لعلها المرّة الأولى والاستثنائية لمقاومة اعتادت أن تضمر قوتها وأن لا تظهر سلاحها وسط الأعداء وأن تتموه حيث تتواجد وحيث تتحرك ومن الصعب أن تعرف خطواتها طالما أنها تلبس قبعة الإخفاء ولا تراها الأعين ولا وسائل الرؤية الأخرى ما دامت تتقن فن العمل السري .
هكذا وبدون مقدمات خرجت قوّة مقاومة حزب الله في القصير السورية الى العلن وبرزت كحشد عسكري مقاتل وغير استعراضي وفي هذا رسائل متعددة للصديق وقبل العدو بأن قدرات الحزب متوفرة في كل الأمكنة وليست محتشدة الآن في حلب وهي أكبر من أن تُعد أو تحصى حتى لا يظنن القاصي والداني بأن حزب الله محشور في زاوية الحرب السورية وغير قادر على التواصل سياسياً وأمنياً وعسكرياً مع ضرورات المرحلة الجديدة والتي استجدت مع وصول الجمهوريين الى البيت الأبيض على ضوء برنامج انتخابي كان التخلص من الاتفاق النووي بين ايران والمجموعة 5+1 من أبرزعناوينه ومضامينه. .
كما أن الاستعراض جاء عشية التشكيل الحكومي ولحظة الاعداد للبيان الوزاري بعد جدل سلبي حول الحصص الوزارية وطبيعة الأسماء ومفردات البيان واللعب على الألفاظ ودفع لبنان باتجاه خيارات عربية قد تلاقي الرئيس الأمريكي الجديد في مسعاه لتطويق ايران .
هذا الاستقراء البعيد المدى لقرّاء السياسة المحلية أظهر بُعد العرض العسكري لحزب الله رغم أن ذلك يتناقض مع رؤيته في العمل الميداني والتي تختزن التجربة السرية ولا تعتمد مبدأ الظهورالعلني كون سرية المقاومة قد شكلت في السابق إحدى علاماتها المضيئة وأبرز مميزاتها وأكبر نتائج نجاحاتها الكبرى .
مما لاشك فيه ولا ريب بأن حزب الله لا يستعرض عضلاته للاستعراض فقط فهذا مناف للقواعد التي يعتمدها حزب الله في حركته لذا يصح أخذ هذه القراءة على محمل التفكير بمرحلة ليست سهلة طالما أن هناك قواعد لعبة سوف تتغير مع الادارة الأمريكية الجديدة وساحة ايران ستكون المحور الأساسي في عملية التغيير لهذا كان حزب الله سريعاً في استخدام حق الردّ على أي طارىء من شأنه أن يقيد الدور الايراني في المنطقة ويعيد محاصرة ايران على خلفية دورها في البرنامج النووي .
طبعاً لا يمكن استبعاد اسرائيل عن المستجد في السياسة الأمريكة خاصة وأن الجمهوريين أكثر التصاقاً بمصالح الدولة العبرية لذا كان سلاح الاستعراض موجهاً في أكثريته الى العدو الأساسي اذا ما فكر الأميركي في تعديل وجهة نظره من دور الجمهورية الاسلامية الايرانية على ضوء مناطق النفوذ الجديدة في منطقة الشرق الأوسط من هنا راح حزب الله باتجاه عرض بعض القوّة كي يقول كلمته ويمشي حيث يجب أن يصل .
كما أن عرض القصير العسكري جاء كدس نبض للرئاستين اللبنانيتين لمعرفة موقف العدو من الصديق من سلاح حزب الله ودوره في المنطقة .