مازالت هنالك نظرياً فرصة كي لا يغدو دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية، والأمل الأخير شبه الميؤوس منه، هذا يعتمد كلياً على المجمع الانتخابي وعلى النظام الانتخابي الأميركي الغريب، حسب مقالة لصحيفة الإندبندنت البريطانية في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2016.
لعل ترامب كسب الانتخابات بحصوله على مزيد من الأصوات في المجمع الانتخابي أكثر مما حصلت عليه هيلاري كلينتون. لكن الأدق من وجهة نظر القانون هو أن الفيصل في أمر الانتخابات ليس الانتخاب الذي انتهى لتوه، بل التصويت الذي سيقوم به أعضاء المجمع الانتخابي حينما يجتمعون بالنيابة عن ناخبيهم ويدلون بأصواتهم لاختيار مرشحهم الرئاسي.
الخطوة هذه مزمعة في 12 ديسمبر/كانون الأول حيث ستعقد اجتماعات في كل ولاية على حدة كي يتسنى لممثلي الولاية الديموقراطيين منهم والجمهوريين (حسب أعدادهم المنتخبة مؤخراً) الاقتراع والتصويت. لكن المصير شبه الحتمي الذي لا مفر منه هو أن معظم هؤلاء الممثلين الناخبين سوف ينتخبون ترامب وينصبونه رئيساً.
مع ذلك ثمة احتمال ولو نظرياً ألا تسير الأمور على هذا الشكل، فقد يفعلها أعضاء المجمع الانتخابي ويغيرون رأيهم متحولين بذلك إلى ما يسمى بـ"ناخب غدار" لأنهم يغدرون بثقة ناخبيهم المبنية على مواقفهم المعلنة مسبقاً (مع ترامب)، وهكذا يغدر الناخب وينتخب شخصاً آخر أو حتى لا ينتخب أحداً على الإطلاق.
وهكذا تغذي ظاهرة الناخب الغدار الأمل في نفوس البعض ويعولون عليها للحؤول دون تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ورغم أن بارقة الأمل خافتة جداً وأن الاحتمال ضئيل جداً جداً ولن يقدم أو يؤخر، ولكن على الأقل جديرٌ بنا أن ندرك أن طريق ترامب نحو الرئاسة ليس ممهداً معبداً ولا سهلاً أبداً.
من الصعوبة بمكان إقناع الناخبين بتغيير رأيهم وتحويل ولائهم إلى الطرف الآخر والتصويت فعلياً لهيلاري كلينتون، اللهم إلا إن جدّ مستجدٌ خطير لا يمكن تجاهله، وحتى ولو، فالمطلوب تجميع أعداد كبيرة من أصوات الممثلين الناخبين "الغدارين" كي تنقلب النتيجة وترجح كفة الطرف الآخر.
يقول جيكوب باراكيلاس نائب رئيس برنامج الولايات المتحدة والأميركتين في معهد تشاتام هاوس للدراسات أن العمل جار على قدم وساق ضمن الحزب الجمهوري للتكتل وراء ترامب، وبالتالي إنّ غدرَ الناخبين الجمهوريين به وعدم تصويتهم له سيعد تحدياً للحزب نفسه.
أساساً إن انتقاء واختيار الناخبين الممثلين أنفسهم يتم بناء على ولائهم وانتمائهم وخدماتهم الجليلة للحزب، ما يعني أنهم أقل من يمكن الاشتباه في غدرهم والشذوذ عن سرب الحزب. صحيحٌ أن ثمة احتمالاً بتمسك بعضهم بشعار "كله إلا ترامب" الذي سبق وتحلق بعض الجمهوريين حوله، ولكن حتى في تلك الحال فإن الاحتمال شبه الأكيد أنهم لن يمنحوا صوتهم لأي أحد على الإطلاق، أو لعلهم يختارون جمهورياً آخر من بني جلدتهم كتيد كروز أو ميت رومني؛ بعبارة أخرى، يلزمنا أن يثور ويتمرد عدد كبير من أعضاء المجمع الانتخابي على مرشحهم لكي نشهد تغيراً في النتيجة.
بيد أن أكثر احتمال معقول هو أن يستجد طارئ يقنع الناخبين الممثلين بتغيير رأيهم والعدول عن التمسك بترامب، وبذلك قد يحظى الجمهوريون بمرشح آخر بدلاً منه. مثلاً قد يستجد أن يقع شيء ما لترامب نفسه، كأن يجد نفسه غارقاً حتى أذنيه بفضيحة أخرى، أو أن يواجه عقبات مع منصبه الجديد منصب الرئيس المنتخب.
إن تجمع لدينا عدد كاف من الناخبين الغدارين، فلن يكون هناك من فائز في المجمع الانتخابي، وبذلك تبطل نتيجة الانتخابات.
ماذا يحدث من بعدها؟ يرفع الأمر ويوكل الانتخاب إلى مجلس النواب الذي لا يمنح حق الاختيار إلا من بين المرشحين اللذين حصلا على أصوات الناخبين الممثلين، يعني سينحصر الخيار بين كلينتون وترامب.
لكن عندها يحق لهم إبطال الاقتراع ورفع أمر القرار إلى مجلس الشيوخ، الذي بدوره سيحق له أمر اختيار مرشح آخر مختلف، قد يكون على الأرجح مايك بينس.
ولكن علينا أن نعلم أن أحداً من الناخبين الممثلين لم يغدر بناخبيه قط طيلة الانتخابات الأخيرة. كانت آخر حالة "غدر" قد حصلت عام 2004 حينما كان ناخب مجهول من مينيسوتا محسوب على جون كيري يدلي بصوته فانتخب بدلاً منه زميله في الحملة جون إدواردز. ويبدو أن ذلك تم بالخطأ لا عن سابق نية.
مع ذلك نتذكر أنه كان في الماضي ناخبون في المجمع الانتخابي آثروا الغدر بمرشحهم نظراً لخلافات بينهم، ولا تبلغ نسبة هؤلاء أكثر من 1% من كل الحالات. فإن شئنا أن نترقب غدراً ما في هذا الانتخاب فالواقع أن 2 من الناخبين قد ألمحا إلى أنهما قد يغيران مرشحهما بالفعل، لكن مرشحهما هو هيلاري كلينتون التي ينويان سحب صوتهما من معسكرها لأنها لا تعجبهما.
تغيير رأي الناخبين أمر قانوني ومعترف به في كثير من الولايات، وثمة أكثر من 12 ولاية ليست لديها أي عقوبات قانونية تفرض على من يفعلها ويغدر ويخون أمانة ناخبيه.
ولكن في نهاية المطاف يبقى شبه مستحيل وقف ناخبي ترامب، ما يعني أن ترامب حتماً يسير نحو الرئاسة.
هافينغتون بوست عربي