في الزيارة الثانية لبعبدا بعد تكليفه، لم يقدّم الرئيس سعد الحريري الى رئيس الجمهورية ميشال عون أي مسوّدة حكومية، بل حمل اليه أفكاراً هي حصيلة المشاورات التي أجراها حتى الآن مع القوى السياسية المعنية بالتشكيل الحكومي. فلا ولادة حكومية قبل الاستقلال، والتحضيرات اللوجستية في جادة شفيق الوزان للاحتفال الرسمي بعيد الاستقلال أخذت في الاعتبار هذه المسألة، فتمّ وضع كرسييْن لكل من رئيس حكومة تصريف الاعمال تمام سلام عن يسار رئيس الجمهورية، وللرئيس المكلَّف سعد الحريري عن يمين رئيس مجلس النواب الذي يوضع كرسيه بروتوكولياً عن يمين الكرسي الرئاسي الذي يجلس عليه الرئيس عون، في مناسبة تعود هذه السنة مع كثير من الدلالات، بعد غياب الرئيس والاحتفال الرمزي لسنتين متتاليتين.

وبدا واضحاً أن زيارة الحريري للقصر الجمهوري لن تكون الاخيرة قبل إعلان المراسيم الحكومية، بل يتوقّع أن تعقبها مشاورات مماثلة خلال الايام المقبلة، الى ان يخرج الدخان الأبيض من بعبدا بوضع الرئيس عون مع الرئيس الحريري الأسود على الأبيض والاسماء على الحقائب في عملية تكاملية لا تنتهي الا عند طباعة المراسيم في دوائر القصر الجمهوري.
قد تكون زيارة الرئيس الحريري لرئيس مجلس النواب عبّدت مجدداً الطريق بين "بيت الوسط" وعين التينة، وقد يكون تسلّم فيها الحريري لائحة المطالب والحقائب التي قدّمها رئيس مجلس النواب باسم حركة "أمل" و"حزب الله" وفريقهما، إلا أنها خطوة أولى على طريق الألف ميل الى الجوجلة النهائية واعلان مراسيم التشكيل، خصوصاً ان بري ينتظر من الرئيس المكلَّف حسماً للحصة والحقائب ليخرج من جيبه الاسماء التي ستشغلها، وهذه المسألة ما زالت مدار أخذ وردّ في انتظار تبلّغ رئيس المجلس الحسم النهائي لوزارة المال من حصته، فضلاً عن ان حقيبة "المردة" لم تحسم بعد.
وفي المقلب الآخر، علم أيضاً أن قضية الفيتو الموضوع على "القوات اللبنانية" في تولّي حقيبة سيادية لم تعالج بعد، كما لم تحسم حصتها في الحقائب والمقاعد الأخرى.
في أي حال، تشير مصادر متابعة لعملية التأليف، الى أن ليس أمام الحكومة المقبلة مشكلة الثلث المعطّل الذي كانت تصطدم به الحكومات السابقة، ولا فيتو من أحد على أحد، والجميع يريد التسهيل. كما أن أحداً لا يطالب بأمور مستحيلة، الا ان العقبات القائمة يمكن تجاوزها بالتنسيق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف.
لم تشأ المصادر الحسم في ما إذا كانت التشكيلة التي يعمل على وضعها الرئيس الحريري مؤلفة من ٢٤ أو ٣٠ وزيراً، باعتبار أن هذه المسألة ايضاً تبتّ بين الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية.
وتتحدّث هذه المصادر عن تقدم مسار التأليف وعن جدية وتعاون من جميع الاطراف السياسية لتسهيل عملية التشكيل، خصوصاً أنها حكومة مهمتها محددة بإجراء الانتخابات النيابية. أما شكل القانون، فوفق هذه المصادر "لا أحد يريد حرق المراحل، وهناك مسار دستوري يجب احترامه بتشكيل الحكومة ونيلها الثقة قبل أن تبدأ العمل فتحيل مشروع قانون انتخاب الى مجلس النواب".
رغم كل الإيجابية التي يحرص الجميع على إظهارها، ورغم الإجماع على أن كل العقد قابلة للحلّ، ورغم أن الرئيس المكلَّف يبدي رغبة في إنجاز تشكيلته الحكومية بأسرع وقت ممكن، ورئيس الجمهورية يريد اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وأي تأخير في ولادة الحكومة قد يؤثر في موعد هذا الاستحقاق كما في قانون الانتخاب، فضلاً عن ان اي إطلالات رئاسية خارجية تستوجب معنوياً قيام حكومة جديدة، رغم كل هذا، لم يوضع شيء بعد في "بازل" التشكيلة الحكومية.

 

النهار