وعد "التيار الوطني الحر" محازبيه والمسيحيّين عموما قبل أشهر قليلة باستعادة حقوقهم بـ"الأظافر والأسنان". ويبدو أنه بدأ ذلك بانتخاب مجلس النواب أخيرا مؤسّسه العماد ميشال عون رئيسا للجمهوريّة. وهو يحاول الآن المتابعة من خلال الحكومة الأولى للعهد الجديد، وذلك بالإصرار على المداورة في الحقائب الوزارية العاديّة والسياديّة، وبرفض تعديل "اتفاق الطائف" بجعل وزارة المال من نصيب الشيعة.
وهذا ما يحاول الرئيس نبيه برّي زعيم "أمل" والشريك في "الثنائيّة الشيعيّة" فعله، مُعتمدا على أقوال تُفيد أن ذلك أُقرّ في "الطائف" عام 1989 أو تمّ البحث فيه، ومُعتمدا أيضا على اعتصام "عرّاب الطائف" الرئيس حسين الحسيني بالصمت حيال هذا الموضوع رغم احتفاظه وحده بمحاضر اجتماعاته. وبعد تأليف الحكومة، وخصوصا إذا تمّ في سرعة، سيساعد "التيار" الرئيس المسيحي "القوي" لترسيخ "الميثاقية" ولاستعادة صلاحيات أطاح "الطائف" بعضها.
ووعد "حزب القوات اللبنانية" المسيحيين بـ"رئيس صُنع في لبنان" ونفّذ وعده في رأيه. ولم يكن لينجح في ذلك لولا تفاهم حزبه مع حزب الرئيس الجديد عون ثم ترشيحه، ولولا علاقته التحالفيّة رغم اهتزازها مع "تيار المستقبل"، ووعدهم بتمثيل قوي في الحكومة معتبرا أنه مع حليفه الجديد يمثّلان غالبية المسيحيّين، وهذا واقع، ولكن ما يتجاهله الاثنان ربما أن هذه الغالبية ليست "ساحقة" حتى الآن مثل "الثنائيّة الشيعيّة". فهل تصبح مثله؟ ربما.
ووعد "تيار المردة"، الذي تمثّل غالبيته قسما مهمّا من مسيحيّي قضاء زغرتا – الزاوية، أنه سيوصل رئيسه النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية. وهو كاد أن ينجح في ذلك بعد اتفاقه قبل نحو سنة مع الرئيس سعد الحريري، وحصوله على بركة المملكة العربيّة السعوديّة والفاتيكان وفرنسا وأمريكا.
لكن حليفه "حزب الله" منعه من تحقيق طموحه السياسي، ومن توظيفه لاستعادة الوضع المسيحي الجيد في الدولة اللبنانية. وأيّد ذلك حليفه الأوّل "سوريا الأسد" كما سمّاها دائما. طبعا عاند فرنجية، ولم يتنازل عن حقّه طوال سنة تقريبا. لكنه وحلفاءه الآخرين لم يقطعوا الخطوة اللازمة التي توصله إلى بعبدا رئيسا، لأن "الأولويّات الوطنيّة والقوميّة والعربيّة" تفرض دائما نفسها على أي شيء آخر. والتيار الآن ينتظر من حليف حليفه برّي أن يؤمّن له تمثيلا وزاريّا مهمّا بعضه سيادي إن أمكن. لكنّه ينتظر أمرا آخر في رأي كثيرين أو يفترض أن ينتظره بعد انتهاء ولاية الرئيس عون "العين" الأولى لسماحة السيد حسن نصرالله، وهو أن يخلفه باعتباره "العين" الثانية له.
أما حزب الكتائب، فلا يمانع في تمثيل وزاري أقل من تمثيله في الحكومة التي تصرّف الأعمال حاليا رغم معارضته كل شيء. لكن النوع أمر آخر على الصعيد المسيحي. ماذا على الصعيد المسلم؟
يعتقد زعيم "المستقبل" الرئيس سعد الحريري أنه سيستعيد السنّة الغاضبين من أمور كثيرة، علما أن غالبيتهم لا تزال معه كونه "ابن رفيق الحريري"، وكونه يمثل الاعتدال السُنّي. من خلال الحكومة التي سيُؤلّف قريبا، والانتخابات النيابية المقبلة. والأمران صحيحان. لكن هل الذين أتوا به بعد ضعف أصابوه به سيسمحون له باستعادة قوّته؟
أما الشريك في "الثنائيّة الشيعيّة" الرئيس نبيه برّي المُفوّض التفاوض على تمثيلها الحكومي كما على تمثيل حلفائها من مسيحيّين وأحزاب، فإنه يقوم بالمهمّة بهمّة ونشاط. لكن يخشى كثيرون أن يندفع فيتجاوز التفاوض إلى التقرير. فهل القرار في صلب التفويض أم يبقى للثنائي أم للأقوى؟ ومن هو الأقوى؟ علما أن الظروف الإقليميّة الراهنة تستوجب الاقتراب من الاندماج. وعلما أيضا أن برّي ليس "ابن مبارح" في السياسة.
في اختصار على كل من لا يزال يعيش في الأوهام من اللبنانيّين أن يدرك أن الإيجابيّات التي بدأت بانتخاب عون رئيسا، وبتكليف الحريري تأليف الحكومة، وببدء المتخاصمين التعاطي مع بعضهم بتهذيب فائق والتواصل مع مواطنيهم بطريقة لم يألفوها، على هؤلاء أن يدركوا أن الذي صنع الرئيس من داخل ومن خارج هو الرابح مبدئيا الآن، وأنه يعمل كي ترسّخ الخطوات اللاحقة للانتخاب الرئاسي موقعه وفوزه، وهذا أمر يحتاج إليه في "الكرّ والفرّ" الجاري الآن في سوريا والعراق واليمن، والصراع بين السعودية وإيران وروسيا وأمريكا، وداخل أمريكا. والاثنان أي "الكرّ والفر" لا تزال نتائجهما النهائية مجهولة أو غير واضحة على الأقل.
النهار