حصلت "العربي الجديد" على نص مبادرة التسوية التاريخية التي أطلقها "التحالف الوطني" الحاكم في العراق وسلّمها إلى الأمم المتحدة بهدف تبنّيها والتحرك باتجاه قوى سياسية معارضة خارج البلاد وفي إقليم كردستان العراق. وتشمل المبادرة لأول مرة ضباطاً من الجيش العراقي السابق وشخصيات بارزة معارضة للعملية السياسية التي أنتجها الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، وممثلين عن فصائل في "المقاومة" العراقية إبان الاحتلال الأميركي، فضلاً عن شخصيات بعثية تمثّل نفسها وليس حزب "البعث العربي الاشتراكي". ولم تنل المبادرة حتى الآن إجماعاً من كتل المعارضة السياسية، إذ اختلفت المواقف منها بين رافض لها ومؤيد بشروط عدة، من بينها الموافقة من حيث المبدأ على التسوية مع رفض أن تكون بنودها مكتوبة من طرف واحد، ومطالبة بعض الأطراف بإدراج بنود ونقاط إضافية في التسوية، كما الاشتراط بأن يكون مجلس الأمن الدولي هو الضامن وليس الأمم المتحدة أو واشنطن. ويعوّل "التحالف الوطني" على دول عربية وغربية للتدخّل في محاولة جمع صف القوى المعارضة المختلفة في ما بينها للدخول إلى تلك المبادرة بموقف موحّد بهدف إنهاء حالة الصراع القائمة في العراق منذ 13 عاماً.
أما المبادرة التي سُلّمت للأمم المتحدة فجاء في نصها:
مدخل التسوية
"
تؤكد المبادرة أن لا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو داعش أو أي كيان إرهابي أو تكفيري أو عنصري
"
1. المبادرة تمثّل رؤية وإرادة قوى التحالف الوطني لتسوية وطنية تنتج مصالحة تاريخية عراقية.
2. الهدف من هذه المبادرة الحفاظ على العراق وتقويته كدولة مستقلة ذات سيادة وموحدة وفدرالية وديمقراطية تجمع كافة أبنائها ومكوناتها معاً.
3. تلتزم قوى التحالف الوطني بنود المبادرة بعد الاتفاق والمصادقة عليها.
4. تعتمد المبادرة على مبدأ التسوية التي تعني الالتزامات المتبادلة بين الأطراف العراقية الملتزمة بالعملية السياسية أو الراغبة بالانخراط بها، وترفض مبدأ التنازل أحادي الجانب.
5. مسار التسوية الوطنية غير مرتبط بل هو مكمّل لمسارات المصالحات المجتمعية التي تُترجم على شكل أوامر وإجراءات وتشريعات تخدم المجتمع بكل طوائفه وقومياته، وهذا هو فعل الدولة بكل مؤسساتها التي قامت وستقوم به بغض النظر عن مسار التسوية الوطنية، فلا يعني تقديم الرؤى والشروع بالتفاوض للوصول إلى تسوية وطنية إيقاف عجلة الدولة، بل إن مبادرة التسوية الوطنية مسار استراتيجي تستمر معه فاعليات ومسؤوليات ومهام وواجبات والتزامات الدولة تحققت التسوية السياسية التاريخية أم لم تتحقق.
6. مسار المبادرة إطار وطني يشمل جميع المكونات العراقية العرقية والدينية والمجتمعية، ويمكن المضي به على مراحل ضمن إطار التسوية الوطنية الشاملة.
7. لا عودة ولا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو داعش أو أي كيان إرهابي أو تكفيري أو عنصري، وتمثيل المكونات والأطراف العراقية يجب أن يخضع للقبول بالثوابت الواردة بهذه المبادرة.
8. تتعهد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بتقديم مساعيها السياسية الحميدة بما في ذلك تحشيد الدعم لعملية المصالحة الوطنية من خلال التيسير وتقديم النصح والدعم والمساعدة في تعزيز والدفع بهذه المبادرة للأمام داخلياً وإقليمياً ودولياً.
التسوية الوطنيّة
أولاً: الأسماء المقترحة للمبادرة: التسوية الوطنية – التسوية التاريخية – المبادرة الوطنية للسلم وبناء الدولة.
ثانياً: ماذا نعني بالتسوية الوطنية: التسوية التي نستهدفها تعني: تسوية سياسية ومجتمعية وطنية تاريخية ترمي لعراق متعايش خالٍ من العنف والتبعية، وتنجز السلم الأهلي وتوفر البيئة المناسبة لبناء الدولة، وتشارك فيها كافة فئات المجتمع العراقي العرقية والدينية والمجتمعية بما فيها المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني وتضع جميع الأطراف العراقية أمام التزامات متبادلة وضمانات ضمن سقوف زمنية محددة تلتزم بها الأطراف.
ثالثاً: ضرورة التسوية: التسوية الوطنية العادلة والشاملة والمقبولة صيغة إنقاذيه للعراق، وأنها الخيار الاستراتيجي الأفضل لمجتمعنا ودولتنا، ليس فقط إنهاء الخلاف على قضايا الدولة بل تسعى لإعادة بناء الدولة لضمان استمرارها وتقويتها في وجه تحديات الإرهاب والتقسيم واللاأمن واللاعدالة واللامحاسبة واللااستقرار واللاتنمية والجريمة المنظمة والفساد والفوضى.
رابعاً: التسوية مع مَن؟: تسعى قوى التحالف الوطني للتفاهم مع كل القوى الفاعلة في المجتمع العراقي على تنوعه، سواء كانوا داخل أطر الدولة أو العملية السياسية أو خارجها، بما فيها الوجودات السياسية والدينية والمجتمعية والمعارضة والجماعات المسلحة ضمن سقف الدستور (استثناء حزب البعث وداعش وكل كيان إرهابي وتكفيري وعنصري)، باتجاه اتفاق تاريخي يُعقد مع ممثلي هذه الأطراف التي تمتلك المقبولية والملتزمة بمبادئ المبادرة، ويكون حسم تمثيلها بمشورة ممثلي التحالف الوطني.
خامساً: أسس لضمان تسوية حقيقية ممكنة وراسخة ومورد قبول للجميع بالاستناد إلى الأسس الآتية:
1. التسوية الشاملة وليس التنازل أحادي الجانب.
2. مبدأ لاغالب ولا مغلوب.
3. تصفير الأزمات بين الأطراف العراقية.
4. رفض استخدام العنف كورقة بتحقيق التسويات السياسية.
سادساً: المبادئ كثوابت للتسوية:
1. الإيمان والالتزام قولاً وفعلاً بوحدة العراق أرضاً وشعباً والحفاظ على سيادته واستقلال قراره وهويته ونظامه الديمقراطي البرلماني الفيدرالي ورفض تقسيمه تحت أي ظرف.
2. الالتزام بالدستور كمرجعية والعمل به دونما انتقائية والاستعداد لإجراء التعديلات الدستورية وفق الآليات التي نص عليها الدستور ذاته، والاتفاق على عقد سياسي (تحت سقف الدستور) يوضح ويحسم القضايا الخلافية والمرحّلة والتنظيمية لشؤون الدولة التي يتم الاتفاق على ملفاتها.
3. الاعتراف الرسمي والملزم لجميع الأطراف بالعملية السياسية ومخرجاتها وما يستلزم ذلك من تبعات ومسؤوليات على شتى الصعد السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والدينية، ورفض الابتزاز السياسي مهما كان نوعه. والاعتراف الملزم بنتائج الانتخابات الحرة النزيهة، والامتناع عن ممارسة الازدواجية في المواقف تجاه شرعية النظام السياسي العراقي (قدم بالحكم وقدم بالمعارضة)، بما في ذلك وقف التحريض ضد شرعية النظام السياسي القائم داخلياً وخارجياً، ورفض تجربة الحكم الدكتاتوري والإقصائي والتمييزي كنهج لإدارة الدولة في أي وقت من الأوقات، واحترام وصيانة حقوق الإنسان ومجمل الحريات والحقوق السياسية والمدنية.
4. التزام العمل معاً لجميع الشركاء برفض ومحاربة الإرهاب وحماية البلد وشعبه، وعدم تغطيته سياسياً ودينياً، وضمان عدم توفير حاضنات للإرهاب والعمل على تفتيتها سياسياً ومجتمعياً لضمان عدم تكرار ولادة كيانات إرهابية جديدة. والإشادة بالدور الوطني لأبناء العراق والمرجعية الدينية والقوات الأمنية والمتطوعين من الحشد الشعبي وأبناء العشائر والبشمركة في الدفاع عن حياض الوطن من إرهاب داعش.
5. الإدانة الصريحة والواضحة لسياسات النظام البعثي الصدامي كجرائم الإبادة الجماعية والمقابر الجماعية والإعدامات والاغتيالات بحق مراجع وعلماء ورجال الدين والنخب الوطنية، وجرائم استخدام الأسلحة المحرمة دولياً وتجفيف الأهوار وعمليات التهجير القسري والتغيير الديموغرافي وقوانين القمع والتجريم ذات الأثر الرجعي بحق الحركة الإسلامية والوطنية. وتحميل حزب البعث جميع التبعات القانونية لما جرى طيلة فترة حكمه من سياسات طائفية وعنصرية وقمعية ضد أبناء الشعب العراقي من الشيعة والكرد والسنّة والتركمان وباقي أبناء الأقليات، ومعالجة آثار هذه السياسات. وتتولى الأمم المتحدة مشروعاً لتنشيط الذاكرة بجرائم النظام السابق والاهتمام بضحاياه.
6. ترسيخ دولة المؤسسات الوطنية وإصلاحها من خلال: مؤسسات دستورية فاعلة وراسخة، واعتماد الفصل الحقيقي بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية مع ضمان حيويتها ومهنيتها وسيادة سلطاتها الاختصاصية، وتبني اقتصاد حر ومتعدد، وتمكين مجتمع مدني قوي وناشط، واعتماد نظام تعليم حديث متطور وإعلام حر ومسؤول وحياة ثقافية مدنية نشطة، ومراعاة الضوابط الوطنية والمهنية والنزاهة والكفاءة في اختيار قيادات البلاد المدنية والعسكرية، واعتماد مبدأ الشفافية في إدارة ملفات الدولة على تنوعها.
"
تنص المبادرة على رفض كل أشكال التغيير الديموغرافي ومعالجة آثارها سابقاً ولاحقاً
"
7. رفض جميع أشكال التغيير الديموغرافي التي مارسها النظام البعثي الصدامي، ومعالجة جميع آثار التغيير الديموغرافي سابقاً ولاحقاً، والعمل على عودة النازحين والمهجرين إلى ديارهم، والسعي لعودة التلاحم المجتمعي المحلي لمختلف مناطق العراق، والعمل على إعادة إعمار المناطق التي تعرضت للدمار بفعل الإرهاب الداعشي والحرب عليها.
8. الالتزام الفعلي بضرورة التوزيع العادل للثروات على أساس النسب السكانية للمحافظات. والالتزام بأنَّ النفط والغاز ملك لجميع العراقيين مع مراعاة المحافظات المنتجة وإنصاف المحافظات التي حرمت بإجحاف طوال فترة النظام السابق، واعتبار المياه والأنهر والبحيرات والسدود والآثار والمواقع الأثرية ثروة وطنية لجميع العراقيين ويمنع أي تصرف بها يضر بمصلحة الشعب العراقي داخلياً وخارجياً.
9. الالتزام بقيم التعايش والتسامح والتآخي وقبول الآخر والانتماء الوطني ونبذ العنف واللاتسامح والتآمر والعدوان في حل المشكلات المجتمعية والسياسية، واعتماد الحوار والآليات الديمقراطية والقانونية لإدارة الخلاف وتحقيق المصالح بعيداً عن الاحتكام إلى السلاح.
10. إدانة ورفض نهج التكفير والتخوين بحق أي من مكونات المجتمع العراقي، وتجريم أشكال التحريض الطائفي والتمييز العنصري والتطهير العرقي، وتجريم ومحاربة الإرهاب والعنف والفساد الذي يستهدف العراقيين ومؤسسات الدولة وعدم إضفاء الشرعية أو المشروعية من قبل جميع الأطراف على تلك الأعمال وترسيخ ذلك تشريعياً.
11. سيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة وعدم السماح بوجود كيانات مسلحة أو مليشيات خارج إطار الدولة، ومواجهة الخارجين على القانون دون تمييز، ومحاسبة المتهاونين والمقصرين بمن في ذلك منتسبو القوات الأمنية وفقاً للقانون، وإقرار قانون خدمة العلم، وضمان قيام مجتمع مسالم يسوده القانون ويقوم على أساس من العدل والتكافؤ والمساواة واحترام الخصوصيات الدينية والمذهبية والثقافية لجميع مواطني الدولة.
12. العمل الجاد لتحرير الدولة وكل مؤسساتها من نظام المحاصصة العرقية الطائفية التمييزية إلى نظام الاستحقاق السياسي لضمان قيام دولة المواطنة ولتعزيز سيادة القانون والعدالة وتكافؤ الفرص والتزام المشاركة والمساءلة اشتراطات جوهرية لاحترام ورسوخ مؤسسة الدولة.
13. العمل على توزيع الصلاحيات وتطبيق اللامركزية التي من شأنها أن تنظّم العلاقة بين الحكومة الاتحادية والأقاليم والمحافظات وفق النظام الفيدرالي بما يحفظ وحدة العراق ورفض تقسيمه.
14. تعزيز وتيسير الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحكم الرشيد والشفافية مع إيلاء اهتمام خاص لمحاربة الفساد (بما في ذلك المحسوبية السياسية والمحاصصة والمحاباة)، والعمل على بناء وتقوية مؤسسات الدولة والحكم على المستويين المركزي والمحلي.
15. اللجوء إلى الوسائل السلمية والقانونية للتعبير عن الرأي والتداول السلمي للسلطة والمطالبة بالحقوق المشروعة لجميع أفراد ومكونات الدولة وإدانة ومحاربة أي شكل من أشكال التعبير المسلح والعنفي عن المطالب.
16. صيانة الدم العراقي بغضّ النظر عن دينه وطائفته وقوميته وإثنيته. والالتزام العلني والفعلي باحترام المعتقدات الدينية والمذهبية لجميع العراقيين، وعدم المساس بالمرجعية الدينية والرموز الدينية الأخرى، وحماية العتبات المقدسة وجميع دور العبادة وعموم شعائر العراقيين. والالتزام بإعادة صياغة المناهج التربوية والتعليمية بما يضمن إزالة مناهج التكفير والإقصاء والكراهية بحق الإنسان مطلق إنسان، والتزام العملية التعليمية بتعريف العراقيين على رموزهم ومعتقداتهم وتراثهم الديني والثقافي والتاريخي كجزء من خصوصيتهم دون إلغاء أو وصاية أو تحيّز أو عدوانية أو مصادرة للآخر بما لا يضر بوحدة التعليم الوطني وبما يرسّخ التآخي والتعايش وقبول الآخر وإشاعة القيم المدنية.
17. التزام جميع الأطراف العراقية بالدفاع عن مصالح العراق العليا ووحدته وسيادته إزاء التدخلات الخارجية. وتلتزم الأطراف بإبعاد العراق عن ساحات الصراع الإقليمي والدولي وعدم تدويل ملفاته، وأن تُحدد علاقاته ومصالحه مع دول الجوار والعالم على ضوء تبنيها ودعمها لمشروع التسوية الوطنية.
سابعاً: خطة التسوية:
1. الانتهاء من إعداد أوراق المبادرات لجميع مكونات الدولة التي تمثل رؤيتهم للتسوية السياسية بمساعدة اليونامي وبما يتوافق مع مبادئ هذه المبادرة.
تمارس الأمم المتحدة كافة صلاحياتها لتعزيز وحماية التسوية تجاه أي طرف يفشلها أو يعرقلها أو يهدد تنفيذ بنودها
2. تساعد بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق على تحديد وحسم التمثيل الرسمي لممثلي جميع المكونات والأطراف العراقية بما يرضي كافة الأطراف، وتتعامل الأمم المتحدة مع الجهات المعرقلة لهذه التسوية وفق السياقات المعمول بها أممياً.
3. تقوم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بمشورة الحكومة العراقية وممثلي التحالف الوطني وباقي الأطراف العراقية بتقديم استراتيجية تفصيلية للتسوية الوطنية التاريخية على ضوء المبادرات التي تقدّمت بها الأطراف العراقية، بما فيها إعداد خطة تفاوضية ذات سقوف زمنية محددة للدخول بعمل تفاوضي تفصيلي لجميع المبادرات بإشراف الأمم المتحدة.
4. تحدد الخطة المجالات التي سيتم اتخاذها لبناء الثقة بين الأطراف العراقية التي ستشتمل على القضايا الآتية: الضمانات والنازحين والمعتقلين والتشريعات والعدالة الانتقالية والجرائم التاريخية ومشروع/ مركز التوثيق وسيادة القانون والتعديلات الدستورية وشكل وهوية الدولة والأمن والسلاح وإصلاح القطاع الأمني والإعلام والاتصالات بالإضافة إلى أي قضية تتفق عليها الأطراف العراقية.
5. تطرح بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق الصيغة النهائية للتسوية الوطنية وتكون ملزمة لجميع الأطراف العراقية ويتم إقرارها في مجلس النواب والحكومة بعد مباركة المرجعيات الدينية ودعم وضمان المنظمات والمؤسسات الدولية والإقليمية وفي مقدمتها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، وستعمل بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق على تحشيد الدعم اللازم من الدول الإقليمية المجاورة لإنجاح خطة التسوية الوطنية المتفق عليها.
6. تتعهد الأمم المتحدة بدعم الحكومة والأطراف العراقية المنخرطة في التسوية الوطنية لتنفيذ هذه التسوية وتمارس كافة صلاحياتها لتعزيز وحماية التسوية تجاه أي طرف يفشلها أو يعرقلها أو يهدد تنفيذ بنودها بما في ذلك الأطراف العراقية ودول الجوار الإقليمي.