11 سنة الا بضعة اشهر، غاب عن السياسة الرئيس سعد الحريري، ليعود وليأخذ فقط لقب رئيس مجلس الوزراء ويؤلف حكومة هزيلة ضعيفة تشبه مسلك سعد الحريري وسياسته الضعيفة المتنازلة والمتراجعة دائما الى الوراء.
لم يقدم سعد الحريري في تاريخه حتى الان على اي خطوة الى الامام، بل كل خطواته الى الوراء. وها هو يقوم بتقديم تشكيلة حكومية الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عصر الاربعاء، رفضها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقال «انا لا اوقع على مراسيم هكذا حكومة» دون ان يكون الكلام حرفيا، لكن الرئيس العماد ميشال عون لم يوافق على المسودة الحكومية التي اقترحها سعد الحريري.
الحكومة المقترحة من سعد الحريري مؤلفة تقليديا من اصحاب المغانم والمصالح ومن مديري مكاتب ومديري اعمال وسياسيين تقليديا لم يحاسبهم الشعب يوماً عن اعمالهم فاعتقدوا ان الطريق لحماية ثرواتهم وزيادتها هو في هذه الحكومة المقترحة التي يطل علينا فيها سعد الحريري، رغم انها لم تولد بعد، لكنها مترهلة ومليئة بالفساد. ولا شك انه تم الاسراع في انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لان الحريري الذي حجب ثروته في دول خارج السعودية واخفاها، واظهر انه عاجز عن دفع رواتب الموظفين وقام بصرفهم، انهار سياسياً امام المجتمع المدني في بيروت. وانهار امام الوزير اشرف ريفي في طرابلس، وكاد ينهار في صيدا، فاضطر ان يذهب الى مرشح 8 آذار لرئاسة الجمهورية ويؤيد العماد ميشال عون ويخضع ويقول له «انا سميتك لرئاسة الجمهورية، المهم ان اكون انا رئيساً للحكومة».
حكومة مقترحة هجينة، جسم بلا عظم، شبه مشلولة، بلا حركة، كيفما تأخذها تذهب، اينما اتجهت بها يميناً او شمالاً، صعوداً او نزولاً، الى الامام او الوراء، تقع ولا تستطيع الوقوف من دون هيكل. والهيكل هو رجال يستطيعون بعقولهم النيرة والمبدعة والخلاقة، ويؤمنون بالاخوة السورية القومية الاجتماعية الحقيقية، ولا يؤمنون بحصص الطوائف والمذاهب وتوزيع الحقائب على هذه الطائفة وغيرها. هؤلاء يستطيعون بناء البلد. ومن دون فكر ومبادئ وعقدة الحزب السوري القومي الاجتماعي لا يمكن تطوير البلد. رغم ان انطون سعاده بقول «ان لبنان بلد اصطناعي» وقبلنا لبنان كنطاق ضمان للفكر الحر. ومع ذلك لم يجعلوا صناعة البلد طبيعية كي يكون لبنان طبيعياً، والاهم لم يجعلوا من لبنان كنطاق ضمان للفكر الحر، بل اقاموا الاقطاعيات و«البكوات» واقاموا الفساد، وهذه الحكومة اسمها حكومة الفساد بامتياز، باستثناء بعض الحقائب.
يبدو ان كباشا بدأ في شأن تأليف الحكومة بين العماد ميشال عون رئيس الجمهورية وبين رئيس مجلس النواب الرئيس نبيه بري، عشية تشكيل الحكومة. فقد بدأ الامر عندما زار الرئيس العماد عون يرافقه جبران باسيل البطريرك بشارة الراعي في بكركي، وصرح الرئيس ميشال عون ان التمديد الذي حصل للمجلس النيابي وغير التمديد وتمديدات أخرى أدت الى شل الدولة والمؤسسات، وانه كان امرا سيئا جداً.
فرد الرئيس بري من عين التينة قائلا، صحيح ان التمديد هو سيىء وادى الى وهن المؤسسات، لكن تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية كان أسوأ وادى اكثر الى وهن المؤسسات.
عندما يتحدثون مع الرئيس بري في صالونه ويقولون ان هناك فيتو على الوزير علي حسن الخليل في وزارة المالية او كوزير، يرد الرئيس نبيه بري وانا عندي فيتو على جبران باسيل لا اريده وزيرا.
وحتى الان يبدو ان رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة تسرعوا في إعلان ان الحكومة سيجري تشكيلها قبل عيد الاستقلال. لكن مع ذلك لم ينقطع الامل، بل سيجري تشكيل الحكومة في اخر لحظة قبل عيد الاستقلال.
والان يجري البحث عن تشكيل حكومة من 24 وزيرا او 30 وزيرا. واذا كان حزب الله والرئيس نبيه بري يريدان مركزا هاما للوزير سليمان فرنجية، فترد القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر بأن يعطي حزب الله وحركة امل فرنجية مقعدا من مقاعدهما في الحكومة للوزير فرنجية، اذ لا يعقل ان يكون هنالك نائب معه نائبين يأخذ حقيبة كبيرة وهامة في الحكومة، بينما يصر الرئيس نبيه بري وحزب الله على إعطاء الوزير فرنجية مركزا هاما في الحكومة التي قد يمثله فيها اما الوزير يوسف سعادة واما السيد بسام يمين.
كباش قوي بين بعبدا وعين التينة، وهو ابعد من كباش، انه من سيسيطر على البلاد خلال الست السنوات القادمة، هل يكون رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ام الرئيس نبيه بري، وكل واحد مدعوم من حلفائه؟ ذلك ان العماد ميشال عون مصمم على الضرب بيد من حديد، بالنسبة لقرارات رئاسة الجمهورية وصلاحياتها واستعمال شعبيته، وهيبة رئاسة الجمهورية، وستكون له حصة وازنة في الانتخابات. اذا جرت الانتخابات على قاعدة النسبية، كما طالب البطريرك الراعي بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للموارنة، فان العماد ميشال عون سينال حصة كبيرة في المجلس النيابي، بعد 6 اشهر، وعندئذ قد تنقلب الأمور سياسيا الى حد ما، اما اذا فاز محور بري وحلفاؤه على العماد ميشال عون فتكون الأمور بشكل آخر.
مندوبون
الاجواء الايجابية التي كانت سائدة يوم الاربعاء وكانت توحي بتشكيل الحكومة مع قيام الرئيس المكلف سعد الحريري بحمل تشكيلته الرئاسية الى بعبدا تراجعت مع تسريب معلومات تقول «ان الرئيس العماد ميشال عون لم يوافق عليها وطلب درسها بالتفصيل». وعلم ان هذه الاجواء الايجابية، التي سادت قبل زيارة الحريري الى بعبدا، بعثت على الاعتقاد لدى المراجع ان الاعلان سيكون امس، وكل شيء يسير باتجاه الولادة خلال ساعات، لكن اجواء نهار امس ما لبثت ان اعطت صورة اقل اندفاعاً في التفاؤل. وقد كانت الديار اشارت في عددها امس عن هذه التعقيدات التي حالت دون ولادة الحكومة.
كما علم ان التواصل جرى قبل وبعد زيارة الحريري الى بعبدا مع الرئيس بري الذي كان يتوقع صدور مرسوم الحكومة مساء الاربعاء. وثم جرى صباح امس الخميس اتصال هاتفي بين بري والحريري، واطلع الحريري الرئيس بري على ما دار في بعبدا، وابلغه ان المعطيات غير ناضجة بعد للولادة. وحسب المصادر، ان توجه بري والحريري حتى الآن هو ان الحكومة يفترض ان تولد في وقت قريب جداً وقبل عيد الاستقلال.
وخلافاً للاجواء التي تسربت وتحدثت عن اسناد وزارات الى بعض الاطراف ولا سيما وزارة الاشغال، عكس زوار عين التينة استغراباً لهذه المعلومات، واكدوا ان هذه التسريبات غير صحيحة. وتشير المعلومات الى ان العمل ما زال يجري على اساس تشكيلة الـ24، وعندما طرح الحريري موضوع الحقائب على بري قال له «المال حتما والاشغال ونقبل ان تكون الثالثة وزير دولة»، عندما كان الاقتراح 30 وزيرا. اما حزب الله فله وزارة الشباب والرياضة ووزارة الصناعة. وكان بري قد رفض وزارة الطاقة بدلا من المال، واعلن هذا الامر مراراً وتمسك بالمالية لضمان توقيع الشيعة على القرارات.
وحسب المعلومات، فان بري اكد على تمثيل الحلفاء وفي مقدمهم فرنجية. وعندما جرى التواصل معه، ابلغ المعنيين انه عندما تحل الامور كلها وتبقى عقدة وزارة فرنجية فانني مستعد ان اتدخل معه لاقناعه بوزارة التربية، التي كان فرنجية قد رفضها. ورداً على سؤال اذا كان تدخل مع فرنجية فقال، «طالما ان الامور الى هذه الحدود فلماذا اتدخل»؟ وكان زوار عين التينة، اكدوا ان هناك اموراً وعلامات استفهام حول مغزى اللهجة من قبل رئيس الجمهورية والبطريرك الراعي على فريق معين.
ويقول الزوار، انه حتى الان لا يجد بري تفسيراً او موجباً لهذه المواقف والكلام الذي سبق ان تم تجاوزه. وقد تلقى رئيس المجلس اصداء الكلام المتدحرج من بكركي باستغراب شديد معتبراً انه ليس في محله، ما دفعه الى الرد، علماً انه كان سمع سابقاً اموراً اخرى وحرص على عدم الرد تسهيلاً لتشكيل الحكومة ودفع الامور الى الامام.
ويقول بري امام زواره عن اسباب رده على كلام الرئيس عون «انا رأس المجلس النيابي، وانا امثل المجلس وما قمت به امر طبيعي جداً في حفظ كرامة هذه المؤسسة التي انتخبت رئيس الجمهورية قبل اسبوعين، وانا لا استطيع ان اغض الطرف او اتجاوز اي تصرف للمجلس، علما اني في جلسة انتخاب الرئيس وكتأكيد على عدم ترك الامور مبهمة خاطبت رئيس الجمهورية وقلت «انه احد اعمدة شرعية هذا المجلس»، فلا اعرف لماذا العودة الى هذا الكلام عن التمديد للمجلس النيابي، مع انه اصبح وراءنا. ورداً على سؤال عما اذا كان هذا السجال سينعكس سلبا على تأليف الحكومة قال: نحن لا. واعتقد ان لا علاقة لهذا بذاك.
وكان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قال من بكركي ان جميع مؤسساتنا اصيبت بالوهن، بسبب التمديد المتمادي لمجلس النواب، والعجز الذي وقعت فيه السلطة. وان اكثر ما يؤلم وطننا في هذه المرحلة هو الفساد المستشري الذي سد شرايين الدولة وجعلها في حالة عجز دائم. والسبب الاساسي هو الانحطاط الذي ضرب المجتمع، فاصبحت كل مرتكزات الحكم خارج نطاق الكفاءة، والاخلاق وكل عمل سلطوي لا يحترم.
ورد الرئيس بري على كلام الرئيس عون بالقول فعلاً التمديد سيىء، والمؤسسات اصيبت بالوهن كما قال فخامة الرئيس، ولكن تعطيل انتخاب الرئيس كان اسوأ على المؤسسات بما في ذلك المجلس النيابي.
ـ سجال البطريرك الراعي والمفتي قبلان ـ
وما كاد السجال غير المباشر بين الرئيس عون والرئيس بري ينتهي، حتى انفجر سجال اخر، وهو الاول بين مرجعيتين دينيتين، هما البطريرك الراعي والمفتي قبلان وقال البطريرك مار بشاره بطرس الراعي للرئيس عون «انها فرصتكم، لتطبيق وثيقة اتفاق الطائف تطبيقا فعليا، منعا لشل قرارات الدولة في كل حين، وتجنبا لتفكيك اوصالها. وهذا يشكل الخطر الأكبر على الكيان. ولا بد، بدء ذي بدء، وبالسرعة الممكنة، من إقرار قانون جديد للانتخابات يكون حافزا لمشاركة كل فئات الشعب في هذا الواجب الوطني، ويؤمن المناصفة التي نص عليها اتفاق الطائف». ورأى ان «من اولى الأولويات ان يوفق رئيس الحكومة المكلف بالتعاون مع فخامتكم في تأليف مجلس الوزراء الجامع، بروح المشاركة الشاملة لا المحاصصة»، معتبرا انه «لا يجوز في أي حال استبدال «سلة الشروط» بصيغ التشبث بحقائب وباستخدام «الفيتو» من فريق ضد آخر. وهذا امر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ويدخل اعرافا تشرّع الباب أمام آخرين للمبادلة بالمثل، وتعرقل مسيرة قيام دولة الحق والقانون. نحن نأمل إزالة هذه الغيوم السوداء عن بداية عهدكم». وأكد الراعي ان «لا بد من أجل حماية رسالة لبنان السلامية في محيطه، من اعتماد سياسة ابعاده عن الصراعات الخارجية، كما وعدتم في خطاب القسم، جريا على خط سلفكم».
ـ رد قبلان ـ
وجاء الرد سريعاً من نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى على البطريرك الراعي وهو اول سجال بين مرجعيتين روحيتين، وقال قبلان: «ان الشيعة حرصوا على الدوام على تذليل العقبات وازالة العراقيل من امام العهد الجديد حين طرحوا ضرورة انجاز تفاهمات جديدة ضمن سلة حل متكاملة لتجنب أزمات نحن بالغنى عنها، ولإزالة الغيوم السوداء عن سماء هذا الوطن». وقال «المسلمون الشيعة كانوا وما زالوا أكثر حرصاً على إقامة دولة العدالة والمساواة، وهم قدموا التضحيات والتنازلات لإنجاز الاستحقاقات الدستورية وتحقيق الاستقرار السياسي»، مضيفا «على مر التاريخ كان الشيعة مقهورين ومظلومين ومحرومين حتى حق الدفاع عن مناطقهم، ولم نسمع مثل هذا الكلام الذي نسمعه اليوم، لأننا نطالب بشيء هو مشاركة حقيقية في السلطة. نعم، إنه حق من حقوقنا، وعند إلغاء الطائفية السياسية تروننا الأولين. ونحن لم نأل جهداً ولم نوفر فرصة لتحقيق الشركة الحقيقية بين المكونات السياسية والطائفية، ليظل لبنان الوطن النهائي الجامع لكل بنيه».
ـ اتصالات التشكيل ـ
الخلاف كبير بين الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري، لكنه «لا يفسد في الود قضية»، ولن يعرقل عملية تأليف الحكومة «الواقعة» عند عقدة وزارة المردة، واصرار حزب الله وحركة امل على اسناد وزارة وازنة واساسية للحليف سليمان فرنجية والا فانهما لن يشتركا في الحكومة. فالتنسيق بين بري وفرنجية يمثل كل المسائل، ولا يمكن لبري ان ينسى مواقف فرنجية الداعمة، فيما «رجل الوفاء» الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله كان واضحاً بقوله «فرنجيه نور عيني»، ولا يمكن لحزب الله ترك اي حليف، فكيف اذا كان بوزن وحجم فرنجية. لكن الرئيس بري يؤكد ان وزارة فرنجية يجب ان تكون من الحصة المسيحية، واقترح انه على استعداد لاعطاء وزارة الاشغال لفرنجية.
هذا على الصعيد الشيعي، اما على الصعيد المسيحي، فان التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية يرفضان اعطاء حصة وازنة لفرنجية وكتلته لا تتجاوز 3 نواب، رغم ان التيار الوطني الحر يؤكد ايضا ان حصته الوزارية يجب ان تفوق حجم حصة القوات اللبنانية ورغم التحالف بينهما، والتيار الوطني الحر يملك كتلة نيابية من 21 نائباً والقوات اللبنانية كتلة من 8 نواب. لذلك فان التيار الوطني الحر، يعمل على ان تكون حصة القوات اللبنانية والكتائب والمردة والحريري والارمن مجتمعة توازي حصة التيار الوطني الحر مع حق رئيس الجمهورية بالحصول على 3 حقائب اسوة بباقي العهود، فيما القوات اللبنانية تصر على ان تكون حصتها وازنة وان يكون دعم التيار الوطني الحر لها، كما يدعم حزب الله وحركة امل النائب فرنجية، مطالبة بالحصول على وزارة سيادية واساسية.
وفي المعلومات، ايضا ان الرئيس سعد الحريري طالب بالحصول على وزيرين مسيحيين لان كتلته تتجاوز 33 نائباً وفيها حجم مسيحي لافت.
ورغم هذه التعقيدات، فان الاجتماعات متواصلة عبر علي حسن خليل وجبران باسيل ونادر الحريري وملحم رياشي وينضم اليهم احياناً غطاس خوري والحاج وفيق صفا لتذليل العقبات. وقد ادت هذه الاتصالات الى حسم موضوع الوزارات السيادية. ويبقى الصراع على وزارات الخدمات قبل الانتخابات النيابية، وستأخذ القوات حصة وازنة، لكن المشكلة لمن تسند وزارة الاشغال والطاقة والاتصالات، في ظل اصرار بري على ان تكون احداها لفرنجية، وعندها ستطالب القوات بوزارة من هذه الوزارات.
الولادة تنتظر حل هذه العقدة، لكن تسريبات المحت الى امكانية اعتذار الرئيس سعد الحريري عن التكليف واجراء مشاورات نيابية جديدة ستسمي الحريري مجدداً وتعطيه دفعاً للاسراع في التشكيل بعيدا عن الاستيزار، لكن المشكلة اكبر من حكومة، وتتلخص «بمن سيصرخ اولاً، وهنا المشكلة والذي سيخسر المواجهة سيصرخ اولاً وسيتراجع.