كذبت اتحادات ونقابات اتحاد النقل البري وصدقت كذبتها. في مضمون الكذبة انها مستمرة في تحركها الى حين اعادة المعاينة الميكانيكية الى كنف الدولة، وادخال البدلات الناتجة من العملية الى الخزينة العامة، أي حرصها على المصلحة العامة في حين انها تعطل مصالح الناس وتقفل الطرق أمامهم. وفي تداعيات الاضراب المستمر ان اللبنانيين باتوا متأخرين في إجراء المعاينة وتسديد الرسوم، وان الشركة المستمرة تحت شعار "تسيير المرفق العام" ستجني المال الوفير من جراء تهافت اللبنانيين على المراكز فور توقف الاضراب، وان المواطنين سيزداد شقاؤهم من الانتظار في صفوف طويلة نتيجة التأخير، وانهم قد يدفعون رسوم التأخير في المصارف. والأسوأ في التداعيات انكشاف عجز الدولة عن رفع شاحنتين متوقفتين عند مدخل مراكز المعاينة، وعجز القوى الامنية عن التعامل بحزم مع أي تحرك احتجاجي مهما كان بسيطاً.
أما في الخلفيات السياسية للموضوع، فقد صرح مصدر نيابي لـ"النهار" بانه صراع مصالح بين شركات خاصة كل منها تتبع فريقاً سياسياً، ونهج ميليشيوي تعمد افتعال مشكلة المياومين في الكهرباء وهو يريد حالياً نقل المشكلة الى الميكانيك، ومفادها رفض مبدأ الخصخصة، واعادة العمل الى كنف الدولة ليصبح معه ادخال الموظفين الى الادارات العامة ممكناً بوفرة، لأن الشركات الخاصة توقع عقود عمل موازية لمدة تعاقدها وفقاً للمناقصة التي فازت بموجبها، وانها ترفض "حشر" موظفين لا حاجة اليهم بعكس ما يجري في مؤسسات الدولة. وقال ان عدداً من الوزراء وقع عقود عمل وتعاقد بالعشرات في 31 تشرين الاول، أي في يوم انتخاب رئيس الجمهورية، وقبل ساعات من اعتبار الحكومة في وضع تصريف الاعمال.
واعتبر المصدر النيابي ان عدم المضي بالخصخصة في قطاعات كثيرة يعني تحويلها على مثال مؤسسة كهرباء لبنان، عاجزة عن الجباية، وعن الانتاج، ومكبلة بالحسابات السياسية. ولاحظ ان إلغاء المناقصة لمصلحة احدى الشركات قد يكون صحيحاً إذا ما تم التعجيل في انجاز مناقصة جديدة ربما عادت فيها الشركة نفسها إذا قدمت عروضاً تنافسية جيدة. وافاد انه علم من أحد الوزراء ان العرض الفائز، والملغى لاحقاً، كان جيدا، وان زيادة رسم عشرة آلاف ليرة للمعاينة في مقابل فتح 17 مركزاً، ومكننة العمل، وزيادة عدد الموظفين تشكل خدمة ممتازة لا يمكن الدولة ان تقوم بها بأقل من التكلفة المطروحة.
وقد نفذت اتحادات ونقابات اتحاد النقل البري اعتصامها أمام وزارة الداخلية أمس، بعد مسيرات سيّارة انطلقت منذ الصباح الباكر من مناطق عدة. وأكد رئيس اتحادات النقل البري بسام طليس خلال الإعتصام "الإستمرار في إقفال مراكز المعاينة الميكانيكية والتظاهرات والاعتصامات حتى تستعيد الدولة هذه المراكز جباية وادارة"، كاشفاً عن وعود من بعض المسؤولين بإيجاد حل. ودعا الى اجتماع يُعقد عند الحادية عشرة قبل ظهر الاثنين المقبل في مقر الاتحاد العمالي العام، لتحديد موعد للإعتصام امام مصلحة تسجيل السيارات في الدكوانة. وأعلن استمرار قطاع النقل في التحرك اسبوعياً، والاعتصام أمام المراكز الميكانيكية الى حين بت كل المواضيع واقرارها، مؤكداً ان "لا مشكلة شخصية مع وزارة أو وزير الداخلية، إلاّ ان معظم المشكلات عالقة مع ادارات تابعة لهذه الوزارة بشكل مباشر".
الحكومة الجديدة
أمّا سياسياً وعلى خط التأليف الحكومي، فأبلغ مصدر مطلع "النهار" ان عملية التأليف ماضية على قدم وساق، وان كل ما يثار حولها غير دقيق، اذ ان المعنيين المباشرين بها وهم الوزيران جبران باسيل وعلي حسن خليل والسيدان نادر الحريري ووفيق صفا يمتنعون عن الكلام أو عن الادلاء بمعلومات. اما المحيطون بالمسؤولين لدى معظم الجهات فليسوا في اجواء المفاوضات الفعلية. وتشير المعلومات المتوافرة الى ان مشكلة "حصة القوات" لم تجد لها حلاً، وان الاقتراح الاخير يقضي بتسمية حزب "القوات" وزيراً ارثوذكسياً يتولى نيابة رئاسة الحكومة من غير ان يحصل على حقيبة سيادية في مقابل حقيبتين وازنتين للحزب. ونقل زوار بعبدا ان التفاؤل بإمكان ولادة الحكومة قبل الاستقلال دونه عقد ومطالب كثيرة ولذلك كان اعلان رئيس الجمهورية ان حكومة العهد الأولى ليست هذه الحكومة بل تلك التي تأتي بعد الانتخابات، تخفيفاً لضغط المطالَب.
وقال رئيس مجلس النواب نبيه بري أمام زواره أن الأمور لا تزال جيدة حيال تشكيل الحكومة وان "أجواء الحلحلة مستمرة وهي تشهد تقدماً ترافقه بعض العقد التي يجري العمل عليها".
وسئل هل هذه العقد مستعصية، فأجاب: "لا عقد كبيرة أو صغيرة أي واحدة منها تؤخر الحكومة أياً كان حجمها. ونسعى جميعنا الى ان تولد الحكومة قبل 22 تشرين الثاني". وأوضح ان "الشغل الآن يتم على حكومة من 24 وزيراً بدل 30، علماً ان وزراء الدولة لا مشكلة حيالهم". وكشف انه كان اتفق والرئيس سعد الحريري على إحداث حقيبة للمرأة وإسنادها إلى وزيرة على ان يصدر قانون بها في وقت لاحق وسريع. وفي الامكان ان تكون هذه الحقيبة ضمن الحقائب الـ 24 وأنا في مقدم المؤيدين لاستحداثها".
وفي سياق متصل، أعرب نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري عن استياء متصاعد لدى مراجع طائفة الروم الارثوذكس جراء تهميش دورها في المشاورات الجارية لتأليف الحكومة ومحاولات تغييبها. ولفت مكاري عبر "النهار" الى "انزعاج واسع يسود مراجع الطائفة التي تكاد تبدو للبعض كأنها غير موجودة او كأنها فرق عملة بين الاحزاب، فيما لم يراجع لا البطريرك الارثوذكسي ولا مطران بيروت ولا أي مرجع سياسي من مراجع الارثوذكس ومسؤوليهم". واذ أشار الى انه لم يصوت لانتخاب الرئيس عون ولكنه صوت لتكليف الرئيس الحريري أضاف: "مع ذلك أشعر بوجود تهميش للطائفة التي تتفاوض احزاب وقوى اخرى على وزرائها وحقائبها". ولفت الى ان في كتلة "المستقبل" وحدها ستة نواب ارثوذكس مما يستدعي تنبه الرئيس الحريري أيضاً لهذا الامر.