لا يزال العماد ميشال عون معارضاً بامتياز، حتى لو كان في قلب الموالاة وفي الحكومة التي له فيها حصة وازنة. معارضته تشمل أكثر من ملف: يعارض أي مشروع انتخابي لا يؤمّن المناصفة، لذا فإن تمسكه بـ«الارثوذكسي» نهائي، ويعارض رئيس الجمهورية في توجهه الى الطعن فيه إذا أُقر. ويعارض التمديد لمجلس النواب ولرئيس الجمهورية ولقائد الجيش والمدير العام لقوى الامن الداخلي. ويعارض أداء الحكومة
هيام القصيفي
■ لم تكن متحمساً للمشروع الارثوذكسي في البدء، اليوم تدافع عنه بشدة، هل هذا الدفاع نهائي؟
هذا هو الحل الوحيد لمشكلتنا الانتخابية في لبنان، لأسباب عدة. هناك تعطيل للديموقراطية في العملية الانتخابية في تشكيل الطوائف اللبنانية حالياً. سابقاً كانت هناك ثنائية في كل الطوائف، مثلاً كان يوجد في عكار مسيحيون، وضعفهم من السنّة، لكن وجود ثنائية سنيّة (كما هي الحال دوماً عند المسيحيين) في ذلك الوقت، سمح بأن يكون للمسيحيين صوتهم المؤثر، ولم تكن الثنائية تؤذي التمثيل الصحيح. اليوم يوجد «بلوك» سنّي وشيعي ودرزي، وكي ينجح المرشح المسيحي يجب أن يكون تحت سيطرة البلوك المحلي. لذا خسرنا تأثيرنا على تمثيلنا، وهذا ما رأيناه عام 2005، حين لم يتمكن اثنان وسبعون في المئة من المسيحيين من أن يوصلوا نائباً إلا في المناطق المسيحية.
القانون الحالي يعطي حجماً معيناً من الحقوق المسيحية التي ينص عليها الدستور في المادة 24 لجهة المناصفة وضرورة توزعهم على الطوائف وتمثيلهم جميع المناطق. انطلاقاً من هنا فإن أي قانون يبقى غير دستوري إذا لم يؤمن وصول 64 نائباً مسيحياً. والمشروع الارثوذكسي هو المشروع الكامل، لأنه يسمح بتمثيل كل الطوائف ولا يضيّع أي صوت، كما هي الحال اليوم. فهناك، مثلاً في الجنوب 30 ألف ماروني لا يصوّتون أو أصواتهم «ميتة» لأنها غير مؤثرة. وهناك 14 ألف مسيحي في المنية ــــ الضنية، وخمسة آلاف في النبطية و11 ألفاً في صور و15 ألفاً في رميش لا تمثيل حقيقياً لهم. هناك 460 ألف مسيحي إما مهمّشون أو محرومون، فماذا يتبقى إذاً من التصويت المسيحي؟ لا شيء.
ثانياً، لا يعيّرنا أحد بأن مشروعنا غير دستوري ويحتاج الى تفاهم. يكون المشروع غير دستوري إذا مس بالمادة الدستورية. هناك سطو على حقوق المسيحيين. لا بل إن تعاملهم بهذا الاسلوب يعني أنهم يفرضون خوّة وليس قانون انتخاب. يخترعون اليوم مقولة «لا أحد يجب أن يربح». إذا كان الامر كذلك، فليعطونا حصتنا وليأخذوا حصتهم وتنتهي القصة. عيب هذا الكلام في بلد فيه دستور وقوانين. وعلى أيّ حال من يقول إننا سنفوز في المشروع الارثوذكسي؟
■ الانطباع الاول هو أنه يجعل قوى 8 آذار هي الرابحة فيه.
خطأ. وليسألوا الدكتور سمير جعجع. هو يقول إن شعبية العماد عون انخفضت تحت المعدل، وإنني أصبحت متكافئاً معه. واليوم، بعد القانون الأرثوذكسي، تتحسّن حصته لأنه يؤيد تحصيل حقوق المسيحيين، وهذا يعني أن eهناك خطراً علينا.
■ هل القوات والكتائب لا يزالان على الهدف نفسه الذي انطلقتم به كفريق واحد، وسبّب خلافهما مع حلفائهما، رغم أنهما قدّما مشاريع أخرى؟
أنا لا أفهم لماذا يقدمان مشاريع أخرى. هل يريدان الانسحاب من أجل مشروع آخر في اللحظة الأخيرة؟ أما لجهة حلفائهما، فلا أعتقد أنهما سيخسرانهم في أي قانون، لأن حلفاءهما ليس لديهم أي حليف آخر مسيحي. لا هم سيأتون إليّ ولا أنا سأذهب اليهم. إذاً هم ملزمون بعضهم ببعض في المجموعة نفسها. إلا إذا كانت هناك علاقات لا نعرف أين تبدأ وأين تنتهي.
■ عملياً المشروع الارثوذكسي لن يمر لأنه لا يحظى بموافقة رئيس الجمهورية الذي يريد الطعن فيه؟
ونحن سنطعن في أي قانون آخر. وطعنه سيخسر. أقول لرئيس الجمهورية: لا تعذّب حالك بالطعن، هذا القانون لا يخضع للتوافق. القانون هو آلية انتخاب، ولا علاقة له بالنص الدستوري. ولو أتى كل دستوريي العالم لا يستطيعون تفسير الدستور كما يريدون. القانون الذي يوصل 64 مسيحياً بأصوات المسيحيين هو الوحيد القانوني والدستوري.
■ هل تعتقد أن الرئيس نبيه بري قد يوافق على السير في مشروع لا يحظى بتغطية سنيّة؟
هذه قصة حقوق، وليس إذا اتفق اثنان على أخذ حصتنا يكونان على حق. يحضر السنّة أو لا يأتون تلك مشكلتهم. أنا أريد 64 نائباً مسيحياً. أنا لم أعمل قانوناً لي، وهو لا يخص حزباً، بل يتعلق بحقوق المسيحيين، كتائب وقوات ومستقلين. هل مسست بحقوق السنّة؟ وهل أخذت منهم أي نائب بهذا القانون؟ كلا. لماذا هم يريدون نوابي ومقاعدي. إذا لم يأت السنّة الى المجلس فهذا يعني أنهم يخربطون الدستور والوحدة الوطنية ويعتدون على الشعب، لأنهم يطالبون بحق ليس لهم ويعطّلون وصول الحق الى أصحابه وانتظام عملية الانتخاب.
■ حين وجد حزبا الكتائب والقوات أن الارثوذكسي قد يصل الى حائط مسدود، وضعا خيارات بديلة، وأنت؟
أعجبهم أو لا، المشروع الارثوذكسي هو الوحيد القانون الصحيح، والقبول به إلزامي وليس رضائياً، مع احترامنا لرئيس الجمهورية وللجميع.
يعني أنك تذهب بالمشروع الى النهاية؟
أكيد، ولا سبب لديّ للتنازل. أنا لا أرفض أي مشروع بالمطلق من دون أي سبب، إلا إذا كان لا يعطينا حصتنا الكاملة. أوافق على أي مشروع يعطيني 64 نائباً. وما عرض حتى الآن عليّ من مشاريع هم يريدون منها جوائز ترضية. عشرة نواب من هنا وخمسة من هناك.
■ التقيت أخيراً المطران سمير مظلوم. هل هناك دعوة للقاء القيادات المسيحية مجدداً في بكركي؟ وهل لديك تحفظ على ذلك؟
تبادلنا مع المطران مظلوم وجهات النظر، ولا دعوة حالياً الى اللقاء ولا تحفّظ لدينا، وإذا تمت الدعوة فسنلبي، ويمكن أن تظهر الاسبوع المقبل ضرورة لعقد هذا اللقاء. وإذا دعانا غبطة البطريرك فسنلبي.
■ قال الدكتور جعجع إن هناك حرباً على السنّة وحمّل التيار الوطني الحر المسؤولية؟
لربما أصبح غير مقتنع بتحالفاته ويريد طريقة للخروج منها. لا أحد يضطهد السنّة. هذه اتهامات هوائية ولا أساس لها من الصحة. نحن لم نحكم أصلاً حتى نضطهد أحداً. على العكس، نحن المضطهدون بحقوقنا. كم شهيد يريدون أن يسقط في عرسال ليقتنعوا بأن هناك اعتداءً على الجيش؟ وهل يريدوننا أن نسكت عمّا يحصل ولا ندافع عن الجيش الوطني.
■ ألا تضغطون كثيراً على الجيش في ملف عرسال بكلامكم وكلام وزراء التكتل في مجلس الوزراء؟ ماذا تريدون من الجيش؟
نريده أن يدافع عن نفسه. نحن نريده جيشاً وليس كشافة. جيش اعتدي عليه لا ينتظر قرار مجلس الوزراء ولا قرارات أحد. قيادته توجّه قوة فوراً حتى تطوّق القتلة وتقبض عليهم. اليوم كأننا نعيش في مسار السبعينيات. كلما تحدث أحد يهاجمون طائفياً. إذا ظل الجيش يتلقّى صفعة من هنا ومن هناك، تُمسّ معنوياته. الجيش اليوم لا يحق له الدفاع عن نفسه.
■ ولكن عرسال لها حيثيات مختلفة. هل يمكن الجيش أن يقتحمها؟ هل تريدون أن تتكرر تجربة نهر البارد؟
من قال إن عرسال «مش طالع دينها» ولا تريد أن تصبح كنهر البارد. الموضوع الأمني كله أصبح غير مريح. نحن نأينا بأنفسنا وقلنا من يرد أن يعبّر عن رأيه فليكن تعبيره سياسياً. لكن أرضنا صارت منطلقاً للسلاح ومعبراً له.
■ أنتم ممثلون في الحكومة وفريق واحد، ألا يستوجب الوضع الأمني قرارات أكثر أهمية؟
أبداً. نحن لسنا فريقاً واحداً. نحن معارضة في الحكومة والآخرون فريق آخر. موقفنا يظهر أكثر من غيرنا في المعارضة، ولكننا باقون بسبب أوضاع البلد ومجبرون على أن نبقى من أجل استقرار لبنان. تركنا الحكومة تهرب من المسؤولية. هناك قرارات ترجأ وهناك أكثريات داخل الحكومة، وكل واحد لديه وجهة نظر. نحن ننتقد الجيش لأن لدينا خبرة. هو لا يحتاج الى إذن. يحتاج إليه فقط إذا أراد العمل وقائياً أو القيام بعمل هجومي. أما الدفاع عن النفس فلا يستوجب أي قرار حكومي.
■ تحدثت عن النأي بالنفس، ولكن سواء في عرسال أو في قضية مقتل المسؤول الإيراني حسام خوش نويس أمس، ألا يتورط لبنان أكثر في الازمة السورية؟
كلما حدث ارتخاء في الوضع الأمني يتضاعف الطمع كأعمال الخطف التي تزداد. الوضع في لبنان ارتبط منذ زمن بوضع سوريا حين شارك فريق سياسي من اللبنانيين في الحرب، سواء بتهريب السلاح أو بالتأييد السياسي، وكان ضالعاً في العملية العسكرية، ما جعل البعض يشارك في عكار والشمال وعرسال، وشكل منطلقاً لمساعدة الانقلابيين في سوريا. ولكن الآن، مع اهتراء المسلحين في سوريا، تحدث ارتدادات على لبنان، لأن الوضع في سوريا ينقلب لمصلحة الشرعية السورية. وهذا سيؤدي الى مجيء مزيد من النازحين والعناصر المقاتلة الى لبنان لتفتعل مشاكل فيه، وبعض هؤلاء غير سوريين.
■ لكن حزب الله متّهم أيضاً بالمشاركة في حرب سوريا، واليوم بعد مقتل المسؤول الإيراني، هل يمكن الوضع أن يرتد أكثر على لبنان؟
إذا كانت هناك فرضية بوجود حزب الله في سوريا، فما علاقة المسؤول الايراني حتى يستهدف. حزب الله شيء وإيران شيء آخر، المسؤول الايراني يتمتع بالحصانة. هذا عمل إرهابي مئة في المئة واعتداء على الشرعة الدولية.
■ هل يمكن أن يكون الوضع الأمني سبباً في إرجاء الانتخابات؟
قد يوجد طرف يغذي هذا الاتجاه، والمعارضة في لبنان قد تستخدم هذا الأمر لتأجيل الانتخابات.
■ أنت مع التمديد للمجلس النيابي؟
أعوذ بالله. كلا. أنا لست مع التمديد لأحد، لا لأفراد ولا لجماعات.
■ لرئيس الجمهورية؟ قائد الجيش؟ المدير العام لقوى الامن؟
رئيس الجمهورية قال إنه لا يريد التمديد. إذاً أنا متفق معه. والباقون أيضاً. الفوضى والتمديد عمل مخطط له منذ زمن. هل هم أنبياء حين يقولون منذ زمن إن الحكومة لن تكون موجودة وسنكون مجبرين على أن نمدد للمسؤولين الذين ستنتهي مُددهم.
■ ولكن هناك توجه لاقتراح نيابي للتمديد لقائد الجيش والمدير العام لقوى الامن الداخلي معاً. هل ستوافق عليه؟
كلا. كلا. كلا.
■ وهل تؤيد تأجيل الانتخابات شهراً أو اثنين، أو التمديد التقني للمجلس؟
إذا أُقرّ قانون الانتخاب، ترجأ الانتخابات شهراً أو شهرين. ولكن لا لزوم للتمديد للمجلس، والحكومة هي التي تحكم. حتى لو لم يُقر القانون، لا أؤيد التمديد. فالحكومة تحكم بمراسيم اشتراعية، والفراغ في السلطة تملأه الحكومة. الذين عملوا اتفاق الطائف هم نواب مدّدوا لأنفسهم، ولا يجب أن نعطّل في كل مرة الحياة الديموقراطية.
لا للداتا والأصولية تصل ولا تحكم
يرفض العماد ميشال عون إعطاء all داتا. وحين نسأله عن حديثه عن «الوضع الامني والخطف، ورفضه طلب الأجهزة الأمنية للداتا»، يجيب: «اليوم الداتا معهم على الأرض. من قتلوا العسكريين معروفون، فليذهبوا للقبض عليهم. هناك عمليات اغتيال وقعت منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما بعده، وكانت الداتا معهم وجهاز الامن معهم، فماذا فعلوا بها؟ أنا وحدي قبضت على المرتكبين في ثلاث محاولات لاغتيالي، وكانوا لبنانيين بالتعاون مع غازي كنعان، ولم يكن لدينا داتا. الداتا الموجوة في القانون 140 سيأخذونها، ولكن all داتا ضد الدستور ولن نعطيها.
■ لكن الرئيس نجيب ميقاتي يقول إنه المرجعية؟
لا يحق له أن يقول ذلك، واللجنة المختصة تقول عكس ذلك، والقانون 140 واضح. لا يجوز الدخول في حميميات الناس والتنصّت عليهم. لنبقى كما في كل دول العالم التي تحترم نفسها. الإجرام يحصل لأنه لا توجد مكافحة حقيقية. صار المجرمون أذكى من رجال الأمن. وقعت عمليات اغتيال ولم يكشف عن مرتكبيها، وهناك أناس يهربون من السجن، هناك تورط وشراكة بين المسؤولين والمجرمين. وأنا لا أسمّي لأنه لا إثباتات لديّ.
■ يقبل لبنان على استحقاق المحكمة الدولية والانتخابات. فإلي أي مدى يمكن أن يؤثر ذلك على الوضع الأمني؟
الاستقرار بحدّه الأدنى محافظ عليه. ففي ميزان القوى، القوي لا يريد أن يضرب الاستقرار والضعيف لا يقدر.
■ وماذا عن دخول عوامل أصولية على الخط؟
العوامل الأصولية تؤذي نفسها والمجتمع الحاضن لها، ولا إمكانيات لديها لتتمدد. هي تصل الى الحكم لكنها تفشل، لأن لا حلول لديها، فهي ردّة رجعية لا إمكانيات لها للحكم. ونحن نرى ما حصل في تونس وليبيا ومصر. الموضوع الاصولي لا يخيفني وهو يقضي على بيئته. في سوريا، الشعب السوري الذي كان يريد رحيل النظام صار يصلي كي يبقى النظام مستقراً. ولا حل إلا بالحوار من أجل ضبط البلد، بعد استباحة حياة الناس وأعراضهم وأملاكهم. ما حصل ادى الى ردّ فعل شعبي فأصبحوا يفضلون الحكم الذي لم يكونوا يحبونه لأنه أصبح نعمة عليهم.