سألني أخٌ عزيز عن رأيي في عمل المرأة، فانتابتني مشاعر متضاربة تجاه السّؤال، نظرًا إلى أنني عرفت حقيقة المرأة ودورها الجليل كأُم وزوجةٍ وأخت، وأنّ بعض الأعمال التي اضطَرت بعض نساء هذا الزمن أن تخوض غماره، يُحَمِّلها ما لا طاقة لها به عند محاولتها الجمع بين الأمرين.
فقلت له :
إنّ المرأة أحد صنفي بني آدم المكرمين، وهي ذات جمالٍ وجلال؛ صفتان تفرضان على صنف الرجال أن يتعاطوا معها كأميرة لا كأجيرة أو أسيرة . فعمل المرأة بالأساس لا مانع منه، بل لا بد من عنصر المرأة في الكثير من الأعمال الحياتية اليوم، خاصّةً أنّ الكثير من أعمال هذا الزمن باتت سهلة وتناسب قدرتها البدنية، وقد تتفوّق المرأة على الرجل حتى في مهارات أخرى. فالدين والواقع لا يمنعان ممارسة المرأة لأي عمل تجاري أو صناعي أو وظيفي مهما كان نوعه، إنّما ما يطلبه الدين منها هو تركها "المخالطة العشوائية" بالرجال الذين قد يستغلّ بعضهم طيبتها وبراءتها لمآربهم الدنيئة، فيهدمون كيانها ويدمرون حياتها الأنثوية الجليلة، وهذا ما حدث ويحدث كثيرًا وكل يوم في المجتمع، والأخبار مليئة بهذه الحوادث . وفي غير هذه الحالة، فهي كالرجل لها كامل الحرية لتَعمل بما تشاء .
فمثلًا، من منّا لا يحتاج لنساء طبيبات تعالج نساءنا، وأساسًا ما المانع لو كانت المرأة عاملة في كل مجالات الحياة التي تناسب قدراتها البدنية والنفسية التي لا ترهقها، مع حفاظها على أدوارها الأخرى الجليلة كالأمومة وحياتها الزوجية، والتي لا يمكن أن تتأتّى إلا من المرأة، بحسب التقسيم الخلقيّ البشريّ بين الذكر والأنثى وحاجة كل منهما لدور الآخر وعدم إمكانية الاستغناء عنه عادةً ؟
فالمرأة العاملة المحافظة، تجاهد نوعين من الجهاد، الأوّل جهادها في دورها الأمومي والزوجي والمنزلي الذي لا يتأتّى إلا منها . أمّا النوع الثاني، هو جهاد الوقوف إلى جانب ذويها وزوجها وأسرتها لتشاركهم جهادهم في تحصيل الحياة الكريمة، وعلى الأهل والزوج هنا أن يؤَدّوا لها شُكرَين: شكرٌ لدورها النسائي كأم حنونة وزوجة أنيسة وأخت شفيقة، وشكرٌ لقيامها بدور المجاهد في سبيل مساعدتهم لتحصيل حياة كريمة .
وهنا، لا أملك إلا أن أؤدّي لهذه المرأة المضحيّة أجلّ تحيّات الإكبار والاحترام .
وأثناء حديثنا، تعرّضنا للواقع العمليّ في هذا الزمن لصنفين من النساء العاملات: صنف المحجّبات وصنف غير المحجبات. فقلت له وبصراحة : أنا عندما أحتاج للتعامل مع امرأة في المجال الحياتيّ، فأنا "حاليًا" أفضّل التعامل مع المرأة غير المحجبة، وللأسف الشديد . حيث أجد أنها أكثر تهذيبًا وإنسانيةً في تعاطيها مع الغير من "الكثيرات" من المحجبات . بل ترى فيها الأخلاق الإنسانية التي دعى إليها وحث عليها الدين، لِما لهذه اللياقات من تأثير كبير في نشر الألفة بين الناس وإعطاء صورة جميلة عن نفس هذه المرأة والمؤسسة التي تعمل فيها .
حيث أن الكثيرات من المحجبات تجدهنّ -وبسبب أنهنّ التزمن بالحجاب- يتعاطين تعاطٍ يفتقد إلى الكثير من الإنسانية واللياقة الاجتماعية، بل فيه الكثير من العجرفة التي تصل بعض الأحيان إلى حد قلة التهذيب التي نتجت عن توهّمها بأنّ التزامها الديني بالحجاب يجعلها أفضل من غيرها على الإطلاق، ويعطيها حق التصرف بغير تهذيب وبلا لياقة ولا إنسانية مع الغير . مع العلم أنّ الإله الذي فرض عليها الحجاب قد فرض عليها الأدب والتخلّق بأرفع صفات الأخلاق الإنسانية في تعاملاتها مع الغير، وخصوصًا أنها هي من أقدمت على الدخول في معترك الحياة العملية التي تفرض على من دخلها أن يتحلّى بأرفع درجات الخلق الكريم والتضحية لإنجاح العمل .
قناعتي هذه ناتجة عن تجاربي الحياتية الكثيرة التي أعتقد أنّ الكل يتشارك معي فيها بسبب تجاربه العمليّة أيضًا مع هذين الصنفين من العاملات، وهي قناعة لا شك أنها تؤلمني، إلا أنه ذلك هو الواقع وللأسف .
ولا شك أنّ هناك صنف آخر من المحجبات اللاتي يتّصفنَ بالأخلاق الحميدة واللياقة في التعامل مع الغير عند تأديتها لوظيفتها، وبما لا يتنافى مع عفّتها، هكذا امرأة قد جمعت من الكمالات ما يجعلها جنّة تمشي على الأرض .
الشيخ عباس حطيط