قالها ومضى إلى ماضٍ لا يمضي "مرحباً أيها الوطن"، وكتب قطرةً من قطرات دموعه التي يريح بها الباكون أنفسهم، "أما والوطن أضيق من ظل رمح ! أما والوطن تهمة! أما ومن يُضبَط متلبِّساً بوطنٍ فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه" كتب "هاني فحص" ومشى..!
هي قطرة من مداده التي يُرصِّع بها الكُتَّاب أقلامهم، ومن قطرات ماء الحياة التى سكبها في بلده، تمنَّينا تلك الروح المرحة في وطنٍ له عَلَمٌ واحد، وبابٌ واحد، وبوابةٌ واحدة، وسقفٌ واحد، في وطن له ذاكرة واحدة، لكي لا نبقى مكشوفين في العراء والتاريخ، امحوا كل الكلمات ما عدا حروف الجر، والفاعل ونائبه والمفعول به ومعه ولأجله، والجار والمجرور وبالإضافة أيضاً، والصفة والموصوف، والنعت والمنعوت، قالها "السيد" لسيدنا الوطن لكنه هرب من عيون المواطنين، هرب من مداد الحبر، وتسلَّل بين طلقة وأخرى، بين جبهةٍ وجبهة، وحزبٍ وحزبٍ، وطائفةٍ وطائفةٍ، وبين فتنةٍ وأخرى، وبين كذبةٍ وأخرى، وبين صفقةٍ وأخرى، وتجارةٍ يسَّرها لهم ربهم، بين الجيش والمليشيا، وبين الدولة والمزرعة، وبين الأمّة والدكاكين، وبين الطائف وسايكس بيكو، وبين النائب والنائبة، وبين الوزر والوزير...بهذا القلم الذي يستمدّ مداده ولو على ظهر سفينة عائمة غير راسية، نكتب عن حلمنا وعن حلم الوطن لنرفع عَلَماً واحداً لا خوفاً ولا امتثالاً.
من له قلب فليتقدّم، ومن كان له قلب فليأخذ له وطناً، فهذا الوطن حرام على الذين لا قلوب لهم... أليس أكبر السياسيين في هذا العالم مقاماً وأعظمهم فخراً وأسْيَرَهم ذِكراً، ذلك الذي نقرأ صفحات تاريخه فنرى حروفها من أشلاء القتلى، ونقطها من قطرات الدماء..؟؟ لربما تاب الفاسق عن فسقه، ولربما عاد السارق عن السرقة رافعاً يديه إلى السماء أن يرزقه الله مالاً حلالاً، ولربما يبكي القاتلُ قتيله فيبكي عليه كبكاء الثكلى على وحيدها المقتول يطلب العفو والمغفرة، لكن يا "سيدي الوطن"، السياسي قد لا يحب أن يرى يوماً أسعد عنده من أي يومٍ عندما يرى شعباً يهتف لصورته أو يهتف إلى شيءٍ غيبيٍ،فأسعد يومٍ عنده يا "سيدي الوطن" عندما يرى شعبه غبيًا لا يعلم ماذا يُراد له من إهلاكٍ وإفقارٍ، فيصبح كالدخان العابق المتصاعد في سجائر أمسياتكم، وكَنَكهة القهوة في فنجان صباحاتكم، وأعجب لكم وأنتم أصحاب ربطات العنق، وأصحاب العباءات الفضفاضة، وأصحاب الأقوال الحكيمة، كيف تقرؤون آيات السماء وترانيم الصلاة، وتناسَيتُم أنَّ شعب هذا الوطن لكم وإليكم...
أحسدكم وأحسد من يظنُّ أنه استفاق يوماً من أيام العمر، ولم ينم في مقبرةٍ قريبةٍ أو بعيدةٍ في مقابرنا العربية والإسلامية، والبعض منهم يعتبر المقابر حيث تتواجد اللحود والشواهد ورميم العظام، ولا يعلم أنَّ المقابر هي مدن الفقر وأحياء الجهل وأوطان الغربة.