ساد انطباع أمس أنّ تأليف الحكومة رُحّلَ إلى ما بعد عيد الاستقلال، على أمل ألّا يطول به الحال إلى ماهو أبعد، والسبب في هذا الترحيل هو الاشتباك السياسي بين بعبدا وعين التينة، الذي عبّر في رأي المراقبين عن قلوب ملآنة. فلذلك سينتظر التأليف تبريداً للحماوة السياسية، ومن ثمّ إعادة لملمة ما تأثّر على الجنبات نتيجة التشكيلات الوزارية التي أثارت تبايناتٍ وغباراً لم يكن في حسبان كلّ المتفائلين بالولادة الحكومية القريبة. وعلمت «الجمهورية» أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينكبّ على وضعِ عناوين «رسالة الاستقلال» الأولى في عهده إلى اللبنانيين والتي ستركّز على القضايا التي تضمَّنها خطاب القسَم، وسيحدّد موقفَه من قضايا محلية وإقليمية ودولية، ومنها العلاقة بين لبنان والدول العربية، والأزمة السورية.
نقلَ زوّار قصر بعبدا لـ«الجمهورية» أنّ رئيس الجمهورية ينتظر حصيلة المشاورات واللقاءات التي يعقدها الرئيس المكلف سعد الحريري لتذليل بعض العقد التي استجدّت منذ اللقاء الأخير بينهما منتصف الأسبوع الجاري.

تكتُّم في «بيت الوسط»

وقالت مصادر تواكب التأليف لـ«الجمهورية» إنّ ما رافقَ ردّات الفعل على مواقف صدرَت في بكركي لم تهدّد مساعي التأليف، لكنّها فَرملت الحركة المعلنة وأبعَدتها عن الأنظار. وهو ما عكسَته أجواء «بيت الوسط» التي تحدّثت عن تكتّم الحريري عمّا يقوم به من اتّصالات ومعه مستشاراه نادر الحريري وخوري، اللذان واصَلا اتصالاتهما مع مختلف الأطراف الذين يتعاونون في هذا الملف.

أسباب التعثّر

وعلمت «الجمهورية» أنّ تعثُّر الولادة الحكومية يعود للأسباب الآتية:

1ـ تضخُّم حصّة حزب «القوات اللبنانية»، التي أثارت حفيظة بعض القوى، بحيث أنّه تبيّن من تشكيلة الأربعاء أنّها تبلغ 3 وزراء مضافاً إليهم وزيران «نص بنص».

2ـ إصرار عون على أن يكون ضمن حصّته وزيران، أحدهما شيعي والآخر سنّي، على أن يكون رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية أو مَن يمثّله هو الوزير المسيحي مقابل الوزير الشيعي، لا أن يكون هذا ضمن الحصة المسيحية. الأمر الذي يرفضه فرنجية ويرى فيه «إهانة» لمسيحيته كقيادي مسيحي له حيثيتُه ويَعتبر أنّ من حقّه أن يتمثّل مباشرةً لا أن يكون بديلاً لأحد.

3ـ إصرار الحريري على تسمية وزير مسيحي (غطاس خوري) مقابل الوزير السنّي (فيصل كرامي) الذي يرغب عون بتوزيره، وهو ما يَرفضه عون.

كذلك، تقول مصادر عاملة على خط التأليف إنّ مساعيَ تجري بعيداً من الأضواء لتهدئة الأجواء، وربّما أفضَت هذه المساعي للعودة إلى التشكيلة الثلاثينية التي تُرَحرح الجميع ويمكن مِن خلالها حلُّ عقدتَي الوزيرَين الشيعي والسنّي الكامنة في الحصة التي يريدها رئيس الجمهورية.

وعندها يُصار إلى توزير فرنجية أو مَن يمثّله ضمن الحصة المارونية التي تصبح 6 وزراء، ويكون البديل للوزير الشيعي لعون النائب أسعد حردان ممثّلاً للحزب القومي، وكذلك الأمر بالنسبة للوزير السنّي الذي يكون مقابله غطاس خوري.

وتؤكّد هذه المصادر أنّ الأمر مرهون بمدى قبول رئيس الجمهورية بهذا الطرح الثلاثيني، فإذا حسَمته الاتصالات، يمكن توقّع الولادة الحكومية في أيّ وقت قبل الاستقلال.

وكانت مواقف بعبدا التي أثارت حفيظة عين التينة وانعكسَت توتّراً في العلاقة بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، ومواقف بكركي التي استدعت ردَّ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى عليها، قد خيّمت على الأجواء، إذ جاءت في خضمّ مساعي الحريري لتذليل ما تبَقّى من عقبات أمام إعلان الحكومة قبل عيد الاستقلال. وأمام هذا المشهد، سيبقى الترقّب سيّد المواقف، خصوصاً بعد دخول البلاد عطلة نهاية الأسبوع، لمعرفة مسار التأليف، مع بدء العدّ العكسي للاحتفال بالاستقلال الثلثاء المقبل.

لا حماوة

في غضون ذلك، أوضَح البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي قبَيل مغادرته إلى الفاتيكان ومرسيليا وليون، أنّ الأجواء لم تكن حامية لكي نُبرّدها، واصفاً العلاقة مع بري بأنّها «ممتازة جداً»، وقال: «نحن على اتّصال بعضنا مع بعض، وعلاقتُنا أيضاً مع سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان هي أحسن وأحسن».

وكان الراعي قد أكّد بعد زيارته عون لتهنئته بالاستقلال، وخلوةٍ عَقدها معه، أنّه لم يرَ سبباً للرد الذي تناوَل كلامه في بكركي أمس الأوّل، وقال إنّه استغرَب الموضوع، ودعا إلى تجنّبِ «لغة استنباط الخلافات والمعارك حيث لا توجد».

ولم تخفِ مصادر تُتابع حركة المشاورات الحكومية القول لـ«الجمهورية» إنّ الاتصالات السريعة التي قام بها أصدقاء قريبون من الطرفين طوّقت تردّدات موقفَي عون والراعي وردَّي بري وقبلان بسرعة من دون أن تنهيَها.

وقال أحد الوسطاء إنّ الراعي وعلى رغم استغرابه مضمونَ بيان قبلان، أوضَح لمن يعنيهم الأمر أنّ المقصود بالملاحظة أكثر من طرَف مارَس هذا المنطق، والرئيس المكلّف يدرك ذلك ومعه جميع المعنيين بالمساعي المبذولة لتأليف الحكومة.

لقاء «الكتائب» ـ «التيار»

وفي الحراك السياسي، عُقد اجتماع في وزارة الخارجية بين باسيل ورئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل الذي كرّر التأكيد أنّ الحزب سيكون إلى جانب رئيس الجمهورية، آملاً بالقدرة على إنجاز كثير من الأمور في هذه المرحلة وإحداث فارِق في معالجة كثير من الملفات إذا كان الجميع متّحدين حول رئيس الجمهورية.

وقالت مصادر كتائبية لـ«الجمهورية» إنّ اللقاء تناوَل آليات التعاون التي يمكن اللجوء إليها لمواكبة حركة رئيس الجمهورية انطلاقاً من مضمون خطاب القسَم، واستئناف البحث في النقاط التي عرَضها التيار في وثيقة التفاهم التي وضَع عناوينَها قبل أيام على انتخاب عون ولم يكن وارداً توقيعها أو إعلانها وثيقةً للتفاهم بين الفريقين. لكنّها في الوقت عينه تَصلح عنواناً للعمل المشترك. وهذا ما قصَده الجميّل إضافةً إلى إقرار قانون انتخاب يصحّح التمثيل الوطني.

«القوات»

واعتبَر رئيس حزب «القوات» سمير جعجع أنّ «كُثراً غير مسرورين بالتفاهم الذي حصَل بين «القوات» و»التيار الوطني الحر»، مشيراً إلى «أنّ أولى ثمار التفاهم كانت إخراج البلد من الفراغ الذي كان مقيّداً له أن يستمرّ سنوات، أمّا الثمرة الثانية فستكون الحكومة الجديدة، وثالث ثمرة هي محاولة نقلِ هذا البلد إلى مكان أفضل.

ورأى جعجع أنّ البعض «مصمّم على عرقلة انطلاقة العهد الجديد»، قائلاً: «بعد طرح تشكيل حكومة جديدة جميعُ الأفرقاء قالوا بأنّهم يريدون تسهيلَ التأليف، ولكن البعض الآخر وضَع شروطاً غير منطقية وغير موضوعية، وأنا لا أفهم هذه الشروط والفيتوات»، وأكّد أن «لدينا رئيس جديد لا يصحّ معه لا الترهيب ولا الترغيب، ولا أعتقد أنّ هذه المحاولات ستؤدّي إلى أيّ نتيجة» مبشّراً بولادة الحكومة الجديدة «في وقت قصير».

«التكتّل»

وأكّد أمين سرّ تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان أن «لا أحد قادر أو يريد أن يتحمّل مسؤولية إعاقة انطلاقة العهد الجديد»، معتبراً «أنّ المعايير الديموقراطية يجب أن تؤخَذ بالحسبان وأن تتناسب المطالب مع واقع وأحجام الكتَل، فمِن غير المنطق أن يكون تمثيل كتلة «المستقبل» أو «التيار» و«القوات» في الحكومة كتمثيل نائب أو كتلة صغيرة». وقال: «إنّ اعتبار أنّه يحقّ لرئيس الجمهورية بوزراء من طائفة دون أخرى سيَخلق مشكلة على غرار المداوَرة».

«حزب الله»

واستعجلَ «حزب الله» بلسان رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيّد هاشم صفي الدين تشكيلَ حكومة تَجمع اللبنانيين وتلمُّ شَملهم»، وأكّد أنّ المطلوب «هو الواقعية والمنطق والجدّية، والإقلاع عن كلّ كيدية يمكن أن تقفَ عائقاً أو حائلاً أمام تشكيل الحكومة، وبالتالي أمام تحقيق مصالح يستفيد منها جميع اللبنانيين».