مع تصاعد الاشتباك الكلامي بين الرئيسين ميشال عون ونبيه بري أمس، تلاشت أجواء التفاؤل بقرب صدور التشكيلة الحكومة، وعادت النقاشات إلى المربّع الأول مع عقدة حقيبة تيار المردة ومطالبة عون بوزيرين سنّي وشيعي، ما قد يؤخّر تشكيل الحكومة إلى ما بعد عيد الاستقلال

 

خطابات التفاؤل والحديث عن نيّات تسهيل الحكومة لم تُجدِ نفعاً لإخراج تشكيلة حكومة الرئيس سعد الحريري إلى النور أمس، كما كان متوقعاً، وقد تؤخرها الى ما بعد عيد الاستقلال في حال بقي الجميع على مواقفهم.

انفجرت «الإيجابية» أمس دفعةً واحدة، لتُظهر عمق العُقد التي تعرقل تشكيل الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون، في ظلّ التباين في وجهات النظر بين الحاجة إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، أو تأليف حكومة غَلَبة على خاسرين في الاستحقاق الرئاسي، فضلاً عن التناحر على الحصص والحقائب.
وفي حين جرى الحديث ليل أوّل من أمس عن شبه اكتمال التشكيلة وإمكان إعلانها صباح أمس، بعد حلّ أزمة تمسّك حزب القوّات اللبنانية بحقيبة سيادية، اصطدم التفاوض ليل الثلاثاء ــــ الأربعاء بعُقدٍ جديدة، أبرزها رفض التيار الوطني الحرّ والقوات منح تيار المردة حقيبة الأشغال أو حقيبة أساسية أخرى، ومطالبة رئيس الجمهورية بوزيرين شيعي وسنّي، من دون منح مقعد مسيحي لثنائي الرئيس نبيه بري ــ حزب الله، لتوزير النائب عن الحزب السوري القومي الاجتماعي أسعد حردان. وبعدما بدا في الأيام الماضية أن التوتر انتهى بين عون وبري على خلفية حل عقدة وزارة المالية لصالح بقائها من حصّة حركة أمل وبقاء الوزير علي حسن خليل على رأسها، أعاد الاشتباك الكلامي أمس بين عون وبرّي وانتقاله إلى البطريرك بشارة الراعي والشيخ عبد الأمير قبلان، توتير الأجواء، فيما تردد أن رئيس الجمهورية لا يزال معترضاً على توزير خليل في المال، رغم معرفته بأن برّي بعد هذا الاعتراض بات أكثر تشدّداً في هذا الشأن.
أوساط بري نقلت عنه أن اشتباك أمس يعيد الامور الى الوراء، وأكدت أن رئيس المجلس لن يتنازل عن أيّ من الوزراء الشيعة الخمسة إلا مقابل وزير مسيحي، مع شرط أن يكون الوزير الشيعي الذي يختاره رئيس الجمهورية مُرضى عنه شيعياً، بعدما تردد أن عون يطرح توزير كريم قبيسي. كذلك نقلت عنه أن الرئيس سعد الحريري أبلغه أنه «غير مرتاح». وفي ما يتعلق بحقيبة المردة، نُقل عن بري أن لا مانع لديه من التنازل للوزير سليمان فرنجية عن حقيبة الأشغال، «ولكن المشكلة أن لا عون ولا الحريري تحدث الى فرنجية».
مصادر بارزة في تيار المستقبل قالت لـ»الأخبار» إن «الوزير جبران باسيل يعترض على حصّة المردة، والقوات اللبنانية تعترض على الكتائب، وهذا الأمر لا يساعد على تشكيل حكومة وحدة وطنية»، علماً بأن لقاءً سيعقد اليوم بين باسيل والكتائب. كلام المستقبل يتقاطع مع ما يتردّد في عين التينة، عن أن «التيار الوطني الحرّ يريد أن يحتكر الحصص المسيحية مع القوات اللبنانية، نظراً إلى الاتفاق السابق بينهما، ناسياً أنه هو من عقد الاتفاق لا الأطراف الأخرى، وهو يريد تنفيذ الاتفاق مع القوات ويطلب مراعاته، لكنّه لا يراعي أن للآخرين حلفاء أيضاً وهم جزء أساسي من هذه التركيبة، ولا أحد يختصر المسيحيين». وتقول المصادر إنه «إذا كان المطلوب حكومة وحدة وطنية، فعليهم إشراك الجميع، أمّا إن كانت الحكومة حكومة بعقلية رابحين ضد خاسرين فليشكّلوا حكومة، وساعتها سنكون خارجها».

 


مصادر أخرى أكّدت لـ«الأخبار» أن عون لم يكن مرتاحاً لتشكيلة توزيع الحقائب التي قدّمها له الحريري أول من أمس، لخلوّها من الأسماء. وقالت المصادر إن «الحريري قام بواجباته وقدّم ما استطاع للجميع في سبيل التسهيل على أساس حكومة من 24 وزيراً؛ طيّب خاطر (النائب وليد) جنبلاط، فاوض القوّات وأعطاهم أكثر مما يحقّ لهم، مع أنه لم يكن مضطرّاً إلى مفاوضتهم في ظلّ اتفاقهم الذي لا يعرف عنه شيئاً مع عون، لكن مشكلة فرنجية ليس هو من يحلّها. هو يتواصل مع فرنجية، لكن حتى الآن لا أحد من التيار الوطني الحرّ تواصل مع فرنجية، ومع اختلاط الأمور من جديد، سيكون من الصعب إعادة رسم الحقائب وتوزيعها».
وبدأ التململ في صفوف قوى 8 آذار يأخذ مداه، اعتراضاً على ما يتردّد عن منح القوّات ثلاث حقائب (غسان حاصباني ـــ أرثوذكسي نائباً لرئيس الحكومة، ملحم الرياشي ــــ كاثوليكي، بيار أبو عاصي ماروني)، إضافة الى الوزير ميشال فرعون، خصوصاً مع ما يحكى عن رفض التيار والقوات مشاركة الحزب القومي في الحكومة بوزير مسيحي وخروج النائب طلال أرسلان من التشكيلة بعد اعتماد صيغة الـ24 وزيراً بدلاً من 30، فضلاً عن اعتراض القوى «السنيّة» في 8 آذار على عدم توزير أي سنّي من هذا الفريق، وتوزير النائب جمال الجرّاح الذي يسعى جاهداً لعودة الاشتباك السياسي بين الحريري والوزير السابق عبد الرحيم مراد في البقاعين الغربي والأوسط.
وبدا لافتاً أمس بيان كتلة الوفاء للمقاومة، ودعوته إلى «الإسراع في تأليف حكومة الوحدة الوطنية الجامعة، وإشراك مختلف القوى السياسية»، وأملت الكتلة «من القوى السياسية الوازنة في البلاد أن تترجم حرصها على الشراكة، فتأخذ في الاعتبار أهمية توسعة قاعدة التمثيل في الحكومة». ويأتي البيان مكمّلاً لزيارة قام موفد من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله إلى بعبدا أول من أمس، مؤكّداً حرص الحزب على تمثيل كل الأطراف وإعطاء فرنجية حقيبة وازنة.
وعلمت «الأخبار» أن اجتماع تكتل التغيير والاصلاح أمس شهد نقاشاً حول الحكومة وشكلها، وسط تأكيد باسيل أن الأسماء المطروحة للتداول من مرشحين للتوزير من حصة التيار الوطني الحر ليست كلها صحيحة، وأنه لم يتم بعد اختيار وزراء التيار في شكل كامل قبل اتضاح صورة الحكومة. كلام باسيل يتقاطع مع ما يتردّد عن عدم حسم حقيبة الدفاع لصالح الوزير الياس بو صعب، وسط معلومات عن إمكانية منحها لرومل صادر.
ورغم هذه الأجواء، قالت مصادر بارزة في التيار الوطني الحر لـ«الأخبار» إن «التشكيلة الحكومية صارت شبه جاهزة، والعقدة لا تزال عالقة حول حقيبة المردة فقط، وإذا حلت يمكن أن تصدر الحكومة بين اليوم والأحد».
التطوّرات الأخيرة تطرح أكثر من سؤال: هل يستمر العمل على قاعدة الـ24 وزيراً أم يتم الانتقال الى الصيغة الثلاثينية بغية تأمين أوسع قاعدة للمشاركة، على الرغم من عدم رغبة الحريري في تشكيلة جديدة؟ كيف ستُحل عقدة المردة؟ وهل يقبل التيار الوطني الحرّ والقوات بمشاركة خصمهما فرنجية على أبواب الانتخابات، أم سيسعيان إلى تحجيم المردة وسط معلومات عن بدء التفاوض مع ميشال معوّض للتحالف معه في زغرتا؟ وهل يشارك برّي ومعه 8 آذار في حكومة لا يشارك فيها فرنجية؟ إنها لعبة عضّ أصابع، ولا يبدو أن أحداً مستعجل على الاستسلام أوّلاً، بالاشارة الى ما صدر عن تكتل التغيير والاصلاح، عقب اجتماعه أمس، «بأننا لا نزال ضمن المهل المعقولة لتأليف الحكومة... ولا فيتو على أحد».