معلوم يقيناً أنّ «حزب الله» لم ولن يضع نصب عينيه سوى المصلحة الإيرانية العليا ومن بعدها الطوفان، هكذا تقول أفعاله، وعلى هذا تقوم ارتكاباته على امتداد الساحات العربية والإسلامية والدولية. فحيثما تطأ أقدام مقاتلي الحزب وخلاياه ثمة محرك إيراني «يقرّش» عضلاته العسكرية ويجيّرها لحساب طهران في حربها المفتوحة مع العالم العربي وبازاراتها المفضوحة مع العالم الغربي.. وما استعراض «القصير» العسكري في أبعاده الإقليمية والدولية سوى رسالة إيرانية جديدة مزدوجة الأهداف، جامعةً بين انتهاك السيادة العربية وابتزاز السياسة الغربية غداة بلوغ الجمهوريين عتبة البيت الأبيض مع ما يعنيه ذلك من احتمالات أفول التسامح الديموقراطي «الأوبامي» إزاء الانفلاش الإيراني في سوريا والعراق وعموم أرجاء المنطقة العربية. لكن إذا كانت عراضة «القصير» معلومة المرامي إقليمياً وأميركياً، غير أنّ شعاع انعكاساتها لم يحُل دون وضع الساحة الداخلية أمام سؤال يثقل كاهل العهد العوني ويقوّض انطلاقته، بعدما رسم علامات استفهام محورية حول حقيقة تعاطي «حزب الله» مع خطاب القسم بأبعاده الوطنية والسيادية.

استعراض «حزب الله» في القصير لم يقتصر في مفاعيله المحلية السلبية على تقويض انطلاقة العهد الجديد فحسب، بل تعداه إلى حد توريط الجيش اللبناني ووضعه 

تحت مجهر المساءلة الأميركية عن مصدر ملالات الـ«M113» التي بدت في الاستعراض وأثارت الشبهة حول احتمال كونها انتقلت من الجيش إلى الحزب. الأمر الذي سارعت قيادة المؤسسة العسكرية إلى نفيه نفياً قاطعاً مؤكدةً في بيان أمس أنّ «الآليات العسكرية التي تناقلتها وسائل الإعلام (لاستعراض القصير) ليست من مخزون الجيش اللبناني وغير عائدة له». في وقت كانت الناطقة باسم الخارجية الأميركية إليزابيت ترودو قد أعلنت أنّ واشنطن فتحت تحقيقاً في الصور التي أظهرت مدرعات أميركية الصنع في العرض العسكري الذي نظمه «حزب الله» في القصير السورية للتأكد مما إذا كانت في عهدة الجيش اللبناني وانتهت بين يدي «حزب الله» بوصفه منظمة مصنّفة «إرهابية».

وأمس، توقفت كتلة «المستقبل» النيابية أمام تداعيات عرض «القصير» العسكري، فرأت خلال اجتماعها الدوري في بيت الوسط برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أنه أتى بمثابة «رسائل يرسلها حزب الله في مختلف الاتجاهات أولها تأكيده من جديد أنه يقدّم مصلحة إيران على المصلحة الوطنية، وثانيها توجيهه رسائل تهديد دولية وإقليمية وأخرى داخلية للدولة اللبنانية خاصة»، معتبرةً أنّ قيام الحزب بهذه الخطوة فيه «دلالة على عدم اكتراثه بمصلحة لبنان واللبنانيين، ولا بانطلاقة العهد الرئاسي الجديد التي شددت على استعادة الدولة لدورها وحضورها وهيبتها كما أكد عليها خطاب القسم للرئيس ميشال عون».

مكافحة الفساد

وفي سياق متصل بآمال اللبنانيين المعقودة على انطلاقة العهد الجديد وتعطشهم لسيادة الدولة على ما عداها من «دويلات» وسيادات مصطنعة ترعى الفساد والإفساد تحت سلطة الأمر الواقع وسطوة السلاح الميليشيوي، برز أمس خبر توقيف أحد أكبر رؤوس التهريب للأجهزة الخليوية، كامل أمهز، لترتفع مع هذا الخبر أسهم مكافحة الفساد والأمل بإقفال الجيوب المافيوية الخارجة عن القانون والمكبدة لخزينة الدولة خسائر تقدر بمليارات الدولارات. 

وفي التفاصيل، أنّ أمهز استدعي إلى التحقيق أول من أمس لدى شعبة المعلومات على خلفية اعتراف عسكريين أحدهما في قوى الأمن الداخلي وآخر في الجيش أنهما يعملان لحسابه بعدما ضُبطا متلبسين بإدخال أجهزة خلوية مهربة إلى لبنان عبر المطار من دون إخضاعها للرسوم الجمركية. وأوضحت مصادر أمنية لـ«المستقبل» أنه في ضوء التهم المثبتة عليه تم توقيف أمهز بإشارة من القضاء المختص، مشيرةً إلى أنه سيُصار اليوم إلى إحالته على المحكمة العسكرية نظراً لارتباط عسكريين بالجرم المسند إليه وإلى النيابة العامة المالية ربطاً بالجرائم المالية الناتجة عن ارتكاباته.