أتاح فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية والحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" للحرس الثوري الإيراني المحافظ ما يعتبره فرصة فريدة لاستعادة القوى الاقتصادية والسياسية التي فقدها.
فبعد تهميشه، عقب توصل القادة الإيرانيين إلى اتفاق نووي مع إدارة الرئيس الاميركي المنتهية ولايته باراك أوباما والدول الكبرى، بات الحرس الثوري عاقدا العزم على استعادة موقعه في هيكل الحكم المعقد في إيران. وقال الجمهوري ترامب في حملته الانتخابية إنه سيتخلى عن اتفاق 2015 الذي حد من طموحات إيران النووية في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية. ومن المتوقع أن يشجع موقفه المتشدد- الذي يتناقض مع مد أوباما يده بغصن الزيتون الى إيران- المحافظين الذين سيستفيدون من اقتصاد يستبعد المنافسة الخارجية.
الى جانب ذلك، لعب "فيلق القدس" الذي ينفذ السياسة الخارجية للحرس الثوري دورا ناجحا ورئيسيا في ميادين القتال في العراق، مما زاد شهرة الحرس الثوري وشعبيته في الداخل. وقال مسؤول كبير في الحكومة الإيرانية: "ترامب والدولة الإسلامية هديتان من الله للحرس الثوري". كذلك، قال مسؤول إصلاحي سابق: "إذا تبنى ترامب سياسة عدائية تجاه إيران، أو ألغى الاتفاق، فإن المحافظين وخصوصا الحرس الثوري، سيستفيدون من ذلك."
ويسعى الرئيس الايراني حسن روحاني الذي يتبع أسلوبا عمليا في السياسة، الى إعادة ربط اقتصاد إيران بالأسواق العالمية وجذب الاستثمارات الأجنبية عقب انتخابه العام 2013، بعد تحقيقه فوزا كاسحا على خلفية وعوده بإنهاء العزلة الديبلوماسية والاقتصادية على إيران.
وتعرقل حالة عدم اليقين بشأن الاتفاق النووي والعقوبات الأميركية الأحادية والخلافات السياسية في إيران، إلى جانب اللوائح المعقدة ومشكلات العمل والفساد التعافي الاقتصادي بعد العقوبات، مما أثار قلق الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي الذي ينحي باللائمة على الحكومة.
العقوبات أفادت الحرس
أنشئ "الحرس الثوري" الموالي بشدة لخامنئي على يد آية الله روح الله الخميني، قائد الثورة الإسلامية العام 1979. وحظي بموطئ قدم له في الاقتصاد للمرة الأولى بعد الحرب العراقية الإيرانية بين عامي 1980 و1988، عندما سمحت له المؤسسة الدينية بالاستثمار في الصناعات الإيرانية الرئيسية.
ونمت إمبراطوريته التي شملت نطاقا عريضا من الأعمال في الطاقة والسياحة، إلى إنتاج السيارات والاتصالات والإنشاء، بعدما وضع يده على مشروعات بمليارات الدولارات تخلت عنها شركات النفط الغربية بسبب العقوبات التي فرضت للحد من الطموحات النووية للبلاد.
وفي محاولة لتقليص نفوذه، أوقفت الحكومة أو ألغت بعض المشروعات الكبرى الموكلة اليه، منها مشروع قيمته 1.3 مليار دولار مع شركة الغاز الوطنية الإيرانية في آذار 2014.
ورُفعت العقوبات الدولية بموجب الاتفاق النووي في كانون الثاني، فاتحة الاقتصاد الإيراني أمام الشركات الأجنبية، ومهددة بالتالي قاعدة القوة للحرس الثوري. والآن يرى فرصة لاستعادة موقعه في التسلسل الهرمي الإيراني. وقال المسؤول الحكومي الكبير: "الحرس الثوري الإيراني سيستغل فوز ترامب لإقناع الحكام الدينيين بمنحه مزيدا من الدعم السياسي والاقتصادي. هذا ما يأمل فيه منذ التوصل الى الاتفاق."
وقال مسؤول إصلاحي سابق مقرب من روحاني: "إذا أبعدت رئاسة ترامب المستثمرين الأجانب عن إيران، فساعتئذ سيستعيد الحرس الثوري قوته الاقتصادية. زيادة المشاركة الاقتصادية للحرس تعني سوقا تنطوي على مخاطر أكبر للمستثمرين الأجانب. ستعرقل النمو الاقتصادي الذي يخطط له روحاني، وستمنح مزيدا من القوة السياسية للحرس الثوري وداعميه المحافظين."
حالة عدم اليقين
لا يزال أعضاء بارزون في الحرس الثوري وشركاته الوهمية خاضعين للعقوبات الأحادية الأميركية لما تقول واشنطن إنه دعم "أعمال الإرهاب". ولقلقه على خسارته قوته الاقتصادية، اتهم الحرس الرئيس روحاني بتفضيل الشركات الأجنبية على المحلية، مطالبا بدور أكبر في الاقتصادن وداعيا إلى تنفيذ رؤية خامنئي لإيران تعتمد على ذاتها.
وقال تاجر مقيم في طهران يدعى محمد علي: "الشركات المرتبطة بالحرس الثوري لا تستطيع التنافس مع الشركات الأجنبية. وبالتالي ستريد وجودا محدودا للشركات الأجنبية في إيران. المال يعني القوة."
وتحتاج الشركات الأجنبية إلى شريك إيراني للدخول في أعمال في إيران، وهو كثيرا ما يعني بالنسبة الى المشروعات الكبرى شركات يسيطر عليها الحرس الثوري. ومعظم الشركات الوهمية التابعة له ليست مملوكة رسمية له، بل لأفراد وشركات على صلة به.
ولا يزال الحرس الثوري مبهما للغرباء. وقال قائد متقاعد في الحرس: "الحرس لديه طبقات مختلفة. جذوره قادة كبار متمرسون يؤلهون الزعيم الأعلى، ومستعدون للتضحية بأرواحهم من أجل أركان الثورة، ولديهم نفوذ في الأنشطة السياسية والخارجية للحرس. وهناك أيضا طبقة أخرى ليست في القمة تشارك في أنشطة الأعمال. حصلت على مزيد من القوة الاقتصادية في عهد الرئيس السابق (محمود) أحمدي نجاد."
وثمة تأثير مباشر لمستقبل الاتفاق النووي على الطموحات العسكرية والسياسية والاقتصادية للحرس. وليس واضحا ما إذا كان ترامب سينفذ تهديده بالتخلي عنه. خلال حملته الانتخابية، رفض الاتفاق، ووصفه بأنه "أحد أسوأ الاتفاقات التي جرى التفاوض عليها إطلاقا".
لكن ترامب سبق أن أصدر بيانات متناقضة. لذلك فإن الشركات الأجنبية ليست متأكدة من حجم ترجمة خطابه إلى سياسات. وتوقع محللون سياسيون في الشرق الأوسط أن يزيد الدعم السياسي للمؤسسة الدينية القوية للحرس الثوري، ردا على الغموض المتعلق برئاسة ترامب.
في مواجهة الهلال السني
من جهته، قال المحلل السياسي حميد فرح فاشيان: "سيحصل الحرس على مزيد من القوة على الأقل حتى ينقشع الغبار بعد فوز ترامب... سيتشكل المناخ (الوضع) في إيران بسبب القوة الإضافية التي ستمنح الحرس الثوري. غموض موقف ترامب تجاه إيران، والسياسات الإقليمية، والانتخابات الرئاسية الإيرانية في ايار، والمصاعب الاقتصادية التي قد تؤدي إلى احتجاجات الشوارع ستجبر المؤسسة على منح الحرس الثوري مزيدا من القوة."
والحرس هو الذي قمع احتجاجات الطلاب العام 1999، وأسكت كذلك الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح التي أعقبت انتخاب الرئيس أحمدي نجاد لفترة جديدة العام 2009. ويقول محللون ومسؤولون إن الحكام الدينيين الشيعة لطهران يصرون على أن الحرس عامل حاسم في منع ظهور ما يعرف "بالهلال السني" من فوضى الصراعات في الشرق الأوسط.
وتخوض إيران المنافس للسعودية منذ عقود حروبا بالوكالة في سوريا ولبنان والعراق واليمن ودول إقليمية أخرى. ونشط قادة "فيلق القدس" اخيرا في ميادين القتال في سوريا والعراق. وقال المسؤول الإصلاحي السابق: "الحرس الثوري سيتبنى نهجا أكثر قوة وصرامة في الشهور المقبلة."
وتتهم الحكومات الغربية وإسرائيل "فيلق القدس" بتسليح العديد من الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط. وقال مسؤول أمني إيراني كبير: "الحرس الثوري مسؤول عن الحفاظ عن الأمن القومي الإيراني وأنشطته الخارجية. لذلك وجود تهديد مثل "داعش" (تنظيم "الدولة الإسلامية") على حدودنا والأزمة الإقليمية يجعلان الحرس ضروريا لإيران. وبغض النظر عمن هو الرئيس في أميركا أو أي مكان آخر، سندعم حلفاءنا، كذلك سيفعل الحرس."
المصدر : رويترز