بَدا أمس انّ تأليف الحكومة دخل في مرحلة الجمود السلبي، حيث لم يسجّل ايّ حراك علني يصبّ في هذا الاتجاه، او إشارات إيجابية من اي من المصادر المعنية بالتأليف، سواء من «بيت الوسط» او من قصر بعبدا او من عين التينة التي ينتظر فيها رئيس مجلس النواب نبيه بري ما سيعرض عليه، فيما علم انّ «حزب الله» لم ولن يتدخل مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي بدوره لم يتصل بالحزب الذي أوكل الى بري مهمة التفاوض عنه في موضوع التأليف. وعليه، تبقى الأمور ثابتة عند هذا الحد، ما دفع البعض الى استبعاد ولادة الحكومة العتيدة قبل عيد الاستقلال. وفي هذه الأثناء، أجرى الرئيس المكلف سعد الحريري إتصالاً هاتفياً بالرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب هنأه خلاله على فوزه. وتمّ عرض سريع للعلاقات اللبنانية- الأميركية وآفاق التعاون بين لبنان والإدارة الأميركية الجديدة، وتم الاتفاق على متابعة التواصل والتشاور لما فيه مصلحة البلدين والشعبين والصداقة بينهما.
في ظلّ الانشغال في تأليف الحكومة كان اللافت أمس زيارة رئيس البعثة الديبلوماسية السعودية في لبنان وليد البخاري لوزير الخارجية جبران باسيل حيث بحث معه في التطورات الجارية في لبنان والمنطقة، ونقل اليه رسالتين، الاولى من السلطات السعودية والثانية من نظيره السعودي عادل الجبير.

وأبدت مصادر وزارة الخارجيّة ارتياحها الى الاجواء التي سادت اللقاء، وقالت لـ«الجمهورية»: «الإيجابية طبعت المحادثات بين الرجلين، وجاء هذا اللقاء بعد التوتّر السابق بين لبنان ودول الخليج، فلا عودة الى الوراء، والعلاقات اللبنانية - السعودية عادت الى سكّتها الصحيحة، ولبنان متمسّك بأفضل العلاقات مع الرياض ودول الخليج».

التأليف

على جبهة تأليف الحكومة كشف زوّار قصر بعبدا لـ«الجمهورية» انّ الرئيس المكلف لم ينقل بعد الى رئيس الجمهورية اي تصوّر للتشكيلة الوزارية، لا على مستوى الحقائب ولا على مستوى الأسماء. ولفت هؤلاء الى انّ انعقاد لقاء قريب بين عون والحريري ليس محسوماً بعد، ولم تتبلّغ دوائر القصر الجمهوري ايّ رغبة من هذا النوع.

وتعليقاً على القول انّ الحكومة التي يجري تشكيلها اليوم هي حكومة العهد الأولى، قال هؤلاء الزوّار «انّ هذا التوصيف ليس في محله، فحكومة العهد الأولى هي التي ستشكّل عقب الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل».

وأكدوا مجدداً ان ليس لدى رئيس الجمهورية أيّ «فيتو» على احد، وهو يستهجن إصرار البعض على الحديث عن هذا «الفيتو»، وقد أبلغ موقفه هذا الى الحريري وكل من التقاه، لأنه بكل بساطة يريد حكومة جامعة تدير المرحلة الإنتقالية الممتدة من اليوم قبل الغد، الى حين إجراء الإنتخابات النيابية على أساس القانون الجديد للانتخاب، وعندها يمكن اعتبار الحكومة المقبلة أنها حكومة العهد وهي الحكومة التي ستتكوّن من مشهد سياسي وواقع جديدين».

ولذلك، أضاف زوّار بعبدا، على الجميع ان يتفهّموا انّ موقف رئيس الجمهورية هو تطبيق واضح لِما يقول به الدستور، وسيكون له موقف من ايّ تشكيلة وزارية متى عرضت عليه، وليس قبلها، او عبر وسائل الإعلام كما يريد البعض الذي يُغرِق البلد بالإشائعات ومنها الحديث عن «فيتوات» يضعها الرئيس في هذا الموضوع أو ذاك.

الحريري

في هذا الوقت، واظَب الرئيس المكلف على تفاؤله، مستمراً بزخم في اتصالاته ومشاوراته في شأن التأليف وهو يلمس نية جدية للتعاون لدى جميع الاطراف بما يساعد على تأليف الحكومة قريباً.

الّا انّ الحريري، وفق معلومات «الجمهورية»، هو الآن في طور استكشاف حقيقة المواقف والمطالب قبل ان يبني على الشيء مقتضاه، خصوصاً بعد الحديث المتزايد عن انّ اتفاق «التيار الوطني الحر» مع «القوات اللبنانية» خلال مرحلة دعم ترشيح عون للرئاسة يلحظ ان تَتسلّم «القوات» حقيبة سيادية الأمر الذي يعارضه «حزب الله»، وقد تردّد على نطاق واسع انّ رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل أبلغ الى «القوات» عقب اجتماعه امس الاول مع مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا، معارضة «حزب الله» ان تتسلّم «القوات» أيّ حقيبة سيادية.

ولذلك، تتواصل اتصالات الرئيس المكلف لفهم حقيقة المواقف والاتفاقات، علماً ان لا إشكالية عنده في أن تنال «القوات» حقيبة سيادية، لكنه في طور استكشاف حقيقة المواقف قبل غربلة الاسماء والحقائب.

وبناء عليه، يتبيّن انّ كل ما يتمّ التداول به في الاعلام من توزيع للحقائب وحسم أسماء للتوزير، هو غير دقيق، وكذلك حسم حصة الاطراف من الوزارات السيادية، خصوصاً في ضوء إصرار «التيار الحر» و«القوات» على مبدأ المداورة في الحقائب الوزارية.

وكانت مصادر مطلعة اكدت انه «على رغم حسم شكل الحكومة بحجمها الثلاثينيّ، فإنّ العقدة المستعصية ظلت تدور حول الحصص. وأشارت الى انه «تمّ التداول في أوساط الجميع بالطرح التالي: 3 وزراء مسيحيين، حصة رئيس الجمهورية، 4 وزراء لـ«التيار الوطني الحر»، 3 وزراء لـ«القوات اللبنانية» إضافة الى توزير الوزير ميشال فرعون، وزيران مسيحيان للحريري، ومقعد وزاري لحزب الكتائب وآخر لتيار «المردة». وأكدت انّ «هذه الصيغة لم يتم الاتفاق عليها حتى الآن كذلك لم تحظ بإجماع وتوافق».

واضافت هذه المصادر: «في المقابل، فإنّ حصة «حزب الله» وحركة «أمل» محسومة : 6 وزراء، و6 للسُنّة، و3 دروز، وتوزير النائب طلال ارسلان. إنما العقدة الأكثر استعصاء، والتي قد يطول حالها وتتطلّب تكثيف المشاورات، تبقى على خط «التيار الوطني الحر»ـ «القوات اللبنانية».

جنبلاط

في غضون ذلك، أبدى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط كل استعداد لتسهيل التأليف، وقد حضّ بدوره جميع الاطراف على هذا الاتجاه في اعتبار انّ الاوضاع لا تتحمّل ايّ تأخير وتشنّج وإرباك في ظل عهد جديد. ورحّب جنبلاط بتوزير ارسلان بحقيبة الى جانب حصته التي تضمّ وزيرين، من دون ان يكون أحدهما وزير دولة والآخر تسند اليه حقيبة خدماتية، إذ انّ المهم هو التسهيل.

وكان جنبلاط غرّد عبر «تويتر»، قائلاً: «بعض الطفيليين يعرقلون مسيرة التأليف لكن يجري التعامل معهم».

قانون الانتخاب

ومع عودة البعض الى الحديث عن التمديد لمجلس النواب يتأكد يوماً بعد يوم ان ليس في قاموس رئيس مجلس النواب ايّ تعبير إسمه التمديد للمجلس، وانّ الاولوية عنده الآن هي الدخول في إعداد قانون جديد للانتخابات النيابية يتفق عليه خلال فترة ما قبل نهاية ولاية المجلس النيابي واذا كان هناك ما يستدعي تمديداً تقنياً للمهل فيمكن حصول تمديد تقني. وفي هذا السياق اكّد بري لـ»الجمهورية» انّ «تمديد ولاية المجلس الحالي بلا قانون انتخابات مستحيل، وليس وارداً ولن يكون وارداً».

توازياً، سألت «الجمهورية» مصادر في فريق 8 آذار عمّا اذا كان هناك تفاؤل بإعداد قانون انتخابي في الفترة المقبلة، فأجابت: «في ظل الاجواء السائدة حالياً والذهنية القائمة لدى بعض الاطراف، يبقى الوصول الى قانون إنتخابي أمراً بالغ الصعوبة».

وتخوّفت مصادر مراقبة من دخول لبنان في أزمة العودة الى قانون الستين، إزاء رفض بري للتمديد وغياب قانون إنتخابي جديد.

عون

وفي هذه الاجواء، دعا رئيس الجمهورية الى فصل الخيارات السياسية الخارجية عن الداخل اللبناني. واكّد «انّ ما من أحد سيمسّ بالمعتقد السياسي أو الديني للآخر، فذلك من الشروط الطبيعية للحياة المشتركة في لبنان».

وقد ظهرت ملامح الخطوط العريضة للسياسة الاقتصادية التي سيتبعها العهد الجديد من خلال ما أعلنه عون خلال استقباله الهيئات الاقتصادية في بعبدا، حيث تطرّق الى خطورة حجم الدين العام، وقال: «لا يجوز ان تبقى الليرة اللبنانية مدعومة بالدين الذي بلغ حجماً كبيراً، فتحسين وضعها يتمّ بالانتاج، فالاقتصاد هو الداعم الاول للعملة اللبنانية».

وأمل عون في أن يحصل تعاون مع الهيئات الاقتصادية، واعداً «بوَضع التشريعات اللازمة لهذا الموضوع». وطلب من هذه الهيئات تقديم «ورقة مختصرة من قبل كل قطاع اقتصادي تضمّ المبادئ العامة التي ترونها مهمة، وسنستفيد منها لنرى ما يمكن تحقيقه في مختلف هذه القطاعات». وأكّد أنّ «المعالجات الاقتصادية تتحقق تصاعدياً، وهي تحتاج الى وقت».