على لبنان ، كان حافزه الرد على الزيارة الاولى التي سارع وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف الى القيام بها بعيد انتخاب الرئيس عون، هو تقدير سيء لموقع لبنان ووظيفته الاقليمية، وهو مبني على أوهام لبنانية قديمة ترجع في الحد الادنى الى مرحلة ما قبل الحرب السورية، التي قزمت الجمهورية اللبنانية وقلصت مكانتها السياسية.
لعل الزيارة الايرانية السريعة تركت الانطباع بان طهران رغبت في الاحتفاء بانتصارها وانتصار حلفائها في معركة رئاسة الجمهورية اللبنانية، لكن الموفد الايراني لم يكن مكلفاً بما يتخطى شكر الرئيس المنتخب على الالتزام بتحالفاته ومواقفه السابقة، وهو لم يكن يودّ ، او يقدر على إستفزاز الحلف السعودي المضاد، بل كان مضطرا الى الاعتراف بالتوازنات والحساسيات اللبنانية التي تحول دون إخراج لبنان من موقعه العربي .
وما تردد عن ان الموفد الايراني شجع الرئيس عون على مد يد المصالحة الى أشقائه العرب لم يكن نابعاً من حرص طهران ، لا سيما الدولة الايرانية التي يمثلها ظريف والتي تتمايز عن "دولة" الحرس الثوري ومشروعه، على هوية لبنان العربية بقدر ما كان تعبيرا عن واقعية ايرانية تمليها ظروف الحرب في المشتعلة في سوريا والعراق واليمن ، والتي تستنزف ايران كما تستنزف خصومها وربما اكثر.
عندما جاء وزير الخارجية المصرية سامح شكري ، لم يكن هناك ما يثير الاشتباه في ان القاهرة تود إستيعاب لبنان واحتواء رئيسه الجديد بدلا من تركه أسيرا للمحور الايراني . فالنظام المصري الحالي لا يرى في إيران تهديداً او تحدياً ، مثلما لا يرى في نظام الرئيس السوري بشار الاسد خصماً او منافساً يستدعي تدخلاً مصرياً في لبنان على نحو ما جرى في زمن الرئيسين السابقين حافظ الاسد وانور السادات.
ولم تكن زيارة الموفد الملكي السعودي الامير خالد الفيصل بعيدة عن المنطق القائل أن حصة ايران اللبنانية محددة ومعروفة ، وكذا حصة السعودية في لبنان. واذا كان من فرصة للتفاهم بين الحصتين تحول دون إستنزاف إضافي للرياض وطهران فلا بأس بذلك، ولا ضرر ايضا من ان تبرىء المملكة نفسها من تهمة عرقلة انتخاب الرئيس عون طوال عامين ونصف العام ، مثلها مثل ايران التي كانت تتفادى ذلك الاتهام من خلال القول ان تأخر الانتخابات الرئاسية اللبنانية هو شأن لبناني خاص!
الزيارة القطرية لا تخرج عن هذا السياق، وان كانت تكمل مساراً خاصاً في العلاقة بين البلدين لا يقف عن حد الدعم القطري للبنان في اعقاب الحرب الاسرائيلية في العام 2006، ولا عند اتفاق الدوحة الشهير في العام 2008 الذي أنهى حسب الوزير محمد بن عبد الرحمن فراغا رئاسيا لبنانيا مشابها.. بل هو يقدر صعوبة الموقف اللبناني من الازمة السورية تحديداً ، ويسلم بان لبنان الرسمي لا يمكن ولا يحتمل ان ينحاز الى إي من طرفيها. وعدا ذلك فان الدوحة، التي هي نفسها توصي بقية الاشقاء العرب بعدم المضي قدماً في المواجهة المفتوحة مع ايران، وتنصح بالبحث عن بدائل سياسية، ترى ان الفرصة اللبنانية الجديدة تنسجم مع هذا المنطق البديل لحالة الصراع المكلفة للجانبين.
ليس من صراع على لبنان ، بل مجرد محاولة عربية وإيرانية لاستكشاف تلك الفرصة، لا أكثر ولا أقل.
المدن