لا تخفي دوائر الرابية ان يكون هناك معرقلون لتأليف الحكومة، ولا يُخفي النائب وليد جنبلاط ان هناك «طفيليين» يعرقلون مسيرة التأليف، لكن يجري التعامل معهم، ولا تخفي أوساط عين التينة ان المسار الإيجابي بتشكيل الحكومة ما يزال محافظاً على زخمه، وأن رئيس المجلس نبيه برّي على تفاؤله واستعداده للمساعدة، كما انها لا تخفي ان هناك «مطبات» تحول دون الإسراع بتأليف الحكومة.
وسط هذه الصورة يستمر السجال مندلعاً بين كل من حزب الكتائب وتيار «المردة» من جهة وحزب «القوات اللبنانية» من جهة ثانية، وكل طرف من الحزبين الأولين له اعتباراته وحساباته، والتي وإن اختلفت الا انها تتفق على التسليم بأن «القوات» لا ترغب في تمثيل هذين الحزبين اللذين امتنعا عن تسمية الرئيس ميشال عون، وتوزعت أصوات نوابهما بين الورقة البيضاء و«ثورة الأرز مستمرة».
وبين عض الأصابع ولعبتي توزيع الحقائب والوقت الضاغط، تأرجحت المعلومات حول مصير التشكيلة الوزارية، وموعد زيارة الرئيس المكلف سعد الحريري إلى قصر بعبدا، أو الذهاب إلى مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، بين من يعتقد ان الرئيس الحريري قد يزور بعبدا اليوم ومعه التشكيلة، وآخر يستبعد حدوث أي شيء إيجابي قبل أيام قليلة، مع إشارة مصدر مطلع لـ«اللواء» ان بعبدا لم ترصد أية حركة من الاتصالات أو المشاورات كانت دافعة تسريع التأليف أمس، فيما حرصت مصادر «بيت الوسط» على التأكيد بأن الدخان الأبيض لا يزال يحتاج إلى بعض الوقت لتتظهر معه الصورة الواضحة للحكومة، مشيرة لـ«اللواء» إلى ان مسار التأليف يسلك الطريق الطبيعي والصحيح، مذكرة بأن تكليف الرئيس الحريري لم يتجاوز بعد الأيام العشرة، وهو (أي الرئيس الحريري) يعمل بصمت وهدوء ولا يبوح لأقرب المقربين منه إلى المرحلة التي وصل إليها في اتصالاته لتشكيل الحكومة.
تجدر الإشارة إلى ان الرئيس الحريري أجرى مساء أمس اتصالاً هاتفياً بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب هنأه خلاله على فوزه.
وأفاد المكتب الإعلامي للرئيس الحريري ان الاتصال كان «مناسبة لعرض سريع للعلاقات اللبنانية الأميركية ولآفاق التعاون بين لبنان والادارة الأميركية الجديدة، وتم الاتفاق على متابعة التواصل والتشاور لما فيه مصلحة البلدين والشعبين والصداقة بينهما».
رسالتان سعوديتان
وفيما كان الرئيس ميشال عون يُؤكّد امام وفدالهيئات الاقتصادية ان الذين اتصلوا به أو بعثوا ببرقيات تهنئة من رؤساء ومسؤولين في الدول العربية والأجنبية أكدوا مستقبل لبنان الأفضل، داعياً إلى فصل الخيارات السياسية الخارجية عن الداخل للبناني، كان القائم باعمال السفارة السعودية في بيروت وليد بخاري ينقل لوزير الخارجية والمغتربين رسالتين تتضمنان دعماً سعودياً ثابتاً للدولة اللبنانية والوفاق اللبناني، واستعداداً لتقديم ما يلزم من مساعدات لهذا البلد، مع الفرصة الجديدة التي وفرها انتخاب النائب عون رئيساً للجمهورية وتكليف الرئيس الحريري رئاسة الحكومة الجديدة.
الرسالة الأولى كانت من سلطات المملكة العربية السعودية، والثانية من وزير الخارجية السعوي عادل الجبير.
ووصفت محطة O.T.V الناطقة بلسان «التيار الوطني الحر» هذه الحركة بأنها «استعداد لبناني لعودة العلاقات الخليجية إلى طبيعتها، وعودة المساعدات السعودية إلى لبنان ومؤسساته العسكرية والامنية»، وصولاً إلى تتويج هذه الحركة بكلام عن «دعوة سعودية قد توجه إلى الرئيس عون لزيارة الرياض».
على ان الذي اثار اهتمام المراقبين، والذي من شأنه ان يكشف عن خلفيات قد تترتب على هذا الانفتاح، هو ما اوردته المحطة المذكورة، بعد ان اعترفت بأن مسار الحكومة الجديدة يبدو متأخراً عند «فيتوات» متبادلة من هنا و«شهيات» متزايدة من هناك، من أن «الأخطر هو أن تكون ثمة علاقة سببية بين عرقلة التشكيل وإحباط الإيجابيات الخارجية تجاه لبنان».
إنجازات التأليف
ومع ذلك، فإن مسار التشكيل الحكومي حافظ على إنجازات الأيام العشرة وكرّسها:
1- الاتفاق النهائي على توزيع الحقائب السيادية مناصفة بين المسلمين والمسيحيين، بحيث أن تكون الداخلية والمالية من حصة السنّة والشيعة والخارجية والدفاع من حصة المسيحيين.
2- على أن يتكفّل «التيار الوطني الحر» بإرضاء حزب «القوات اللبنانية» ورئيسه سمير جعجع فيما لو ارتؤي أن الفرصة غير مؤاتية هذه المرة في إسناد حقيبة سيادية للقوات، وبالتالي البحث عن شخصية أرثوذكسية تنوب مكان وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال سمير مقبل، الذي يتعيّن أن يكون أرثوذكسياً، بعد أن صرف نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس النظر عن المشاركة في الحكومة هو شخصياً أو عبر أحد أنجاله.
3- أبلغ مصدر قواتي «اللواء» أن حصة الحزب ثلاثة وزراء يرجح أن يكونوا من النواب، بينهم وزير من زحلة، والإثنان أو الثلاثة الباقون من أصدقاء «القوات» بحيث تكون الحصة الوزارية خمسة أو أكثر، وهو ما أشارت إليه «اللواء» في عددها أمس.
وأشار هذا المصدر إلى أن البحث الآن يتركز على الحقيبة الأساسية التي ستسند إلى «القوات» من بين حقائب أخرى، حيث يتردد أنها التربية أو الصحة أو العدل، بعدما سلّمت القوات أن تكون الأشغال من حصة الرئيس برّي.
ومضى المصدر كاشفاً أن وزارة الاتصالات عرضت على «القوات» لكنها رفضت، على خلفية المحاكمات الجارية والملفات المالية المتصلة بالإنترنيت غير الشرعي وغيرها.
ووفقاً لهذا المصدر «القواتي» فإن الحزب لن يعرقل وسيتمثّل بالحكومة ولو لم تسند إليه الحقيبة السيادية.
ولم يغفل المصدر أن يُشير إلى أن الأسماء لم تسلّم بعد إلى الرئيس المكلف.
4- وفيما حص الحقائب التي ستكون من حصة الرئيس المكلّف أو تيّار «المستقبل» أو السنّة، أكد مصدر نيابي لـ«اللواء» أن الأسماء التي نشرت في «اللواء» تتمتع بدرجة من الدقة، مشيراً إلى أن أخذاً وردّا ما زال يتعلق بما إذا كانت طرابلس ستتمثل بوزيرين أو ثلاثة، بعدما حسم تمثيل عكار بأحد نواب الكتلة.
وقال هذا المصدر أن الهدف الأساسي من تمثيل طرابلس وعكار يعود إلى رفع الحرمان المزمن، وإنهاء حالة «الاغتراب» بين الجمهور في هاتين المحافظتين والكتلة الممثلة في المجلس النابي، بما في ذلك تيّار «المستقبل»، لافتاً إلى أنه للمرة الأولى منذ زمن بعيد ستتمثل عكار في الحكومة بنائب.
حكومة العهد أم حكومة المجلس؟
ومهما يكن من أمر، فإنه، حسب تقدير مصادر مطلعة لـ«اللواء» لم يطرأ أمس أي تطوّر يكسر حالة المراوحة السائدة حالياً في عملية تأليف الحكومة، وذلك بانتظار أن يطرح الرئيس المكلف الصيغ الأولية المتداولة لديه، سواء مع الرئيس عون أو مع الرئيس برّي.
ونفت المصادر أن يكون الرئيس الحريري طلب موعداً للقاء الرئيس عون اليوم، لكنها استدركت بأن الرئيس المكلّف لا يحتاج لموعد، وبإمكانه أن يصعد إلى بعبدا في أي وقت.
ونقل أحد أعضاء وفد الهيئات الاقتصادية الذي زار قصر بعبدا أمس للتهنئة، عن الرئيس عون قوله بأن الرئيس الحريري يقوم باتصالات من أجل تأليف الحكومة، وهو لا يوفّر جهداً لهذا الغرض، وأن الرئيس عون يقدّم بدوره كل التسهيلات الممكنة، ولا مشكلة لديه بالنسبة إلى هذه الحكومة، باعتبار أنها ستنبثق من توازنات المجلس النيابي الحالي، ومن الواقع السياسي القائم، وهو (أي الرئيس عون) لا يعتبرها حكومة العهد الأولى، وإنما الحكومة التي ستأتي بعد الانتخابات النيابية المقبلة وما يمكن أن تفرزه من موازين قوى جديدة.
ويعتقد الرئيس عون، بحسب وفد الهيئات الاقتصادية، أن الحكومة الجديدة محكومة بسقف زمني محدد، وأمامها مهمة أساسية وهي إجراء الانتخابات، ولهذا السبب نلمس صعوبات في تشكيلها، على اعتبار أن كل فريق يحاول أن يحسّن أوراقه لكي يحصّن مواقعه في الانتخابات، لافتاً إلى أنه مهما كانت التجاذبات، فإن الحكومة لن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة، سواء لجهة توازنات القوى داخلها أو حجم هذا التمثيل.
وأكد الرئيس عون أنه أبلغ جميع من يعنيهم أمر تأليف الحكومة، أن لا «فيتو» لديه على أحد، وأنه يترك للرئيس المكلف حرية التفاهم مع الجميع، على أن يعرض لديه التشكيلة التي يراها مناسبة، مع العلم أن الحكومة الجديدة لن ترضي الجميع، وسيكون أحد ما في النهاية «زعلان».
إلى ذلك، أكدت مصادر مطلعة، أنه بالنسبة لحقيبة المالية يجب التسليم بالأمر الواقع، وهو أن تكون من حصة الرئيس برّي، في حين أنه لا يمكن إعطاء جعجع حقيبة سيادية، ويمكن أن تكون لديه حقيبة أساسية من ضمن الحقائب الأساسية المعروفة، وتطرح على هذا الصعيد عدّة صيغ.