عند الثامنة من مساء اليوم، يوجه الرئيس ميشال عون رسالة الاستقلال الأولى في عهده، على وقع ما حفلت به وقائع الأسابيع الثلاثة الماضية التي تلت انتخابه، وعلى وقع الآمال المعقودة على هذا العهد، والآخذة بالتراجع، بعد تعثر تأليف الحكومة، وبروز تعقيدات لم تكن بالحسبان، كشفت أن المسألة تتعدّى الخلافات والمكاسب والوزارات النفعية أو السيادية، إلى موقع لبنان وتوازناته الداخلية في قلب الأحداث الباردة والساخنة، في هذه المنطقة المضطربة من العالم.
رسالة الاستقلال التي سيسمعها اللبنانيون اليوم عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، لن تخرج عن الإطار الذي رسمه خطاب القسم، ولن تخرج عن موقع الرئيس الدستوري والسياسي في حماية وحدة الدولة ومؤسساتها، والتطلع إلى علاقات محايدة ومتوازنة مع المحيطين العربي والإقليمي، وكذلك عمّا أعلنه، أمس، في احتفال «عودة علم الشعب إلى قصر الشعب»، حيث أكّد أن الفكرة من العلم هي تمكين اللبنانيين من التعبير عن وحدتهم».
ومن الثابت أن الرسالة ستراعي توجه الرئيس وتياره حيال القضايا والمشكلات التي تواجه هذا البلد. ومن هذه الثوابت ما أعلنه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل أمام هيئة قضاء جزّين في التيار، انه «لا للخلاف مع حزب الله من أجل قوة لبنان، ولا للخلاف مع تيّار المستقبل من أجل الشراكة في لبنان، ولا للخلاف مع «القوات اللبنانية» من اجل قوة المجتمع المسيحي في الشرق».
وهذا يعني مراعاة وضعية «حزب الله» كمقاومة، ووضعية تيّار «المستقبل»، كشريك في السلطة التنفيذية، ومراعاة وضعية «القوات اللبنانية» من أجل إسقاط فكرة الاحباط عند المسيحيين، والتأكيد أن زمن الاستعطاء انتهى، بتعبير الوزير باسيل.
وإذا كانت بعض هذه الثوابت تحكم عملية تأليف الحكومة، تقدماً أو تعثراً، فإن تأخير صدور مراسيم تأليفها قبل عيد الاستقلال لم يكن لمصلحة الاحتفاظ بوهج الانتخاب، ومع ذلك، فان الرئيس المكلف سعد الحريري حافظ على منسوب مرتفع من التفاؤل، في ما خص تأليف الحكومة، إذ أكّد امام وفد من طلاب «المستقبل» استقبله مساء السبت الماضي في «بيت الوسط» أن «الحكومة ستشكل ان شاء الله، وأنا لست متخوفاً من هذا الأمر، وما يهمني هو أن نضع القطار على السكة، وإن شاء الله تكون الانطلاقة قريباً جداً». (راجع ص2).
وشارك الرئيس الحريري مساء أمس في مأدبة العشاء التكريمية التي أقامها المحامي صائب مطرجي على شرف مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في فندق «فينيسيا» في حضور الرئيس ميشال سليمان والرئيس تمام سلام وشخصيات.
في هذا الوقت، بقيت الأنظار متجهة إلى انطلاقة العهد عربياً ودولياً، في ضوء برقيات التهنئة التي تلقى بعضها أمس الرئيس عون، وأبرزها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي تمنى في برقيته «لحكومة وشعب لبنان اضطراد التقدم والازدهار»، في حين شدّد الرئيس الأميركي باراك أوباما على الروابط بين الولايات المتحدة ولبنان في مجالات التجارة والاستثمار والتعاون في مكافحة الإرهاب والمساعدة في مجال الأمن».
وفي إطار التهاني، يصل إلى بيروت اليوم موفد خادم الحرمين الشريفين الأمير خالد الفيصل يرافقه وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، وذلك لتقديم التهنئة للرئيس عون بانتخابه رئيساً للجمهورية، وتأكيد دعم المملكة للبنان، وتسليمه دعوة الملك سلمان لزيارة المملكة العربية السعودية.
وفي برنامج الوفد السعودي الزائر لقاءات مع الرؤساء: نبيه برّي وتمام سلام والحريري الذي يقيم للوفد عشاء مساء اليوم في «بيت الوسط».
لا حكومة في الاستقلال
وبات بحكم المؤكد أن لا حكومة قبل عيد الاستقلال، وبات أيضاً بحكم المؤكد أن يجلس الرؤساء الأربعة في العرض العسكري الذي تقيمه قيادة الجيش غداً في جادة شفيق الوزان، ومن ثم يصعد الأربعة إلى قصر بعبدا لتقبل التهاني بالاستقلال، بعد ان يلقي الرئيس عون رسالة الاستقلال مساء اليوم عبر وسائل الاعلام المرئي والمسموع.
وأكدت مصادر نيابية وأخرى وزارية تعمل على خط تأليف الحكومة، أن الاتصالات بهذا الشأن متوقفة، ما خلا الاتصالات التي يجريها وزير الخارجية جبران باسيل مع مدير مكتب الرئيس المكلف نادر الحريري.
وفي تقدير المصادر انه إذا قطع يوم الأربعاء من دون حكومة، فان أمور التأليف تصبح صعبة، ويمكن أن تبقى العقد على حالها حتى نهاية تشرين، وربما إلى ابعد من هذا التاريخ، على الرغم من أن مصدراً نيابياً في كتلة «المستقبل» لفت الانتباه إلى أن عملية التشكيل قد تكون بالنسبة إلى الرئيس الحريري مريحة أكثر، من دون مواعيد ضاغطة، مذكراً بأن الرئيس المكلف كان المح في غير مناسبة الى انه لا يريد أن يربط نفسه بمواعيد محددة، مثل عيد الاستقلال.
عقد التأليف
وبحسب المصادر، فان العقد التي تتحكم بتأليف الحكومة، هي ثلاث:
{{ عقدة الخلاف بين الرئيسين عون وبري، مع التأكيد هنا أن الخلاف ليس فقط على المقعد الشيعي الخامس الذي يطلب الرئيس عون أن يكون من حصته ويرشح له كريم قبيسي ولا على الحقائب التي يطالب بها الرئيس برّي، وهي: المال والأشغال والصناعة والشباب والرياضة، بالإضافة الى وزير دولة، وإنما هو مثلما يقول المثل: «قلوب مليانة»، ظهرت تداعياته في السجال الذي اندلع بين الرئيسين الأربعاء الماضي، على خلفية التمديد للمجلس النيابي.
{{ عقدة «المردة»: ومع أن «التيار الوطني الحر» يعترف بحق «المردة» بأن تكون له حقيبة، لكن ليس من حصته، بل من حصة من يرشح بأن تكون ممثلة في الحكومة (في إشارة إلى الرئيس برّي وحليفه حزب الله)، فان مصادر «المردة» أكدت لـ«اللواء» بأنها لو كانت متشبثة بالحقيبة التي تريدها، لما كانت رشحت لنفسها ثلاث حقائب هي: الاتصالات او الطاقة أو الاشغال، لكن المشكلة هي في تشبث «التيار العوني» بالطاقة، فيما الرئيس برّي يصر على الاشغال، والاتصالات يريدها «المستقبل».
وقالت مصادر «المردة» بأن الذي لا يستجيب لمطالبنا هو الذي يعرقل ولسنا نحن.
{{ عقدة «القوات اللبنانية»: سواء بالحقيبة السيادية التي لم تحل، ويعتقد الرئيس عون أنها يجب أن تكون من حصته، أي وزارة الدفاع والتي عادت القوات للمطالبة بها، أو بالنسبة للحقائب التي تريدها والتي تتراوح بين ثلاث وخمس.
وتعتقد المصادر العاملة على خط التأليف، أن العقد الثلاث هذه باتت مترابطة الواحدة بالأخرى، بمعنى أنه إذا فتحت عقدة يمكن أن تفتح المجال لحلحلة العقدتين الأخريين، وهي حرصت على القول لـ«اللواء» أنها غير متشائمة وكذلك غير متفائلة، لكنها تلفت إلى أن عدم تأليف الحكومة حتى الآن لا يعتبر خسارة أو فشلاً للرئيس المكلّف، بقدر ما هي نكسة للعهد الجديد، الذي من شأن عدم التأليف أن تكون انطلاقته ضعيفة، على الرغم من أن الرئيس عون لا يعتقد بأن الحكومة التي ستؤلّف هي حكومة العهد الأولى، بل هي الحكومة التي ستنبثق عن الانتخابات النيابية المقبلة.
ولم تستبعد المصادر أمكانية العودة إلى صيغة حكومة الـ30 إذا كان من شأنها أن تحلحل العقد ومن ضمنها شهية الاستيزار، وهي كشفت على هذا الصعيد بأن الرئيس الحريري هو الذي طرح صيغة الـ24 وزيراً لضبضبة هذه الشهية والحد من طموحات الكتل بالإستيزار.
أما العقدة الدرزية، فلا تعتقد المصادر المطلعة، أنها عقدة بمعنى الكلمة، طالما أنه يمكن حلها سواء بصيغة الـ24 أو بصيغة الـ30 بحيث يصبح المجال مفتوحاً لتمثيل الأمير طلال أرسلان شخصياً في هذه الحكومة، لكنها بحسب هذه المصادر، باتت بين أركان الطائفة الدرزية أنفسهم، بعد المواقف «النارية» التي أطلقها الوزير السابق وئام وهّاب في العرض شبه العسكري الذي أقامه حزب «التوحيد» أمس في الجاهلية، وردّ النائب وليد جنبلاط عليه، واصفاً حملته عليه بأنها «سهام ورقية طائشة»، علماً أن هذا الاستعراض وإن كان خلا من السلاح، فإنه أحرج عهد الرئيس عون، مثلما كان استعراض «حزب الله» في القصير قبل أيام.
لقاء الأربعاء
وبالعودة إلى لقاء الأربعاء بين الرئيس عون والرئيس الحريري في بعبدا، والذي انتهى إلى تجميد حركة الاتصالات، والإيحاء بأن الأزمة ليست سهلة تحيط بجهود تأليف الحكومة، علمت «اللواء» أن الرئيس الحريري لم يحمل معه تشكيلة حكومية لا في الحقائب ولا في الأسماء، وجلّ ما في الأمر أنه عرض أمام رئيس الجمهورية تصوّره لتوزيع الحقائب، الأمر الذي لم يحظ بقبول الرئيس عون، واتفق على استكمال المشاورات عبر القنوات المعروفة.
وفي معلومات «اللواء» أيضاً، أن من العقد الطارئة رفض رئيس التيار جبران باسيل إعطاء رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل حقيبة من الحصة المسيحية، معتبراً أنه بإمكانه أن يحصل عليها من حصة الرئيس الحريري.
وفيما خصّ طلب الرئيس برّي التعامل بالمثل بما يتعلق بالوزير الشيعي الخامس من حصة رئيس الجمهورية، فهم أن الرئيس الحريري أبلغ رئيس الجمهورية أنه ليس بإمكانه القيام بأي عمل بما خصّ مطالبة الرئيس برّي.
وعليه استقرت صيغة الحكومة على إعطاء الرئيس برّي حقيبة المالية والشباب والرياضة والصناعة ووزير دولة وحقيبة من دون الأشغال تتراوح بين الطاقة والتربية.
وذكرت المصادر أن حصة «القوات» استقرت حول نائب رئيس مجلس الوزراء ووزارة الأشغال (غسّان حاصباني) والإعلام (محلم رياشي) والشؤون الاجتماعية.
وفي هذا الإطار ينقل عن قيادي بارز في «القوات» أن المطالبة بوزارة سيادية ما تزال قائمة، إذا ما أصرّ فريق 8 آذار (الرئيس برّي والنائب فرنجية) على المطالبة بالأشغال، مع العلم أن تيّار «المردة» يطالب أصلاً بوزارة الطاقة والتي يتمسك بها الوزير باسيل وإعطائها لمستشاره سيزار أبي خليل.
ولم يستبعد نائب رئيس حزب «القوات» النائب جورج عدوان عودة حزبه للمطالبة بحكومة تكنوقراط مصغّرة، تشرف على إجراء إنتخابات نيابية ووضع قانون للإنتخابات، رافضاً بالمطلق وضع «فيتو» من أي جهة كان (في إشارة إلى حزب الله) على إسناد الدفاع أو أي وزارة سيادية «للقوات».
وأشار عدوان، في مقابلة ليلاً مع تلفزيون «الجديد» إلى أن الأصرار على الاعتراض على ما قبلت به «القوات» يُعيد الأمور إلى نقطة الصفر لجهة المطالبة بوزارة سيادية سواء الدفاع أو الخارجية.
وهكذا تبدو عقد التأليف بعدما تجاوزت السيادية والتوزيع الطائفي تتركز حول حقائب الأشغال والطاقة والوزير الشيعي من حصة عون والوزير المسيحي من حصة الكتائب.
وفي المعلومات أيضاً أن الرئيس عون استقبل الخميس الماضي وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال سمير مقبل وبحث معه ترتيبات المشاركة في عرض الاستقلال، الأمر الذي فسّر بأنه تسليم من صاحب العهد بأن مراسيم الحكومة لن تصدر قبل حلول عيد الاستقلال.
وفيما سادت أجواء ليل أمس إلى احتمال تذليل عقد الحكومة اليوم، استبعدت مصادر مطلعة إمكان صدور المراسيم خلال ساعات هذا النهار، وإذا ما مرّ عيد الاستقلال بلا حكومة، فإن المسألة آيلة إلى تأخيرات إضافية، بدءاً مع سفر النائب فرنجية إلى الخارج، ومغادرة الوزير باسيل بعد غد الأربعاء إلى البرازيل للمشاركة في مؤتمر إغترابي، على أن يعود الثلاثاء في 29 الحالي.