هل فشلت مقاربة العهد الأولى لتشكيل الحكومة؟
وهل فعلاً، أوقف الرئيس سعد الحريري تحركه لتأليف الحكومة؟
المتفق عليه ان أزمة ما تواجه عملية التأليف، والمتفق عليه أيضاً ان ثمة مسؤولية على الفريق الذي يحاول رعاية ميسرة العهد، ممثلاً بتفاهم معراب بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية».
وفي ضوء ذلك بات بحكم الصعب صدور مراسيم الحكومة بين اليوم أو غداً أو الاثنين.
وغداً، يصادف عيد العلم في 20 تشرين الثاني، ويتسلم الرئيس ميشال عون العلم العملاق الذي تسلمه في العام 1989، على ان العين تبقى مشدودة إلى استئناف مسيرة تأليف الحكومة، ولكن ضمن أية معطيات، ووفق أية مقاربة جديدة، انقاذاً للايجابيات التي وفرها انتخاب الرئيس عون وتكليف الرئيس الحريري؟
بعد مرور أسبوعين على التكلف وأكثر على انتخاب الرئيس، بدا الموقف ضبابياً، وأن كانت الغلبة ما تزال للايجابيات، في ضوء المساعي الجارية لتطويق مضاعفات ما حدث من سجال بين بعبدا وعين التينة.
على ان الأبرز، في ظل الجمود العاصف في عملية التأليف، يتمثل بـ:
1- خروج «حزب الله» عن صمته إزاء ما تصفه اوساطه السياسية والإعلامية «بالتضخم السياسي» في إشارة إلى دور فائض عن الحد «للقوات اللبنانية» التي تتدخل في كل كبيرة وصغيرة، وكأنها هي التي تشكّل الحكومة بالتنسيق مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، على حدّ قول هذه الأوساط.
فمصدر مقرّب جداً من الثنائي الشيعي «أمل» و«حزب الله» لا يخفي «استياءه من الحرية الزائدة المعطاة لباسيل من قبل الرئيس عون للتدخل في ملف تشكيل الحكومة».
وتوجه المصدر إلى الرئيس عون (منال زعيتر ص 3) بالقول: «انت المعني الأوّل والأخير في إيقاف باسيل عند حده، لأن طريقة مقاربة صهرك للشأن السياسي والحكومي غير منطقية وغير طبيعية، وهذا الموضوع بات مصدر ازعاج لنا وللجميع».
وتوقف المصدر نفسه عند محاولة الوزير باسيل «تهميش» رئيس «تيّار المردة» النائب سليمان فرنجية، وهذا ما يرفضه «حزب الله» الذي، وأن كان ككل مسيرة الوفاء للعماد عون بانتخابه رئيساً للجمهورية، فإنه «حريص على فرنجية ودوره في الحياة السياسية»، فهو (أي فرنجية) «ليس ملحقاً لأي طرف، وهو فريق مسيحي وازن في حدّ ذاته، وأن الحزب اتفق مع الرئيس برّي على تحصيل حصة وازنة للنائب فرنجية»، «فالثنائي الشيعي لن يوافق (بحسب المصدر) على أي تشكيلة حكومية ما لم يوافق فرنجية على حصته فيها».
ولم يخف مصدر آخر في «حزب الله» ان يكون الحزب تدخل لاحتواء السجال التصعيدي الذي خرج بكركي أثناء زيارة الرئيس عون إلى الصرح، في زيارته البروتوكولية بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، والمتعلق بالتمديد للمجلس النيابي، ورفض البطريرك بشارة الراعي ما اسماه تخصيص حقيبة سيادية لمذهب بعينه، كسابقة يمكن ان يطالب بمثلها آخرون، ورد عين التينة والمجلس الشيعي على إثارة التمديد أو إسناد حقيبة المالية إلى الشيعة.
ورأى رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيّد هاشم صفي الدين، أثناء رعايته حفلاً تأبينياً، انه «يتوجب الإسراع في تشكيل حكومة تجمع اللبنانيين دون اقصاء، لمعالجة المشاكل السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية»، مضيفاً: «المطلوب من أجل ذلك هو الواقعية والمنطق والجدية والإقلاع عن كل كيدية يمكن ان تقف عائقاً أو حائلاً بين تشكيل الحكومة وتحقيق مصالح يتسفيد منها كل اللبنانيين».
في المقابل، كان لافتاً للانتباه حرص البطريرك الراعي بعدزيارة للرئيس عون في بعبدا، قبيل مغادرته إلى روما، دعوته للاعلاميين «تجنب لغة استنباط الخلافات والمعارك، حيث لا توجد»، ثم تأكيده في المطار ان علاقته بالرئيس برّي وبالشيخ عبد الأمير قبلان أكثر من ممتازة.


2- وفي ما خصّ موقف رئيس الجمهورية، قال المقرّبون منه أنه هو المعني مع رئيس الحكومة بتشكيلها، سنداً للفقرة 4 من المادة 53 من الدستور التي تنص أن «الرئيس يصدر بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم»، في حين أن المادة 64 بند 2 تنص على أن «رئيس مجلس الوزراء يجري الاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقّع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها».
والسؤال، وفقاً لمرجع دستوري هو: ما هي حدود الشراكة في تأليف الحكومة؟
ومردّ هذا السؤال ما حدث أثناء زيارة الرئيس الملكّف إلى بعبدا، والتي أدت إلى تجميد التشكيلة التي جرى التداول فيها، وما طرأ من جمود على حركة الاتصالات التي يتوقّع أن تُستأنف بعد ظهر اليوم، إذا ما لاحت في الأفق بوادر أجواء إيجابية.
وأشارت مصادر في «التيار الوطني الحر» إلى أن عملية التأليف تجمّدت فعلاً، وهي بحاجة لمن يُعيد تحريك مساعي التأليف.
ونفت المصادر أن يكون الرئيس عون طلب من الرئيس الحريري عندما صعد إلى بعبدا مساء الأربعاء أن يترك له التشكيلة الحكومية التي عرضها عليه في هذا اللقاء، تمهيداً لدراستها، مشيرة إلى أن الرئيس المكلّف لم يحمل معه تشكيلة معينة للحكومة حتى يوافق عليها الرئيس عون أو يرفضها، بل عرض له أفكاراً، أو بتعبير آخر هيكلية للحكومة الجديدة تحتاج لاستكمال من خلال «تعبئة» بعض الحقائب الوزارية، ومن الطبيعي أن يكون استمهله لدراسة هذه الأفكار.
ولفتت المصادر إلى أن المشكلة أو العقدة الأساسية ما تزال قائمة عند الحقيبة السيادية لرئيس «المردة»، بعدما رفض حقيبة التربية، فيما الحقيبة التي يمكن أن تعطى له هي من حصة «القوات اللبنانية»، يضاف إليها مسألة الوزيرين السنّي والشيعي من حصة رئيس الجمهورية.
وإذ كشفت المصادر أن الوزير الشيعي من حصة الرئيس عون سيكون كريم قبيسي، وليس حسن يعقوب، مثلما تردّد في مواقع التواصل الاجتماعي على سبيل النكتة، مما دفع الرئيس برّي إلى أن يسمي اللواء عصام أبو جمرة من حصته، قالت أن الرئيس الحريري لم يمانع بتوزير سنّي من حصته، لكنه طلب في المقابل أن يكون له وزيران مسيحيان من حصته غير الوزير الأرمني جان أوغاسبيان، وإن كان بات معروفاً أن أحدهما هو النائب السابق غطاس خوري.
وحول ما إذا كان ممكناً، في هذه الحالة، إصدار مراسيم الحكومة قبل عيد الاستقلال، قالت المصادر نفسها لـ«اللواء»: «في السياسة لا نستطيع أن نجزم بشيء، ولكن إذا لم يحصل تطوّر ما يُعيد تحريك عجلة اتصالات التأليف، من خلال أن يطرأ عنصر ما، فإنه من الصعب توقع التأليف قبل الاستقلال إذا ما طرأ هذا العنصر والذي لم يظهر لغاية الآن».
3- وفيما لوحظ غياب أي نشاط ظاهر يتصل بعملية التأليف، سواء في «بيت الوسط» أو عين التينة، أو حتى في بعبدا، أكدت مصادر حركة «أمل» لـ«اللواء» أن هيكلية الحكومة الجديدة تقضي بعدم إدخال تعديلات جوهرية على الحقائب وتوزيعها كما هي في حكومة تصريف الأعمال، بحيث أن وزارة الأشغال كانت من حصة الشيعة وستبقى معهم، وهذا ما هو حاصل مع الطوائف الأخرى، إلا إذا قضت مصلحة التأليف استبدالها بحقيبة معروضة على «المردة» لتؤول إليها.

وفي هذا الإطار، أكّد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة الجمعة، انه من الطبيعي ان تكون حقيبة المال من حصة الشيعة كونها تحقق الشراكة الفعلية (من خلال المشاركة في توقيع كل المراسيم).
4- وبالنسبة لتمثيل الكتائب في الحكومة، لم يخرج اللقاء الذي جمع رئيس الحزب النائب سامي الجميل ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير باسيل، في وزارة الخارجية، بأي جديد يتصل بالحكومة، باستثناء ما أعلنه الوزير المستقيل في حكومة تصريف الأعمال آلان حكيم والذي شارك في اللقاء، بان الكتائب ما تزال على موقفها بعدم المطالبة بأي حقيبة، كما لم يعرض عليها أي وزارة، فيما اكتفى النائب الجميل بتأكيد وقوف الحزب إلى جانب رئيس الجمهورية، والتوافق على العمل الموحّد بين الحزب والتيار لوضع تُصوّر مشترك لقانون الانتخاب واللامركزية الإدارية ومكافحة الفساد.
وكان مجلس الإعلام في الكتائب نفى في بيان ما اوردته «اللواء» أمس من ان رئيس الحزب أبلغ موفدي الرئيس الحريري نادر الحريري وغطاس خوري رغبته في ان يتولى شخصياً حقيبة وزارية، وأكّد ان هذه المعلومات عارية من الصحة تماماً، وأن الكتائب لم تطالب بأي حقيبة من أي نوع كان