تمهيد: في اللغة
اللّحنُ واللحن، بتسكين الحاء وفتحها، واللّحانةُ واللّحانية: تركُ الصواب في القراءة والنشيد ونحو ذلك، لحن يلحنُ لحناً ولُحوناً، ورجلٌ لاحنٌ ولحان ولُحنة: يُخطئ، وفي المحكم: كثير اللّحن، والتلحين: التخطئة. وفي الحديث: أنّ النبي (ص) قال: إنّكم تختصمون إلي ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحُجّته من بعض (اي أفطن لها وأجدل) ،فمن قضيتُ له بشيء من حقّ أخيه فإنّما أقطع له قطعةً من النار؛ وقال ابن الأثير: اللحنُ الميلُ عن جهة الاستقامة؛ يقال: لحن فلانٌ في كلامه إذا مال عن صحيح المنطق، وأراد أنّ بعضكم يكون أعرف بالحجّة وافطن لها من غيره.
والعرب كانت تكره اللّحن وتنفر منه، فقد سمع أعرابي مُؤذّناً يقول: اشهد انّ محمداً رسول الله بنصب رسول، فقال: ويحك! يفعل ماذا؟. وقال مسلمة بن عبدالملك: اللحن في الكلام أقبح من الجُدري في الوجه، وقال عبد الملك : اللحن في الكلام أقبح من التفتيق في الثوب النفيس، ودخل رجل على زيادٍ فقال له: إنّ أبينا هلك، وإنّ أخينا غصبنا على ميراثنا من أبانا؛ فقال زياد: ما ضيّعت من نفسك أكثرُ ممّا ضاع من مالك.
وكان عليه أن يقول طبعاً: إنّ أبانا هلك، وإنّ أخانا غصبنا على ميراثنا من أبينا.
١- جوقة المقاومة والممانعة
هؤلاء الفرسان الذين يدّعون الذود عن حياض المقاومة والملّة، فيستبيحون شاشات التلفزة وصفحات الجرائد، فيُتخموننا بمقالاتهم المكرّرة والملحّنة، ولا يملّون من تردادها، وكأنّي بهم وقد سمعوا نصيحة الراحل صلاح عبد الصبور عندما قال:
وسقطُ القول قد يعلو بأجنحةٍ من الترديد.
والأدهى أنّه قلّما تشهد برنامجاً حوارياً إلاّ ويحضره واحدٌ من هذه الجوقة منفرداً أو مشاركاً مع زميلٍ له، وما زال السيد وئام وهاب حاملاً قصب السبق في هذا المضمار، يتبعهُ السادة "الميامين": عبد الساتر وزهران وجواد وفياض ونصرالله وأبو فاضل، ونقتصر على أشهرهم، حتى إذا بهُتت صورة أحدهم، خرجت علينا وجوهٌ جديدة، تجعلنا نترحم على أسلافهم، ويبقى أنّ مثلنا كمثال ذاك الأعرابي الذي دخل السوق فسمعهم يلحنون ،فقال: يا سبحان الله يلحنون ويربحون! ونحن لا نلحنُ ولا نربح. يعتقد الأعرابي أنّ الأولى أن يخسروا طالما يحيدون عن الاستقامة، ونحن خلف جدّنا الأعرابي في السذاجة "والاستقامة" لا نعرف اللحن ولا من أين تؤكلُ الكتف كما يقول الدُّهاة والعارفون بواطن الأمور.