على الرغم من النجاحات التي حققتها على الأرض خلال الأشهر الماضية في معاركها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وضد فصائل المعارضة السورية في بعض معارك شمالي حلب، إلا أن إعلان "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) عن تصدّيها لمعركة تحرير مدينة الرقة، مدعومة من طيران التحالف الدولي، أثار شكوكاً لدى بعض المراقبين، حول قدرة هذه المليشيات التي يهيمن عليها المقاتلون الأكراد، على إنجاز هذه المهمة لوحدها. عند تأسيس "قسد" قبل عام كامل، انضم إليها نحو 20 ألفاً من المقاتلين الأكراد، وما يقارب خمسة آلاف من الفصائل العربية والسريانية، ويشمل مجال عملياتها محافظات حلب والحسكة والرقة ودير الزور. وضم التشكيل الجديد فصائل تعلن عن نفسها بأنها جزء من "الجيش الحر"، كـ"جيش الثوار" و"لواء ثوار الرقة"، وأخرى تقاتل إلى جانب النظام في الحسكة، كمليشيا "جيش الصناديد" برئاسة دهام الهادي، حاكم "كانتون الجزيرة"، تحت حكم "الإدارة الذاتية" المعلنة من قبل "حزب الاتحاد الديمقراطي"، يتلقى أفراده دعماً مباشراً من النظام.
وأفاد البيان التأسيسي لهذا التحالف في حينه بأن "الهدف من قسد هو إقامة سورية ديمقراطية يتمتع فيها جميع المواطنين بالحرية والعدل والكرامة ومن دون إقصاء لأي مكون من حقوقه المشروعة". وعن التشكيلات العسكرية المنضوية تحته، فهي وحدات حماية الشعب (الكردية)، ووحدات حماية المرأة (الكردية)، والتحالف العربي المكون من جيش الثوار وغرفة عمليات بركان الفرات وقوات الصناديد وتجمع ألوية الجزيرة، فضلاً عن المجلس العسكري السرياني، أو وحدات الحماية السريانية (السوروتو) الذين ينقسمون إلى قسمين يدعم النظام السوري أحدهما، بينما يدعم الأكراد القسم الثاني.
وقد تلقت هذه القوات فور الإعلان عن تشكيلها، دعماً سياسياً وعسكرياً من الولايات المتحدة، التي رأت فيها الشريك الأمثل على الأرض لمحاربة تنظيم "داعش"، على الرغم من موقف تركيا التي تعتبر المكون الكردي فيه امتداداً لـ"حزب العمال الكردستاني" المصنف من جانب أنقرة، كـ"تنظيم إرهابي".
وقد كانت باكورة عمليات القوة الجديدة بالاسم، والقائمة على الأرض بالفعل من قبل تحت مسميات أخرى، السيطرة نهاية العام الماضي على سدّ تشرين الواقع على نهر الفرات في منطقة منبج بريف حلب، إضافة الى السيطرة على الكثير من القرى والبلدات العربية، سواء تلك الواقعة تحت سيطرة تنظيم "داعش" أم فصائل المعارضة السورية. وآخر تلك المناطق هي مدينة منبج في ريف حلب الشرقي، في شهر أغسطس/ آب من العام الماضي، بدعم من طائرات التحالف الدولي، والتي كبّدت هذه القوات نحو 300 قتيل. ولعل المأخذ الأساسي الذي يجعل "قوات سورية الديمقراطية" محل انتقاد وشك من جانب معظم فصائل المعارضة السورية، هو عملها بشكل ضمني أو مكشوف أحياناً مع النظام السوري.
واستندت الفصائل إلى جملة من الوقائع التي تؤكد هذا التنسيق بين الجانبين، وآخرها "تسليم" قوات النظام قبل أيام، مبنى مدرسة المشاة الواقعة على أطراف مدينة حلب من الجهة الشمالية الشرقية، إلى "قسد" من دون قتال، بعد انسحاب "داعش" منها، وذلك خشية وقوعها في يد قوات "درع الفرات" التي تدعمها تركيا.
كما جرت في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اشتباكات بين قوات النظام و"قسد" من جهة، مع فصائل "الجيش السوري الحر" من جهة أخرى، خلال سيطرة الأخيرة على قريتي تل المضيق وتل جيجان، جنوب شرقي مدينة مارع، ألقت خلالها مروحيات النظام براميل متفجرة على مناطق سيطرة "الجيش السوري الحر". كما جرت اشتباكات مماثلة في 21 الشهر الماضي، بعد إعلان قوات "درع الفرات" نيتها التوجه إلى مدينة تل رفعت في ريف حلب الشمالي، لانتزاعها من أيدي الوحدات الكردية، التي سيطرت عليها منتصف فبراير/ شباط الماضي، بعد أن كانت تسيطر عليها المعارضة السورية، إضافة إلى بلدتي منغ وعين دقنة. حتى أن القيادي في "الوحدات الكردية"، ريزان حدو، رحّب بـ"الجيش السوري الشرعي ودعمه لنا بالسلاح والأفراد"، معلناً تأسيس ما سماه "المقاومة الوطنية السورية"، لمواجهة "الجيش السوري الحر" المدعوم تركيّاً. غير أن "قسد" تتعرض للمزيد من التصدعات، بسبب سياسة قيادتها التي تعمل على إقصاء العنصر العربي، وتعمل على أجندة سياسية مغايرة لأهداف الثورة السورية، وقد بدأت مؤشرات هذه التصدعات في الظهور، مع انطلاق عملية "درع الفرات" قبل أشهر عدة.
الفصيل الأول الذي انشق عن "قسد" هو "لواء التحرير"، عقب اشتباكات بين عناصره و"وحدات حماية الشعب" الكردية التابعة لـ"قسد" في قرية القنيطرة بريف الرقة الشمالي، بعد انسحاب اللواء من مدينة تل أبيض.
وقال قائد "لواء التحرير" عبد الكريم العبيد، المعروف باسم أبو محمد كفر زيتا، في تسجيل مصوّر حينها، إن "قيادات الفصائل المنضوية في تحالف قسد مهمشة بشكل كامل، من قبل وحدات حماية الشعب الكردية".
وعزا ناشطون الانشقاق إلى رفض "لواء التحرير" سلوك "قسد" تجاه المكونات العربية والتركمانية في ريفَي الرقة وحلب الشرقي، وهو رفضٌ تصاعد بعد دخول "الجيش السوري الحر" إلى مدينة جرابلس، بدعم من الجيش التركي، إذ رفض اللواء القتال ضد "الجيش الحر" في ريف منبج، شرقي حلب. وشمل الحديث عن الانشقاقات "لواء ثوار الرقة" بقيادة أبو عيسى، إذ قال رئيس المكتب السياسي لـ"لواء ثوار الرقة" محمود الهادي، لـ"العربي الجديد"، إن "اللواء لم يشارك في معركة الرقة الحالية، بسبب تجاهل قوات سورية الديمقراطية للتفاهمات التي جرت بين جميع الأطراف، خصوصاً مع التحالف والأميركيين حول معركة تحرير الرقة، وهوية القوات التي ستشارك فيها". وأشار إلى أنه "تمّ الاتفاق على أن من سيدخل الرقة هم ثوار الرقة بدعم من مقاتلين محليين، أي من أبناء الرقة، الذين يتم تدريبهم وتسليحهم لهذا الغرض".
وأضاف الهادي: "لكن ما يجري الآن هو أن هناك تشكيلات لم نسمع بها من قبل وتدعي أنها من الرقة، وهذا ما دفعنا إلى عدم المشاركة". وأردف أن "قيادة التحالف، عزت ذلك إلى أن المعركة الحالية ستكون محدودة، وهي مرحلة عزل فقط وتقدم محدود"، معتبراً أن "معركة الرقة الحالية إعلامية وسياسية لا أكثر". وحول القوى العربية المشاركة في المعركة، أوضح الهادي أن "جبهة ثوار الرقة هي الفصيل العربي الوحيد من محافظة الرقة الموجود حالياً على الأرض، لكن هناك مقاتلين عرب ضمن مجموعات صغيرة، وهي تابعة من حيث القيادة والإشراف لوحدات حماية الشعب الكردية".
وقدّر الهادي حجم المشاركة العربية في معركة الرقة الحالية بـ20 في المائة فقط من إجمالي المقاتلين، مستبعداً أن "يكون لهم أي دور في إدارة المدينة أو تحديد مستقبلها، باستثناء بعض الأشخاص الموالين تماماً لقوات سورية الديمقراطية، وبصفتهم الشخصية". وحول علاقة فصيله حالياً مع "قسد"، أوضح الهادي أنها "ليست جيدة ولا تبشر بالخير، بسبب الإصرار على تهميش العنصر العربي ومبادرة قيادة الوحدات الكردية إلى التواصل مع بعض الشخصيات من أبناء الرقة، لتشكيل إدارة لها. وهو يخالف ما تمّ التوافق عليه في أن تكون إدارة الرقة مسؤولية المكتب السياسي لثوار الرقة بالتعاون مع فعاليات الرقة المحلية".
من جهته، حذّر القيادي في "الجيش السوري الحر" مصطفى سيجري، في حديث لـ"العربي الجديد"، من "صراع عربي كردي طويل الأمد، بسبب استبعاد تركيا والجيش السوري الحر عن المشاركة في عملية الرقة". كما حذّر من "انتهاكات لحقوق الإنسان وعمليات قتل جماعية سوف ترتكب بحق أهل الرقة المدنيين أثناء القصف العشوائي بدعوى محاربة الإرهاب"، مضيفاً أن "عدم مشاركة الجيش الحر يعني أنه سوف يكون هناك اقتتال كبير في الأيام المقبلة، وصراع عربي كردي طويل الأمد". واعتبر أنه "من غير المقبول أن تسلم مناطق عربية إلى قوى انفصالية وبدعم دولي".
وشكك القيادي العسكري في عملية "درع الفرات" أبو الوليد العزي، في حديث لـ"العربي الجديد"، بقدرة "قوات سورية الديمقراطية" على التقدم إلى الرقة، متوقعاً أن "تندم على استبعاد الحر قريباً". ورأى أن "قسد تنظيم انفصالي، ولديه مشكلة مع الأكراد الوطنيين في سورية، الذين يقفون إلى جانب الجيش السوري الحر في عملياته ضد داعش في عملية درع الفرات". غير أن المتحدثة باسم عملية "غضب الفرات" جيهان شيخ أحمد، استبعدت أن يتسبب استبعاد "الجيش السوري الحر" من المشاركة في معركة استعادة مدينة الرقة، في نشوب صراع عربي كردي في الشمال السوري. واعتبرت في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك فصائل من الجيش السوري الحر مشاركة في العملية العسكرية، ونحن حالياً في صدد تشكيل مجلس عسكري لجميع الفصائل".
من جهته، رأى الكاتب الصحافي المقيم في المناطق الشرقية من سورية، عدنان حكمو، أن "الصراع بين تركيا والوحدات الكردية لم يحسم بعد، خصوصاً أن الأتراك قاموا بتدريب مئات المقاتلين العرب من أبناء الرقة والحسكة بهدف المشاركة في معركة الرقة". وبالنسبة لحجم تمثيل العنصر العربي حالياً من مجموع مقاتلي "قسد"، قال حكمو إنه "لا يرتقي إلى المستوى المؤمل منه، فهم عبارة عن مجموعات قليلة، قياساً بأعداد مقاتلي وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وكان ذلك واضحاً من خلال بيان القيادة العامة لغرفة غضب الفرات". وأضاف أن "التمثيل الحالي لا يرتقي إلى طموحات العرب، خصوصاً أن محافظة مثل الرقة، مترامية الأطراف، وتتصل بثلاث محافظات هي حلب وحماه ودير الزور وصولاً إلى بادية حمص".