تشير الأخبار الشحيحة من داخل مدينة الموصل التي مازالت تحت سيطرة تنظيم داعش، إلى أن التعتيم مازال قائما على طبيعة مجريات حياة سكان المدينة، على الرغم من اقتراب القوات الحكومية من ضواحي المحافظة بعد شهر من انطلاق عملية استعادتها من عناصر التنظيم الإرهابي.
ومثّل تصريح مصدر أمني عراقي بأن عناصر داعش “بدأوا بشكل علني في نقل عائلاتهم من الجانب الأيسر الشرقي من مدينة الموصل إلى الجانب الغربي منها، مع احتدام المعارك في أحيائها الشرقية”، الصعوبة التي تواجهها القوات الحكومية في اختراق المدينة استخباراتيا لمعرفة ما يجري في داخلها.
وقال العميد غيث منهل، من قوات الرد السريع التابعة لوزارة الداخلية “إنه استقى معلوماته من مصادره الأمنية التي مازالت داخل المدينة”.
وأضاف أن “أغلب قادة التنظيم وعناصره البارزين كانوا يسكنون في الجانب الشرقي من الموصل لما يمتاز به من منازل فخمة وخدمات جيدة قياسا بالجانب الغربي منها”.
وأشار إلى أن “عددا من عناصر التنظيم المنتشرين في حي السلام جنوب شرقي الموصل لا يتجاوز عددهم العشرين مسلحا وهم مجهزون بأسلحة تقليدية كـالكلاشنيكوف وقاذفات الآر بي جي”.
وعن الأوضاع الإنسانية للسكان في الموصل لفت المصدر نفسه إلى أن “استمرار انقطاع التيار الكهربائي والماء ونقص الغذاء والدواء ألقيا بظلالهما السلبية على أهالي المدينة، وبالتالي فإن هذا الوضع ينذر بوقوع كارثة إنسانية قد لا يحمد عقباها”. وتبدو نتائج معركة الموصل غير منسجمة مع التوقعات التي كانت تضع المعركة في إطار زمني محدود، فما تحقق يمكن حصره في استعادة القرى والبلدات المحيطة بالمدينة، أما المدينة نفسها فإن القوات العراقية تتردد في اقتحامها، خشية أن تتكبد خسائر كبيرة ليست مستعدة لها، أو خوفا على حياة المدنيين في مدينة مكتظة بالسكان، في ظل إمكانية لجوء داعش إلى اتخاذ أولئك السكان دروعا بشرية.
ويكشف تصريح العميد منهل عن نقل عائلات المقاتلين من الجانب الشرقي إلى الجانب الغربي من المدينة، عن أن المقاتلين هم من أهل المدينة، ذلك لأن المقاتلين الذين قدموا من سوريا، وهم من أصول مختلفة لا يملكون عائلات فقد قدموا أفرادا. الأمر الذي يسلط الضوء على بنية داعش البشرية التي تم إنعاشها عبر السنتين الماضيتين بجيل من المتطرفين لم يكونوا قبل احتلال المدينة أعضاء في التنظيم المتطرف.
وقال مراقب سياسي عراقي “إذا ما صح ذلك الاستنتاج فإن مقاومة داعش ستكون شرسة، ذلك لأن المقاتلين إذا كانوا من أهل المدينة لا يملكون خيارا سوى القتال حتى الموت”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “إذا كان الرحيل إلى الرقة يمثل بالنسبة للمقاتلين الأجانب خيارا مفتوحا، فإن ذلك الخيار لن يكون في متناول المقاتلين المحليين الذين قد يمنون النفس بما يمكن أن تلحقه الخسائر البشرية في صفوف الجيش العراقي من انهيار في معنويات جنود ليسوا مستعدين لخوض حرب شوارع، في مدينة لا يعرفون خرائط دروبها المتشعبة”.
ولا تحمل أخبار المعركة المستمرة منذ منتصف شهر أكتوبر الماضي، ما يشجع على هروب المتطرفين من داخل المدينة، فيما تكشف الانتهاكات الموثقة التي حدثت بعد استعادة بعض البلدات والقرى أن الجيش قد تم اختراقه من قبل الميليشيات الطائفية التي تتصرف برغبة في الانتقام على أساس طائفي.
ويمثل فشل الحكومة في ضبط سلوك الميليشيات العدواني أكبر الأثر في تشجيع عناصر داعش داخل المدينة على الاستمرار في تحصين مواقعهم والقتال بطريقة ثأرية، قد تؤدي إلى تأخير مخطط تحرير المدينة الذي لم ينجز أصلا في توقيتاته المرسومة سلفا.
صحيفة العرب