دقّ الرئيس ميشال عون جرس الإنذار الأخير قبل إعلان التشكيلة الحكومية دون الرجوع إلى أيٍّ من القوى السياسية الأخرى، في مهلة أقصاها أسبوع واحد. كلام الرئيس أتى بعد أن راوحت العقد الحكومية مكانها، خاصة لجهة «الفيتو» العوني على منح تيار المردة حقيبة غير وزارة الثقافة
لم تظهر بعد نتائج جرعات الأمل التي بثّها كلّ من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، أمس وإيحاؤهما بأنّ العقبات الأساسية أمام تشكيل الحكومة قد ذُلّلت. لكن تطوّراً كبيراً حصل في مفاوضات تأليف الحكومة أمس، تمثّل بتراجع جديد للقوات اللبنانية عن مطالبها.
فبعدما كانت حقيبة الأشغال ونيابة رئيس مجلس الوزراء جائزة ترضية للقوات بعد الفيتو الذي واجه مطالبتها بحقيبة سيادية، دُفِعت القوات مجدداً إلى التراجع عن حقيبة الأشغال، في ظل إصرار الرئيس بري على المحافظة عليها، أسوة بـ»مبدأ» إبقاء الحقائب موزعة وفق ما كانت عليه في حكومة الرئيس تمام سلام، وعلى قاعدة أن «المتفاهمين مع القوات ملزَمون بتلبية مطالبها من كيسهم لا من حصص غيرهم»، بحسب ما تقول مصادر رئيس المجلس. لكن استبدال الأشغال بالصحة أو بغيرها من الحقائب للقوات، لم يؤدّ إلى تذليل كافة العقد التي تحول دون تأليف الحكومة، ما دفع رئيسي الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري إلى التهديد بأن «أمام القوى السياسية أسبوعاً واحداً للاتفاق وإعلان الحكومة الجديدة»، استناداً إلى مصادر التيار الوطني الحر. وإذا ما انقضت مهلة السبعة أيام من دون نتيجة، فسيتصرّف الرئيسان، ومن ضمن الخيارات فرض تشكيلة وفق الصيغة التي يريانها مناسبة. لكن مصادر قريبة من الرئيس الحريري تنفي الحديث عن مُهَل.
العقدة الرئيسية باتت متصلة بحقيبة تيار المردة. وعلى الرغم من كلام الوزير باسيل عقب اجتماع تكتل التغيير والإصلاح بأنه يرفض وضع فيتو على أحد، إن كان على مستوى التمثيل أو نوع الحقائب، فإنّ مصادر التيار الوطني الحر أكدت أنه «لا إمكانية لإعطاء النائب سليمان فرنجية سوى حقيبة الثقافة، فهذه هي حصته»، على قاعدة «إبقاء القديم على قدمه». وترى المصادر نفسها أن كل «حقوق الرئيس بري ومطالبه تأمنت. وإذا أراد أن يمنح المردة حقيبة وازنة، فليمنحه إياها من حصته لا من حصص الآخرين». وقالت المصادر:» سنمنح بري المزيد من الوقت من دون أن نضغط على أحد، لكن الوقت ليس مفتوحاً». وتعوّل مصادر «التغيير والإصلاح» على دور سيؤديه الرئيس الحريري لتجاوز عقبة حقيبة المردة. وبالنسبة إلى تيار المستقبل «يحاول الحريري إسناد التربية إلى فرنجية الذي يرفضها، إضافة إلى رفض قاطع من التيار والقوات». فيما تقول مصادر «الوطني الحر» إن عون أبلغ الحريري بأن «التربية من حصة رئيس الجمهورية أو تكتل التغيير والإصلاح». وكان عون قد تلقّى رسالة من الرئيس المُكلف، مضمونها أنه «لا مجال لاقتطاع حقائب من حصة تيار المستقبل وإسنادها إلى أي فريق آخر».
أما على الطرف الآخر، فلن تقبل حركة أمل بأقل من حقيبة أساسية للمردة الذي يعتبر أن المفاوضات حول التربية أصبحت وراءه، وقد جزمت مصادره لـ»الأخبار» بأن حقيبة الأشغال حُسمت لمصلحته. في حين أنّ مصادر برّي تؤكد أنّ «الأشغال ستكون من ضمن حصتنا». وبرأي مصادر بري، فإنه بعد تذليل عقبة حقيبة تيار المردة «يبدأ البحث بيننا حول إمكانية تبادل الحقائب بيننا وبين فرنجية».
وسيحصل رئيس الجمهورية على مقعد وزاري سنّي، يحاول حزب الله «إقناع عون بإسناد هذه الحقيبة إلى الوزير السابق عبد الرحيم مراد»، بحسب مصادر بري. إلا أن مصادر أخرى في 8 آذار استبعدت أن يختار عون مراد. أما بالنسبة إلى عدم حصول عون على مقعد من الحصة الشيعية، فتقول مصادر التيار إنّ رئيس الجمهورية «قَبِل آسفاً بذلك».
في ما خصّ الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي كان من المتوقع أن يتمثل في الحكومة عبر النائب أسعد حردان، فقد أبلغه باسيل على هامش التهاني في عيد الاستقلال في بعبدا أنّ «بقاء الحكومة على ما كانت عليه حال دون إسناد مقعد مسيحي للقومي»، بحسب مصادر التيار الوطني الحر الذي يعتقد بإمكانية «إعطاء القومي مقعداً من حصة الطائفة الشيعية». ويرتكز التيار في اعتقاده هذا إلى «إلحاح حزب الله على الرئيس بري بترك المقعد الشيعي الخامس للقومي». لكن مصادر رئيس المجلس النيابي لم تحسم حصول القومي على المقعد الشيعي الخامس، مستبعدة حدوث ذلك أصلاً «لأن مطلب بري يتوافق مع مطلب القومي في حصوله على مقعد من الحصة المسيحية». قيادة الحزب القومي لم تتبلغ أي شيء له علاقة بالحكومة بعد، وهي بانتظار اتصال من بري المُكلف إجراء المفاوضات باسم فريقه السياسي.
أمام كلّ هذه التعقيدات، لا تجد مصادر 8 آذار من حلّ سوى «اعتماد صيغة الـ30 وزيراً، التي يرفضها الحريري لأنه لن ينال منها سوى الفتات». والمفاجئ، بالنسبة إلى حركة أمل، أن يرفض التيار العوني تشكيلة من 30 وزيراً، رغم أنها «ترفع من حصته وحصص حلفائه».
من جهة أخرى، نقل النواب الذين شاركوا في لقاء الأربعاء عن بري قوله إنّ «الأجواء بشأن تشكيل الحكومة إيجابية، وهو يأمل تفكيك العقد الصغيرة لتأليفها في أسرع وقت ممكن». وفي الإطار نفسه، أكد باسيل بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح أنّ الاتفاق في ما خص تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري «تمّ على الأجزاء الأساسية والكبيرة ولا سبب فعلياً لتأخر إعلان الحكومة ما عدا بعض التفاصيل». وكشف باسيل أنّ «مطلبنا أن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية تشمل الجميع، لذلك ليس هناك أي رفض لأي مكون ويمكن أن تتسع للجميع وإن كانت حكومة 24 وزيراً (...) نرفض الفيتو على أحد إن كان على مستوى التمثيل أو نوع الحقيبة».
وقد أعاد وزير الخارجية التذكير بأنّ هذه «الحكومة محددة بالوقت وبالمهمة وهي إجراء انتخابات نيابية في موعدها. لذلك مسؤوليتنا جميعاً هي إقرار قانون انتخابات جديد وسيكون ذلك إنجازاً كبيراً للبنانيين، لذلك نريدها (الحكومة) أن تتألف بسرعة كي ننكب على إنجاز قانون انتخاب جديد ولنبدأ من الصفر في هذا الملف». وقد «سلّف» باسيل بري موقفاً، بالتنويه بدوره «الكبير» في هذا الملف، لأنّ «القانون لا يُنتجه اتفاق ثنائي أو رباعي».
وعلّقت مصادر عين التينة على كلام باسيل بالعودة إلى خطابه خلال عشاء هيئة جزين في التيار قبل أربعة أيام حين اعتبر وزير الخارجية أنه «لا للخلاف مع حزب الله من أجل قوة لبنان ولا للخلاف مع تيار المستقبل من أجل الشراكة في لبنان، ولا للخلاف مع القوات اللبنانية من أجل قوة المجتمع المسيحي في الشرق»، فاعتبرت المصادر أنّ باسيل «حاول أمس استلحاق نفسه بعد أن استثنانا سابقاً، حين حصر الشراكة الوطنية مع تيار المستقبل. كذلك فإنه يريد طرح خطاب سياسي داخلي بعد أن كان خطاب عيد الاستقلال خالياً من أي مضمون سياسي». وترى مصادر عين التينة أنّ «الخطاب الوحيد للعهد الذي ظهر حتى الساعة هو الانفتاح على السعودية».