"بينما كانت رنا (23 عاماً) تتناول العشاء مع أصدقائها في أحد المطاعم، تعرّفت عبرهم الى سامر(26 عاماً) وهو شاب وسيم، صديق أحد أصدقائها. اجتاحتها شرارة الإعجاب منذ لقائهما الأول، إلّا أنّ الفروقات بينهما بدت شاسعة. فهي رصينة، هادئة، مؤمنة وقد حرص أهلها على تشجيع علمها وتفوّقها في دراستها على حساب حياتها الاجتماعية، التي توصف بالمحدودة. أما هو فاجتماعي بامتياز وصاحب حياة صاخبة، وماضٍ مفعم بالمغامرات العاطفية، ومطبوع بالكذب والخزعبلات والمزاجية. حِسّ رنا دفعها إلى أن تحلم به إلى جانبها وإنما بشخصية أخرى، مخلصة وعاشقة. هي رسمته بخيالها شخصاً آخر إلى حدّ أنها باتت تعتقد أنّ دخولها إلى حياته وحبّها له سيغيّره، فيشبه فارس أحلامها.الإعجاب الذي انتابها كان متبادلاً إنما النوايا مختلفة. هي أُغرمت به أما هو فسعى وراء التسلية، و"قطْف" فتاة "شافِتو وغشيت"، ليزيد عدد غنائمه العاطفية. وبدأت رحلة معاناتها الطويلة.
تشبه هذه الفتاة فتيات كثيرات ممَّن يبحثن لا شعورياً عن "باد بويز" ويعتقدن أنهنّ قادرات على تحريرهم من واقع تراه الفتاة سيئاً وضائعاً. هذه الفتاة تتوهم أنها سـ "تصلحه" وتجعل حياته متّزنة و"صحيحة" بوجودها، ولكنّها غالباً ما تصطدم بجدار عدم قدرة أحد على تغيير أحد إلى الأبد.
الحب من طرف واحد
الوقوع بغرام شخص لا يهدف سوى إلى "تركيب بعض الأفلام" في حياة الآخرين والتي يتبيّن لاحقاً أنها محروقة ليس حالة فردية بل حالة منتشرة يعاني منها عدد كبير من "طيبي وطيبات القلب". ولكن لماذا يستمر أحدنا في الانبهار بمَن لا يكترث له ولا يقدّره ولا يشبهه حتّى؟
بخلاف رنا الحالمة بقدرة حبها على تغيير الآخرين، تروي فاليري الشابة العزباء إبنة الـ28 عاماً لـ"الجمهورية" أنّ "الضجر والفراغ وتعثّر إيجاد حبيب مناسب دفعني إلى الوقوع في شِباك حبّ مستحيل، ربّما فقط لأنّ هذا الرجل لا يبالي بي. فأنا أحلم به ليلاً نهاراً وأجسّد بشكل لا إرادي ما يعجبه على صعيد شكلي وتصرفاتي، بينما هو مرتبط بعلاقة حبّ مع فتاة أخرى".
وتدرك فاليري أنّ انجذابها لهذا الشخص تحفّزه شبه استحالة أن يكونا سوياً، خصوصاً أنها لم تبادر يوماً إلى التعبير عن إعجابها له صراحة، مؤكدةً: "أنا على يقين بأننا لو ارتبطنا فعلياً فسرعان ما كنا انفصلنا بعدها لأننا مختلفا الطباع تماماً، فأنا اجتماعية إلى حدّ كبير وغالبية أصدقائي من الشباب بينما لا يتقبّل أن تكلّم حبيبته أيَّ رجل آخر حتى من باب العلاقات الاجتماعية السطحية".
يعتبر بعض علماء النفس أنّ هيام شخص بمَن لا يستطيع الحصول عليه، قد يكون وسيلة لتجنّب الارتباط والتعاطي مع شريك حقيقي. ويرسم هؤلاء الأشخاص في خيالهم صورة حبيب مثالي وعلاقة قد تلامس الأفلاطونية، فلا تتخلّلها مشكلات العلاقات التقليدية.
اختباء فاليري وراء حب وهمي وصوري لملء الفراغ حتّى التقائها بشريك يناسبها، يقابله تعلّق سينتيا بمَن وعدها بغرامه. فبعد أن غيّر وائل رأيه فجأة وكشف لها عن وجهه اللامبالي، لا زالت تستذكر تصرفات الـ "جنتلمان" التي طرحها في حياتها لمدة عام كامل قبل "انفصامه".
هي تتمسّك ببقايا هذا الحب، وتشعر بالخوف من فقدانه على رغم كونها فعلياً لم تعد تعيش في علاقة حب بل في علاقة معقّدة تبصمها المشكلات وهروب حبيبها منها، وهي تخضع وتبذل الجهود جالسة على أطلال شغف لم يتعدَّ عمره بضعة أشهر بينما بلغت معاناته حداً يدمّرها.
المشكلة في العائلة
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ علاقات الأبناء بأهلهم تؤثر بشكل كبير في علاقاتهم العاطفية المستقبلية. فمَن انتظرت خلال الطفولة والمراهقة مزيداً من الحبّ والاهتمام غير المشروط من قبل أهلها، متوسلة التفاتهم إلى قلقها وحاجاتها ولكن دون فائدة، قد تجد نفسها منجذبةً فيما بعد إلى رجل لا يبالي بها وإلى حبّ وهميّ.
إعتراف الفتاة بأنّ والدها لم يكن حاضراً كفاية، ولا متفانياً في تربيتها وادراكها أهمية تعويض هذا النقص من خلال إيجاد شريك أكثر انتباهاً وحباً وعطاءً، بدل تعويض ذلك بحبّ مستحيل سيجنّبها حتماً الآلام والمتاعب، ويمنح علاقاتها فرصاً أكبر بالنجاح".
(الجمهورية)