لم يسبق أن مرّ حزب "القوات اللبنانية" منذ نشأته حتى اليوم بمرحلة يتحكّم فيها بمفاصل السياسة والبلد كما هو الحال الآن. يحق لرئيس الحزب سمير جعجع التباهي بأنه ثبّت رؤيته من دون تعديل ولا تغيير، فلا هو بدّل من وجهة "نظرته الاستراتيجية"، ولا تحرك من موقعه الداخلي، لا بل استبدل قيادته الفعلية لتحالف "14 آذار" بقيادة عمليّة لمحور جديد ألبسه جعجع لبوساً مسيحيًّا.
أولاً: لا تزال المقاومة في نظر "الحكيم" هي ذاتها، يستهدفها عند كل تصريح، لا بل يحمّل قيادتها مسؤولية أي أزمة داخلية مهما صغُر حجمها أو كبر، وينجح في الهجوم عليها، مستفيداً من تحالف مع أوسع قاعدة شعبية مسيحية هي التيار الوطني الحر.
ثانياً: نجح جعجع في جذب قيادة وجمهور "التيار الوطني الحر" اليه، وبات بنظرهم الحليف الموثوق والمدافع الشرس عن "العهد" والمسيحيين. بدا ذلك في دفاع العونيين عن حصة القوات في الحكومة العتيدة مهما كان حجمها الذي وصل الى المناصفة مع اكبر التكتلات النيابية، فتساوى اكبر تيار وتكتل مسيحي مع كتلة نيابية متواضعة.
ثالثاً: فرض "الحكيم" وقوف البطريركية المارونية الى جانبه، كما ظهر في حديث سيد الصرح في بكركي عن ضرورة "عدم وضع فيتوات" في التأليف الحكومي. فُهمت انها رسالة موجهة الى "حزب الله" الذي عارض تولي القوات لبعض الحقائب.
رابعاً: نجحت "القوات" في إقناع العونيين بوجوب تقاسم السلطة والتمثيل النيابي لاحقاً وإقصاء كل المعارضين في الساحة المسيحية أحزاباً وشخصيات. فلا مكان في خطة معراب للكتائب ولا للمردة ولا لبيوتات وفعاليات سياسية مسيحيّة بعد الانتخابات النيابية المرتقبة. الامر يفرض بقاء قانون الستين نافذاً وتعطيل مشروع النسبية، مع ما يستتبع ذلك من دخول القوات الى مناطق حُرمت من الوصول اليها سابقاً ككسروان والمتن على حساب التيار.
خامساً: فاز طرح "الحكيم" بسحب العونيين من التحالف مع دمشق وطهران الى تحييدهم على الأقل عن التموضعات الخارجية، من دون ان تسحب القوات نفسها من تحالفاتها وسياساتها. الأمر ينعكس على سياسة لبنان الخارجية لاحقاً، وبالتالي طريقة التعاطي مع التجاذبات الداخلية ذات البعد الإقليمي او الدولي. هذا العنوان أشاح النظر والتفكير عن "فوز ساحق لمحور المقاومة في المنطقة يتحقق تدريجياً الآن". لم نعد نسمع عن اهتمام بما يجري في سوريا ولا العراق ولا الانتصارات على التكفيريين.
سادساً: توحي ممارسات القوات بأنها تريد نسف مرحلة تبنى فيها المسيحيون "بطولات المقاومة" في الدفاع عن المسيحيين ووجودهم في سوريا والعراق ولبنان، من خلال التصدي للتمدد الداعشي ودفع الدماء وتقديم المقاومة الشهداء. لم تعد تنفع صور معلولا واستبسال المقاومين عند حدود لبنان الشرقية لمنع تقدم الإرهابيين نحو القاع وقرى البقاع الشمالي. كلها أصبحت من الماضي، وإستُبدلت بالاهتمام بتفاصيل لبنان الضيقة ولم الشمل ببعده الطائفي.
سابعاً: خسرت المقاومة التيار الوطني الحر كمدافع شرس عنها في الأداء والخطاب، بتحول التيار الى مساحة الوسط، ولم تربح في تحييد القوات الى تلك المساحة الوسطية.
ثامناً: محاولة عزل المردة بالنسبة الى حلف "8 آذار"، هي استهداف مباشر لحليف أساسي للمقاومة لم تستطع كل محاولات الماضي حرباً وسلماً من القضاء اليه وبقي يصدح انحيازاً للخط المقاوم.
تاسعاً: يخوض جعجع معركة رئاسة الجمهورية بعد ست سنوات، ويحضّر لها بجمع المكاسب سلة بعد سلة. ها هو اليوم "رجل وحدة المسيحيين" و"صانع الرؤساء" و"الثابت عند رأيه" و"جبل لا يهزه ريح"... كلها عبارات تتردد في الشارع المسيحي. لقد فاز "الحكيم".