يوم «تنصل» رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من الحكومة التي يسعى جاهداً الرئيس المُكلف سعد الحريري إلى تأليفها، على اعتبار أنّ «هذه الحكومة ليست حكومة العهد الأولى، بل هي الحكومة الأخيرة لمجلس عام 2009، فيما حكومة العهد الأولى ستنطلق بعد الانتخابات النيابية المقبلة»، توقع البعض أن يؤدي ذلك إلى لينٍ أكثر في المواقف لجهة الحصص والحقائب، وخاصة أنّ آخر حكومات مجلس الـ 2009، ستكون ولايتها قصيرة نسبياً وتقتصر مهماتها على إجراء الانتخابات النيابية المقبلة. إلا أنّ الكلام أمر، والوقائع السياسية، التي يغيب عنها المنطق، أمرٌ آخر.
كلّ فريق سياسي يلقي التهم بالتعطيل على الفريق الآخر. يريد التيار الوطني الحر أن «يرد الصاع» لتيار المردة الذي عانده في الملف الرئاسي، فيُعرقل حصوله على حقيبة ترضيه وتخدمه. في حين أنّه يُساهم في تذليل العقبات التي توضع أمام القوات اللبنانية ولا يُمانع تعويضها بثلاث حقائب ومنصب نائب رئيس الحكومة، عوض عدم حصولها على حقيبة سيادية، وهي التي لديها كتلة نيابية لا تتعدّى النواب الثمانية. وللمفارقة، أنّ حزب الله الذي لديه كتلة نيابية من 13 نائباً وكان الداعم الأول لانتخاب عون رئيساً سيرتضي بحقيبة واحدة. يفرض ثنائي التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية اتفاقهما على باقي القوى السياسية من خلال «الاستئثار» بالحقائب «المسيحية»، بينما لا يجدان مانعاً من أن يسمي رئيس الجمهورية وزراء من طوائف أخرى. تُمارس القوات اللبنانية الإقصاء تجاه حزب الكتائب، الذي يجد نفسه مضطراً إلى فعل المستحيل للحفاظ على وجوده، فيُسلّم أمره الوزاري إلى الحريري ويضع خدماته بتصرف عون. وما بين الصراع على الحصص والحقائب، أتى الاشتباك الكلامي بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري ليُعيد فتح جرحٍ ظنّ كثيرون أنه طُوي، فتعقدت معه أكثر التشكيلة الحكومية. القصة لم تعد محصورة بحقيبة للمردة وأخرى للقوات، بعدما قرّرت المرجعيات الدينية المسيحية والشيعية الدخول على الخط أيضاً. وقالت مصادر في تيار المستقبل إنّ «الأمور تعقدت أكثر بعد السجال بين عون وبرّي، حتى باتت عقدة حقيبة المردة الأبسط». ولفتت المصادر إلى أن المفاوضات عادت إلى ما كانت عليه في اللحظة الأولى بعد تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة. ولم تجزم المصادر بما إذا كان الحريري سيزور قصر بعبدا اليوم للتشاور مع الرئيس ميشال عون. ولفتت المصادر القريبة من الحريري إلى أن الأخير «يساند الرئيس بري في مطالبه».
أمام كلّ ما تقدم، لا تظهر بوادر إيجابية لإمكان إعلان التشكيلة الوزارية قبل عيد الاستقلال. ولكن لا شيء محسوم في بلد تتسارع فيه التطورات السياسية بشكل دراماتيكي، مع تأكيد معظم القوى أنه «لا نزال ضمن المهل المنطقية».
وعلى الرغم من أنّ بري أكد أنه لم يتبرع بحقيبة الأشغال العامة والنقل لأحد، بل يتمسك بها نهائياً، صرّح النائب أنطوان زهرا أمس لـ«المركزية» بأنّ حصة القوات اللبنانية من الحقائب والأسماء قد حُسمت. ووصف زهرا رئيس المجلس بأنه من «المتعاونين لتشكيل الحكومة، وإذا كان يرفع السقف في بعض المواقف، فحرصاً على حلفائه». ووفقاً لمعلومات «الأخبار»، فإنّ الحقائب التي تحسبها القوات «لها» هي: الأشغال والنقل، الشؤون الاجتماعية والإعلام. وتتصرّف القوات كالخارج منتصراً من صراع نالت في نهايته حصة أكبر بكثير من حجمها، وهي تفخر بأنّ «سمير جعجع الذي لا يريد أن يظهر كمن يُعطل العهد، كشف أنّ العقدة هي لدى فريق حزب الله ــ حركة أمل، فليعملا على حلها. واضح من هو الطرف الذي لا يريد النجاح للرئيس القوي. هل يتحملون تعطيل العهد؟».
عادت القوات لتُمارس لعبتها القديمة ــ الجديدة، في محاولة «بث الفتنة» بين التيار الوطني الحر وفريقه السياسي، مستفيدة من التشنج بين عون وبري. تقول مصادر القوات إنّ «الأمور تُحل إذا ما قبل التيار الوطني الحر التخلي عن حقيبة الطاقة لمصلحة المردة، إذا لم يقبل الأخير بالتربية». أمران يبدوان غير قابلين للتطبيق. فالتيار العوني مُتمسك بالطاقة، في حين أنّ تيار المردة «موقفه ثابت لجهة رفضه الحصول على التربية، وهو يتشدد في هذا الموضوع»، استناداً إلى المصادر التي تعتبر أنّ «الحل بحاجة إلى إعادة خلط للأمور». حتى صيغة الثلاثين وزيراً «التي أعيد طرحها لن تكون حلاً، فالذي سيحصل على 4 وزراء في وزارة مؤلفة من 24 وزيراً، سيعمد عندها إلى المطالبة برفع حصته».
وخلال توزيع الدفعة الأولى من بطاقات الانتساب إلى القوات اللبنانية لمنطقة بشري، قال جعجع إنّ «البعض مصمم على عرقلة انطلاقة العهد الجديد»، شارحاً بأن «كل الأفرقاء قالوا بأنهم يريدون تسهيل التأليف، وبالفعل كثر قاموا بهذا الأمر ونحن في طليعتهم، ولكن البعض الآخر وضع شروطاً غير منطقية وغير موضوعية ولا علاقة لهم بها حتى، وأنا لا أفهم هذه الشروط والفيتوات والمطالب التي تفوق أي تصور إلا كمحاولة لعرقلة العهد الجديد». ولكن جعجع الذي «جرّب» عون كثيراً يعتقد بأن «لدينا رئيساً جديداً لا يصح معه الترهيب ولا الترغيب، ولا أعتقد أن هذه المحاولات ستؤدي الى أي نتيجة. وفي وقت قصير بإذن الله سنشهد ولادة حكومة جديدة».
وكان رئيس حزب الكتائب سامي الجميل قد التقى أمس وزير الخارجية جبران باسيل، بحضور الوزيرين الياس بوصعب وآلان حكيم، والنائب سيمون أبي رميا وعضو المكتب السياسي الكتائبي سيرج داغر. وبحسب مصادر المجتمعين، فإنّه «لا يجري التحضير لإعلان اتفاق مشترك بين الحزبين، الأفكار لا تزال في مرحلتها الأولية وهي تتعلّق بالعمل معاً لوضع تصورات مشتركة في ما خص عدداً من المواضيع». ولم يتم التطرق إلى الملف الحكومي «لأن الكتائب تعتبر أنّ هذا الأمر تبحثه مع الرئيس المُكلّف». وبعد اللقاء، أكد الجميل أنّ «الكتائب ستكون الى جانب رئيس الجمهورية (...) لذا تم الاتفاق على العمل الموحد من أجل وضع تصور مشترك لقانون الانتخابات وعلى مشروع اللامركزية الإدارية ومكافحة الفساد وسواها من الملفات».
في إطار آخر، علّق الكاردينال بشارة الراعي على السجال المحدود الذي نشب بينه وبين نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى على خلفية حديث البطريرك أول من أمس عن «السلة» والحقائب الوزارية. وقال الراعي قبيل مغادرته مطار بيروت أمس إنّ «علاقتنا مع بري ممتازة جداً ونحن على اتصال، وعلاقتنا أيضاً مع سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان هي أحسن وأحسن»