ما الذي جاء بستافان دو ميستورا الى دمشق حاملاً مرة جديدة الملف الذي حمله قبل عامين "جهنم حلب"؟
في المرة الأولى نهاية تشرين الاول من عام ٢٠١٤ حمل خريطة حلب واقتراحاً لوقف متدرج للنار يبدأ منها، الأحد وصل بإقتراح تركي خبيث، بعدما باتت حلب العاصمة الثانية لسوريا تشبه ستالينغراد ولكن مع فرق بسيط هو ان التاريخ سيكتب ان فلاديمير بوتين هو من صنع ستالينغراد السورية!
الإقتراح الجديد لدو ميستورا كشف عنه بداية الأسبوع في مقابلة مع صحيفة " الغارديان" وهو يدعو الى ان تعترف الحكومة السورية، المنهمكة بتدمير ما تبقى من حلب، بقيام إدارة ذاتية يتولاها المعارضون الذين يقاتلون في الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرتهم منذ عام ٢٠١٢، في مقابل ان يغادر مقاتلو "جبهة النصرة" المنطقة التي يقطنها ٢٥٠ الفاً ويخضعون لحصار وحملة تدمير هائلة.
إقتراح غريب قيل إن موسكو تدعمه لكن النظام السوري رفضه فوراً، إلّا أن السؤال: كيف فبركوا هذا الإقتراح اذا كانت الأمم المتحدة في مرحلة إنتقال من بان كي مون العاجز الى الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريس، تماماً مثل مرحلة الإنتقال من باراك أوباما الأكثر عجزاً حيال الأزمة السورية الى دونالد ترامب الذي يبارك سلفاً تدمير النظام والروس حلب وغيرها من المدن السورية ؟
الروس سبق لهم ان اقترحوا هدنة مشروطة بخروج المقاتلين من شرق حلب لكنها فشلت، لهذا يبدو اقتراح دو ميستورا كأنه يهدف الى إحياء شروط هذه الهدنة، ولكن مع إضافة قد تؤدي الى قيام قتال أوسع بين المعارضة المعتدلة و"جبهة النصرة" على خلفية محاولة الفصل بين الطرفين، وهي الوصفة المستحيلة التي طالما استعملها سيرغي لافروف لإحراج جون كيري، وخصوصاً بعدما أدى القصف الوحشي والحصار الخانق الى دفع المعتدلين الى التطرف نتيجة اليأس الذي ينزل بهم على وقع دمار البراميل المتفجرة.
لم يكن من المعقول ان يوافق النظام على اقتراح دو ميستورا. وليد المعلم رفض فكرة الإدارة الذاتية قائلاً: لا حكومة في العالم تسمح بذلك، فهذه "فكرة تنال من سيادتنا الوطنية". طبعاً لا داعي للتعليق على ما يتبقى من هذه السيادة المُدمَرة مثل ركام حلب وغيرها سوى ان المعلم أعاد طرح المقترح الروسي بخروج كل المسلحين من شرق المدينة.
فكرة الادارة الذاتية في حلب نزلت في أمكنة كثيرة كأنها أشارة ضوئية ولو عابرة للفكرة الأعمق أي التقسيم، وهو ما دفع البعض الى التذكير بتاريخ من الحديث عن دولة حلب ودولة دمشق ودولة العلويين ودولة الدروز، لكن الواقع انه ليس في حلب غير الحصرم الدموي، ولن يبقى فيها مستشفى أو حجر على حجر.