تتواصل المشاورات في مختلف الاتجاهات لاستيلاد الحكومة قبل عيد الاستقلال، لكنّ سجالاً طرَأ بين بعبدا وعين التينة، فنغّصَ مساعي التأليف وأثارَ مخاوفَ من تأخّر ولادة الحكومة. وجاء هذا السجال عقبَ زيارة الرئيس المكلّف سعد الحريري إلى قصر بعبدا أمس الأوّل، لإطلاع رئيس الجمهورية على نتائج مشاوراته. وعلمت «الجمهورية» أنّ الأجواء كانت إيجابية وعلى خير ما يرام، وقد تمحوَر الحديث حول الحقائب الوزارية، وتبيّنَ وجود تفاصيل بسيطة تحتاج للمعالجة. وقد رغبَ رئيس الجمهورية بتوزير شيعيّ يكون من حصّته، لكنّه وجَد أنّ التفاعل في عين التينة مع هذا المطلب جاء سلبياً، كما أنّ بري اقترَح إعطاءَ وزارة الطاقة لفرنجية، وهو الأمر غيرُ المستساغ عند «التيار الوطني الحر» الذي يتمسّك بهذه الحقيبة.
في زيارةٍ هي الأولى له بعد انتخابه رئيساً للجمهورية، توجّه العماد ميشال عون إلى بكركي أمس، يرافقه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، والتقى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ومجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك.

ولفتَ عون بعد الزيارة إلى «أنّ المؤسسات أصيبَت بالوهن، بسبب التمديد المتمادي لمجلس النواب، والعجز الذي وقعَت فيه السلطة». وأكّد أنّ أكثر ما يؤلم لبنان في هذه المرحلة «هو الفساد المستشري الذي سدَّ شرايين الدولة وجَعلها في حالة عجز دائم».

والسبب الأساسي هو الانحطاط الذي ضربَ المجتمع، فأصبَحت كلّ مرتكزات الحكم خارج نطاق الكفاءة والأخلاق. وكلّ عمل سلطوي لا يحترم بمعاييره القوانين والأخلاق يصبح جريمة، لأنّه يسبّب الأذى للأفراد وللمجتمع.

الراعي

وأكّد الراعي للرئيس عون دعمَ بكركي الكامل له بوصفه «رئيسَ الدولة، ورمزَ وحدة الوطن»، ولكونه يَسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور.

وقال مخاطباً رئيسَ الجمهورية: إنتخابكم وحّد الكتلَ السياسية وفئات الشعب كمقدّمة لمصالحة وطنية شاملة تحتاج إلى استكمال في بداية عهدكم بتحقيق مشاركة جامعة ومتوازنة في الحكم والإدارة.

واعتبَر الراعي أنّ ما يحصل اليوم من تطوّرات سياسية هو فرصة لتطبيق الطائف تطبيقاً فعلياً منعاً لشلِّ قرارات الدولة في كلّ حين، وتجنّباً لتفكيك أوصالها. وشدّد على أنّ من أولى الأولويات «تأليف مجلس الوزراء الجامع، بروح المشاركة الشاملة لا المحاصَصة، وأنّه» لا يجوز في

أيّ حال استبدال «سلّة الشروط» بصيَغ التشبّث بحقائب وباستخدام «الفيتو» من فريق ضد آخر. وهذا أمر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ويُدخِل أعرافاً تشرّع البابَ أمام آخرين للمبادلة بالمِثل، وتعرقِل مسيرة قيام دولة الحقّ والقانون.

مصادر كنَسية

وأكّدت مصادر كنَسية لـ«الجمهورية» أنّ اللقاء بين الراعي وعون «كان إيجابياً جدّاً وتناوَل خطة عمل المرحلة المقبلة، وكلام الراعي أكثر من واضح، وهو مع تطبيق اتفاق الطائف نصّاً وروحاً، ويأتي ضمن هذا السياق ممارسة رئيس الجمهورية لصلاحياته كاملةً، وأبرزُها تأليف الحكومة بالاتفاق مع الرئيس المكلّف».

وأضافت المصادر أنّ الراعي»شاء التأكيد على أنّ مرحلة استضعاف المسيحيين انتهت إلى غير رجعة، فالرئيس هو من يَقبل بهذا الوزير أو ذاك، وليس أيّ قوّة سياسية أخرى، لأنّ جميع اللبنانيين يتمتّعون بحقوقهم، ويجب أن لا تُحرَّم هذه الوزارة على هذا الحزب وتُسمح لحزبٍ آخر». ولفتَت إلى أنّ «الشواذات التي عاشها لبنان بعد عام 1990 ومرحلة استبعاد المسيحيين يجب أن تنتهي، وتبدأ مرحلة شراكة بين المكوّنات اللبنانية كافة».

وشدّدت المصادر على أنّ الراعي «أراد إيصال رسالة واضحة لعون مفادُها أنّنا معك، ويجب أن تحكم وتعيد مؤسسات الدولة إلى عملها، وتكافحَ الفساد الذي يَنخر جسم الوطن». (التفاصيل ص 4)

برّي والأسوأ

وقد وجَد كلام رئيس الجمهورية عن الوهن في المؤسسات بسبب التمديد لمجلس النواب صداه سريعاً في عين التينة، فسارَع رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى القول: فعلاً التمديد سيّئ، والمؤسسات أصيبَت بالوهن، كما قال فخامة الرئيس، ولكنّ تعطيل انتخاب الرئيس كان أسوأ على المؤسسات بما في ذلك المجلس النيابي.

ولوحِظ أنّ أجواء عين التينة كانت عابقةً أمس بعلامات استفهام حول ما سمّاه البعض مغزى «هجمة رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني على فريق معيّن»، إذ لم يجد بري موجباً أو تفسيراً لهذا الكلام الذي سبقَ أن تمّ تجاوزُه. وقد تلقّى أصداءَ كلام بكركي باستغراب، ما دفعَه إلى ردّ مباشَر على عون. وعندما سُئل لماذا ردّيت؟ أجاب: أنا رئيس المجلس النيابي، وأنا أمثّله.

وما قمتُ به هو أمر طبيعي جداً لحفظ كرامة هذه المؤسسة التي انتَخبت رئيسَ الجمهورية قبل أسبوعين، وأنا لا أستطيع أن أغضّ النظر أو أن أتجاوز أيّ تعرّضٍ للمجلس، علماً أنّني في جلسة الانتخاب، وكتأكيد على عدم تركِ الأمور مبهَمة، خاطبتُ الرئيس بأنّه أحد أعمدة هذا المجلس. لا أعرف حتى الآن لماذا العودة إلى هذا الكلام عن التمديد للمجلس، مع أنّه أصبح وراءَنا.

وهل سيرتدّ هذا السجال سلباً على تأليف الحكومة؟ أجاب: أتمنّى لا، وأعتقد أن لا علاقة لهذا بذاك.

المجلس الشيعي

وكان المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى قد دخل على خط السجال، مصوّباً على الراعي، وقال نائب رئيس المجلس الشيخ عبد الأمير قبلان: لم نوفّر فرصةً لتحقيق الشراكة الحقيقية بين المكوّنات السياسية والطائفية، ليظلّ لبنان الوطنَ النهائي الجامع لكلّ بنيه.

وحَرصنا على الدوام على تذليل العقبات وإزالة العراقيل أمام العهد الجديد حين طرَحنا ضرورةَ إنجاز تفاهمات جديدة ضمن سلّةِ حلّ متكاملة لتجنّبِ أزمات نحن بغِنى عنها، ولإزالة الغيوم السوداء عن سماء هذا الوطن.

«المستقبل»

وعلى جبهة التأليف، وفيما بلغَت الاتصالات ذروتها لتذليل العقبات التي نَبتت أمام مساعي الرئيس المكلّف الذي واصل لقاءاته مع القطاعات كافة، قالت مصادر «المستقبل» لـ«الجمهورية» إنّها تأمل في أن لا يَطول التوتّر المستجدّ على خط بعبدا ـ عين التينة، وأن ينحسر سريعاً لكي تستمرّ جهود الرئيس المكلف بالزخم الذي كانت تسير عليه في السابق لكي تتوصّل إلى نتائج إيجابية يأملها الجميع.

وقال زوّار بعبدا لـ«الجمهورية» إنّها تنتظر إشارةً من الرئيس المكلّف للاطّلاع على تفاصيل ما أنجزته الاتصالات والمشاورات الجارية.
وأوضَحت مصادر مشاركة في إعداد التشكيلة الوزارية أنّ الأجواء التي كانت سائدة ابتداءً من مساء أمس الأوّل أوحت بأنّ الحريري حملَ تشكيلته النهائية إلى رئيس الجمهورية، لكنّ اللافت أنّ عون لم يوافق عليها، بل إنّه استمهلَ الحريري لدرس بعض التفاصيل المتصلة ببعض الحقائب، على أن يحصل تواصل بينهما في اليوم التالي، أي أمس.

وسبقَ توجُّه الحريري إلى بعبدا تواصُل مع بري الذي كان يتوقع صدورَ شيء ما من بعبدا، بمعنى ولادة الحكومة مساء أمس الأوّل. لكنّ تواصلاً حصل بين بري والحريري صباح أمس، أطلعه الأخير على ما دار في لقاء بعبدا وأبلغ إليه أنّ المعطيات غير ناضجة حتى الآن لولادة الحكومة.
وقالت المصادر إنّ التوجّه العام لدى بري والحريري هو أن تولد الحكومة في وقت قريب جداً وقبل الاستقلال، وهي حتماً ستكون من 24 وزيراً.

وخلافاً للأجواء التي سادت في الساعات الأخيرة وتحدّثت عن إسناد وزارات لبعض الأطراف، ولا سيّما منها وزارة الأشغال، استغربَ بري هذا الحديث، مؤكّداً أنه لم يتنازل عنها لأحد.

وذكّرَت المصادر أنّه عندما التقى الحريري بري في الآونة الأخيرة أشار إلى أنّه سيؤلّف حكومة هي تركيبة حكومة الرئيس تمّام سلام مع بعض «الروتوش». كذلك عندما طرَح الحريري على بري موضوع الحقائب، أجابه: وزارة المال حتماً، ووزارة الأشغال، وأنه يقبل أن يكون الثالث (من حصة حركة «أمل») وزير دولة، أمّا حصّة «حزب الله» فوزارتا الشباب والرياضة، والصناعة. وطرح على بري وزارة الطاقة فرَفضها.

وأكّدت المصادر أنّ بري لا يرى أيّ مشكلة في موضوع تمثيل رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، وأنّه أبلغَ من يعنيهم الأمر أنّه مستعدّ لإقناعه بالقبول بحقيبة التربية التي سبقَ لفرنجية أن رفضَها، وأنه مستعدّ للتدخّل معه إذا كانت هذه هي العقبة المتبقّية أمام التأليف. وفي هذا السياق سُئل بري: هل تدخّلتَ مع فرنجية؟ فأجاب: «طالما إنّ الأجواء لم تصل إلى هذا الحد فلماذا أتدخّل»؟

«التكتل»

في هذا الوقت، جدّد تكتّل «التغيير والإصلاح» المطالبة بالإسراع من دون تسرّع في تشكيل الحكومة، وأكّد أن لا مصلحة لأحد بأن يكون عائقاً أمام انطلاقة العهد.

وقال أمين سر «التكتل» النائب ابراهيم كنعان: «نحن نعتبر أنّنا لا نزال ضمن المهَل، وأنّ مسار التأليف جيّد وبحاجة إلى استكمال، ولا فيتوات من قبَلنا على أحد، والكلام الذي يصدر من هنا وهناك، على هذا الصعيد، لا أساس له من الصحّة». وجدّد المطالبة بضرورة وضعِ قانون انتخاب جديد.

«الوفاء للمقاومة»

مِن جهتها، استعجَلت كتلة «الوفاء للمقاومة» تأليفَ حكومة الوحدة الوطنية الجامعة، ودعَت إلى إشراك مختلف القوى السياسية فيها. وأملت «من القوى السياسية الوازنة في البلاد أن تترجم حرصَها على الشراكة، فتأخذ بعين الاعتبار أهمّية توسِعة قاعدة التمثيل في الحكومة توخّياً للصدقية وتجنّباً لبعض الحساسيات والاعتراضات».