الكلام على رضى "حزب الله" على تشدّد حليفه الرئيس نبيه برّي مع الرئيس ميشال عون وغيره فيه بعض الحقيقة في رأي العارفين. فهو حقّق لنفسه وللمحور الإقليمي الذي هو جزء منه نصراً كبيراً بإيصال حليفه إلى رئاسة الجمهورية. لكن اكتمال النصر يكون بتأكّده أن أداء عون الرئيس وتصرّف "تيّاره" سيبقيان منسجمين في الخطوط العريضة والتفاصيل مع سياسته الداخليّة واستراتيجيّته الإقليميّة. والتأكّد يلزمه وقت. وتأليف الحكومة الأولى للعهد الجديد سيكون المحطّة الأولى على طريق الوصول إليه. والدوافع إلى التأكّد كثيرة. منها "ورقة النيّات" التي اتفق عليها في البداية عون ورئيس "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع الذي يعتبره "الحزب" عدوّاً في السياسة والإيديولوجيا والمنطلقات. ثم ترشيح الثاني للأوّل لرئاسة الدولة. وأخيراً ظهور اتفاق بين الاثنين على أمور شائكة مثل الحصص في الحكومة الجديدة (مناصفة في عدد الوزراء ونوعية الحقائب)، والخوف أن يكون تمّ الاتفاق على أمور أخرى لا يراها "الحزب" مناسبة له. ومنها أيضاً الخوف من عودة "عون الأول" (1988) إلى قصر بعبدا بعد 28 سنة من إخراجه منه. وهذا "العون" كان معادياً للفريق المسلم و"الوطني" المتنوّع والموحّد في مرحلة الحروب الأهلية في البلاد. وكان مًعادياً أيضاً لحليفه سوريا الأسد. وقد عبّر عن عدائه بنشاطه الكبير في الأوساط الدولية وبنجاحه بعد سنوات في إقناع أميركا بإصدار قانون "محاسبة سوريا ومساعدة لبنان على استعادة سيادته واستقلاله". كما عبّر عنه في كتيِّب مبادئ "التيار" الذي أسّس وأهدافه التي ألغى بعضها بعد تفاهمه مع "حزب الله". ومنها ثالثاً المحاولة الدائمة لاستمالة عون من أخصام "الحزب" في لبنان والمنطقة، واقتناع بعضهم بأن ذلك غير مستحيل وخصوصاً في ضوء أمرين. الأول انتشار الأخبار عن اعتزام المملكة العربية السعودية العودة عن تجميد هبتها للجيش (3 مليارات دولار). والثاني انتخاب ترامب المعادي لإيران رئيساً لأميركا. وتأثير الأمرين على جيش لبنان الذي يواجه "التكفيريّين" في الداخل وعلى الحدود البقاعية – السورية. ومنها رابعاً الخشية أن يطغى عون الأول على الثاني في قصر بعبدا فيحوّله قلعة مسيحيّة فقط تماماً مثلما كان أيام "احتلاله" إيّاه شرعياً في البداية عام 1988 وأيام غيره أيضاً. أي أن يحاول ممارسة الرئاسة القوية التي يؤمن بها، والتي ما عادت ممكنة إلّا بخرق الدستور (اتفاق الطائف) وبترسيخ أعراف وخلق أخرى. والأمران يرفضهما المسلمون رغم انقسامهم فريقين متصارعين، ورغم احتمال تساهل واحد منهم مع ذلك إضراراً بالآخر. طبعاً يريد "الحزب" دوراً مسيحياً مهمّاً. لكنه لن يقبل الدور المُهيمن الذي كان استمراره على حاله مستحيلاً قبل "الطائف". والصراع الدائر بين عون وبري يؤشّر إلى توق مسيحي للدور الأول وإلى قلق شيعي منه. والاعتقاد أن "الحزب" ينتابه شعور القلق قد لا يكون فيه مبالغة. ولعلّ ما يزيد القلق هو التحالف المقصود أو العفوي بين عون وجعجع والبطريرك الماروني والإصرار على وزراء للرئيس وعلى "المداورة" لحرمان الشيعة وزارة المال، والإصرار على إثارة لا شرعية مجلس النواب بعد التمديد له. علماً أن ذلك يعني لا شرعية انتخاب عون في الوقت نفسه.
كيف سيتصرّف "حزب الله" حيال كل ذلك؟
لا أحد يعرف. وربما هو لم يضع سياسة نهائيّة أو خطة لذلك. لكن عارفيه المتأكّدين من اقتناعه بعون وحبّه له يعتقدون أنه لا ينظر إلى الحصة الوزارية لرئيس الجمهورية بارتياح لأنه لا يحتاج إليها بسبب كتلته النيابية الكبيرة وكتل حلفائه، ولأنه حَكَم وليس جزءاً من السلطة التنفيذيّة دستوريّاً. ويعتقدون أيضاً أن "الحزب"، ورغم حلفه الثابت بل الاستراتيجي مع الرئيس برّي و"رضاه" ضمناً عن إدائه في التفويض الذي أعطاه له، يشعر بالقلق جرّاء "الصوت العالي" أكثر من اللزوم للأخير وربما جرّاء شعارات تذكّر ببعض "الحروب" وميليشياتها، ويخشى أن تكون تطبيقاً للمثل العامي: "أحكيكِ يا جارة حتى تسمع الكنّة".
في اختصار لا بدّ أن تتألّف الحكومة بين اليوم وآخر السنة الجارية. لكنها قد لا تبدّد خوف اللبنانيّين من عدم دخول مرحلة تكرّس استقرارهم على هشاشته. فإضافة إلى الهموم الكثيرة التي يرزحون تحتها لا بدّ من ملاحظة همّين لـ"حزب الله" في اعتقاد عارفيه الأول مسيحي والثاني شيعي. وليس الآن وقت التوسّع والتفصيل فيهما. فالوقت وحده كفيل بتأكيد وجودهما أو بنفيه.
النهار