كل صفحات تاريخ مرحلة الحرب اللبنانية وادبياتها ومصطلحاتها ورموزها ويومياتها وصوَرها مختفية عن إعلام الممانعة حتى وكأنها خضعت  لعملية delete تامة، فلا مدخلية لذلك التاريخ الأسود، ولا اعتبار للعلاقات المنسوجة حديثا والتحالفات وأوراق التفاهم بما كان قد حصل قبل الطائف. ومع التيار العوني تمدّدت مهلة المسح التاريخي حتى ال 2006 وجبّ اتفاق مارمخايل كل ما قبله. 

هذه النقلة عند حزب الله بتعاطيه مع الأطراف اللبنانية الأخرى كادت تكون ممدوحة ومطلوبة لو أنها اعتُمِدت كقاعدة عند الجميع ومع الجميع، ولو لم تخضع لا للاستنسابية ولا للتوظيف المرحلي كما نتلمّسه حصرًا عند ذكر القوات اللبنانية، التي ما ذكرت في وسائل إعلام الحزب إلا ومعها كل تاريخ تلك الفترة الغابرة من الحرب، 

حتى ليظنّنّ المتابع لهذه الوسائل الإعلامية عندما تأتي على ذكر القوات اللبنانية، بأنه سيتعرّض للتفتيش الآن، على حاجز نهر الموت إن هو قصد المرور من هناك لأن الحاجز لا يزال قائمًا وعناصر القوات اللبنانية وسلاحهم بانتظاره، وأن سمير جعجع القادم للتو من زيارة ليلية إلى اسرائيل يتفقد الآن مقاتليه على محاور عين الرمانة ويزوّدهم بالإحداثيات الجديدة لتوجيه مدفعيتهم نحو الضاحية وبالخصوص صوب مراكز حزب الله ،المدنية منها قبل العسكرية !

ولا يكتفي القيّمون على هذه البروبوغندا التشويهية لواقع القوات اللبنانية، بشاشات التلفزة وصفحات الجرائد التابعة لهم فقط، بل تمتد إلى السهرات الليلية وجلسات الأركيلة في  البيوت والمقاهي حتى، فلا يُذكر سمير جعجع إلا بوصفه "عميلًا اسرائيليًا"، وأحد أكبر مجرمي الحرب في العصر الحديث ! وتصبح أي محاولة تذكير بحاضر الرجل وخطابه الحالي بمثابة فعل خيانة أو بأقل تقدير فعل يستحق عليه الشتيمة ونظرة الازدراء من الحاضرين ( كما حصل معي بالامس ) ، وإن كنت هنا لست بموقع الدفاع عن القوات اللبنانية ورئيسها، إلا أنّ السؤال البديهي الذي لا بد منه هو: لمَ هذا الإصرار على الاستثناء المقصود عبر استحضار تاريخ القوات دون سواها ؟؟  بالرغم من كل ما أبدته قيادتها من تبدّل وتحوّل وخروج من تلك المرحلة، حتى أن سمير جعجع كان المسؤول اللبناني السبّاق للاعتذار عن كل مساوئ الحرب بعد جورج حاوي كما أظن.

أعتقد جازمًا أن المشروع السياسي للقوات اللبنانية، الذي يمكن تصنيفه كمشروع لبناني بكل ما للكلمة من معنى، ورفض قيادة حزب القوات على أي مساومة أو مهادنة يمكن أن تصيب لبنانيتهم هو أكثر ما يخيف أصحاب المشاريع العابرة للحدود ولأن مواجهة المنطق اللبناني والإيمان اللبناني والاعتقاد اللبناني لا يمكن مواجهته بممارسات حاضرٍ تساهم يوميًا بتدمير الكيان اللبناني ومؤسساته، فإنهم لم يجدوا بدا إلا عبر استحضار التاريخ، مع ملاحظة أن الحاجة الملحة عند هؤلاء بالركون إلى ماض قديم هو شهادة منهم أن الحاضر هو ناصع لا يُمس ، ( فديروا بالكم ).