بعد غياب وإهمال داما 34 عاماً، تعود قضية اغتيال رئيس الجمهورية السابق بشير الجميّل الى الواجهة، حيث يلتئم المجلس العدلي للنظر في الدعوى المحالة أمامه في قضية اغتيال الجميّل ورفاقه عام 1982 في الأشرفية بعد ظهر يوم الجمعة المقبل في 25 تشرين الثاني 2016.
القضية، التي شغلت اللبنانيين، طوال هذه السنين وشكلت مصدر انقسام بينهم، تعود الى مسارها القضائي الطبيعي، ولو بتأخير عشرات السنوات نظراً لحساسيتها، ولمسار الأوضاع السياسية والاقليمية التي تحكّمت بلبنان طيلة هذه السنوات اضافة الى فرار حبيب الشرتوني المتهم الرئيسي بالقتل من السجن عام 1990 تزامناً مع دخول الجيش السوري الى ضاحية بيروت الشرقية.
وبالعودة الى المسار القضائي للقضية، فبعد عملية تفجير بيت "الكتائب" في الاشرفية في 14 ايلول 1982، التي أودت بحياة رئيس جمهورية لبنان المنتخب بشير الجميّل و32 شخصاً كانوا موجودين في المكان اضافة الى جرح 63 شخصاً، أجريت التحقيقات الأولية، والأمنية في القضية، وتم اعتقال من قام بالتفجير الذي اعترف بفعلته وأُرسلت الاوراق الى القضاء المختص، الا ان الأحداث التي تلت عملية الاغتيال، وحالة الحرب التي سيطرت على لبنان، منعت من ولوج مسارها القضائي.
ومع انتهاء الحرب اللبنانية ودخول لبنان ما بعد اتفاق الطائف، استثنيت هذه الجريمة كما غيرها من الجرائم السياسية من العفو الذي أقرّه الاتفاق على المشاركين بالحرب، ورغم ذلك بقيت في الادراج الى 29/10/1996 تاريخ صدور القرار ظني.
القرار الظنّي
استندَ القرار الظني الصادر عن المحامي العام التمييزي القاضي امين ابو نصار على قرار النائب العام لدى المجلس العدلي تاريخ 28/12/1982 والتحقيقات التي أجريت عقب الجريمة وأدت الى توقيف حبيب بن طانيوس الشرتوني– والدته روز صابر- مواليد شرتون – قضاء عاليه 1958، كما يشمل القرار سرداً لاعترافات الشرتوني عن عملية تنفيذ الجريمة، والمحرّض والمخطّط لها حيث يبين القرار وبالتفصيل الدور الكبير للمحامي نبيل بن فرج العلم – والدته ليندا دوميط – مواليد العقيبة – قضاء كسروان – الفتوح عام 1945 (توفي العام الماضي)، من حيث التخطيط، وتجنيد الشرتوني واتخاذ القرار بالتنفيذ.
ويظهر القرار كيف سعى العلم الى اقناع الشرتوني بتنفيذ الاغتيال بعدما علم ان لجديه من ناحية والدته شقّة في مبنى بيت الكتائب نفسه الذي يتردّد اليه الرئيس بشير الجميّل، وجمع المعلومات عن المبنى وعن التقسيم الداخلي للقسم ومكان جلوس الجميّل أثناء حضوره بعد ظهر كل يوم ثلاثاء، وعن هوية الشاغلين في الطابق الأول الذي يعلو مباشرة قاعة الاجتماع، ودراسة هيكلية البناء وأماكن وجود الجسور في سقف الطابق الأول، كما تمكّن من إقناع الشرتوني وأزال من نفسه كل تردّد واعداً اياه بالارتقاء الى مراتب البطولة إذا هو قام بالتنفيذ، وزوّده بالمتفجرات على مراحل ثم درّبه على جهاز التفجير وحمّله اياه مع الصواعق.
اضافة الى ذلك، يحوي القرار اعترافات الشرتوني نفسه عن كيفية نقله المتفجرات من شطر العاصمة الغربي الى منطقة الاشرفية بسيارة والده الاميركية وتخبئتها بأماكن سرية، وكيفية ادخالهم الى شقة جديه، على مراحل بحقائب بلاستيكية، وتخبئتها بطريقة لا تثير الانتباه، اضافة الى شرح عملية دخوله الى الطابق الاول من الشقة الغربية عبر نافذة المطبخ بعد إخلائها من قبل "الكتائب" في وقتها، حيث تمكن من إدخال حوالى 43 كيلوغراماً من المتفجرات مع عشر صواعق والجهاز اللاقط للموجة اللاسلكية المبرمجة والمرقّمة، ووضعها في صالون الشقة، فوق المكان الذي يعقد فيه الرئيس الجميّل اجتماعاته، وقيامه بعملية التفجير عن بعد، بعد تردده لاسبوعين متتالين، ما أدى الى مقتل الرئيس الجميّل والدكتور روجيه شمالي، ملحم ابراهيم نمر، جاك أسمر، ساسين موسى كرم، جان بشارة ناضر، المحامي فؤاد ابي نجم، جورج أسعد كرم، انطوان ايوب، بيار فاضل، جرجي خليل الياس، فوزات الياس قدادو، ميشال حداد، ميشال يوسف تلج، ميشال روبير شاهين، ماري اديب لحود، هيام شكري الحايك، اديبة اندراوس ريشا، فريال سامي سلوكجي، رنده سامي مشنتف، منى اندراوس سالم، مرسال طانيوس ريشا، شاهينة نوار قدادو، ادال سكر شاهين.
وقرر القاضي اتهام المدّعى عليه حبيب طانيوس الشرتوني بجنايات المواد 314 عقوبات معطوفة على المادة 6 من قانون 11/1/958، والمادة 549 عقوبات معطوفة على المادة 201 منه.
واتهام المدّعى عليه نبيل فرج العلم بجنايات المواد 314 عقوبات معطوفة على المادة 6 من قانون 11/1/958 والمادة 549/201 عقوبات، وجميعها معطوفة على المادتين 217 و 213 عقوبات.
قطبة مخفية
وتبقى نقطة بارزة ومهمة وأساسية في القرار الظني، وهي لا زالت مخفية حتى الساعة ولا يعرف عنها شيئاً وهي أن تحقيقات مطوّلة أجريت أمكن بنتيجتها من تحديد أوصاف الشخص الذي كان يقدم المساعدة الى حبيب الشرتوني على أنه شاب لبناني من بلدة كفرشيما أو بلدة الحدت في المتن الجنوبي، بلغ عمره حوالى 25 عاماً في عام 1982 ، معتدل الطول، أبيض البشرة، بديناً، وكان يشغل منصباً ما في حزب الكتائب أو في صفوف القوات اللبنانية في ذلك الوقت.
جلسة المجلس العدلي
تنظر عائلة الرئيس الشهيد بشير الجميّل الى تعيين جلسة رغم التأخير الكبير، بإيجابية، وهي أعدّت العدة كاملة وعيّنت المحامين بطرس حرب وادمون رزق وعبد الحميد الأحدب وسليم المعوشي ونعوم فرح وإرنست الجميّل، بحسب ما كشف النائب نديم الجميّل لـ"النهار".
وأكّد الجميّل ان "الدعاوى المقدّمة من اهالي الشهداء هي دعاوى شخصية، وليست دعاوى حزبية، مشيراً الى انه تواصل مع اغلبية المدّعين من أهالي الشهداء وهم على أتم الاستعداد للسير في القضية، الا انه بقي اسمان فقط لم يستطع التواصل معهم والعمل مستمر لحضورهم او حضور ممثلين عنهم".
وناشد الجميّل، مَنْ لم يتبلغ الحضور او الاتصال به لأهمية وجود الجميع من حيث اكتمال اجرءات الخصومة، وللسير بسرعة نحو الحكم.
وشدد الجميّل، على أهمية هذه المحاكمة من حيث إعادة الثقة بالقضاء اللبناني، والدولة اللبنانية التي لا تنسى حقوق ابنائها لو مهما طال الزمن، لافتاً الى انه من حق كل شهيد ان تصل قضيته الى العدالة ويحاكم المجرم الى اي فئة انتمى ومن كان ورائه.
واعتبر الجميّل ان السير الجدي في هذه القضية يضع حداً للاتهام السياسي، والمهاترات الاعلامية، ويضع القضية المحقّة التي أودت بحياة رئيس جمهورية منتخب في مكانها الصحيح.
وأمل من المؤتمنين على الملف، "التعاطي مع الملف بأبعد من القرار الاتهامي الذي يحصر القضية بشخص او شخصين والذهاب الى الجهة السياسية المحرّضة ومن وقّت وحمى القاتل قبل تنفيذ الجريمة وبعدها".
وعن الحملة الاعلامية التي تمجّد افعال الشرتوني، أسف الجميّل لهذه التصرفات، خصوصاً "انهم لا يمجّدون قاتل رئيس جمهورية وحسب، انما قاتل 24 شخصاً بريئاً"، مشيراً الى انه لن يدعي على مطلقي هذه الحملات قانونياً في لبنان، لكنه سيدّعي في اميركا لدى شركات التواصل الاجتماعي لإيقاف الحملة على الأقل عبر هذه مواقع.
ووفق ما تقدم ستكون جلسة 25 تشرين الثاني انتصارًا ولو متأخرًا لقضية هزّت الرأي العام وأوقعت نفوساً بريئة، الا انها رغم أهميتها ستكون شكلية لأن التبليغات ليست مكتملة بسبب فرار المدعى عليه... لكنها تبقى خطوة اولى في الاتجاه الصحيح.
إسكندر خشاشو