مِن شو معقول يتفاجأ الإنسان؟ معقول يتفاجأ مثلاً من سقوط نيزَك على سطح الأرض، أو ظهور ديناصور في جرود الضنّية، ومعقول يتفاجأ من فوز ترامب بالرئاسة الأميركية أو من إنّو يفَلّشوا الكوسايات بالطنجرة... لكن أن يتفاجأ اللبنانيون من هطول المطر في فصل الشتاء وارتفاع الحرارة في شهر آب، هو السلوك الإنساني الوحيد الذي يناقض الأعراف الدولية لعمل الدماغ السليم في مختلف الأحوال الجوّية.

يلّي بيشوف الصبر الفارغ الذي يحلّ علينا نحن اللبنانيين في انتظار نهاية نشرة الأخبار لسماع أخبار الطقس، ويلّي بيشوف توسّع بؤبؤ عيننا وتمدّد شرايننا أثناء تكبيسنا الهستيري على كلّ الأخبار المتعلّقة بموجات الصقيع والحرّ على المواقع الالكترونية، يظنّ للوهلة الأولى أنّ الشعب اللبناني، وحتى المواطنين الساكنين في الطابق الثامن من بناية حديثة في منطقة الأشرفية أو فردان يعتاشون بشكل أساسي ووحيد من الزراعة وتربية المواشي، ويعيشون في خوف دائم من زخّة بَرَد على شجر النجاص في خراج بلدة سن الفيل أو من موجة صقيع تقضي على أحلام شتلات بندوراتهم في حدائق الكسليك، أو أن تمرض عنزاتهم من نسمات الكوانين في اسطبلات الجميزة.

يكون الواحد منّا يستمع إلى نشرات الأخبار وما فيها من ويلات الفساد والمحاصصات والتلوّث والمستويات القياسية من المواد المسَرطنة والأسلحة المتفلّتة ومستوى المعيشة «يلّي مركّب أريير» والحرب الأهلية التي أصبَحت على راس الشارع، ونحنا آخر همّ عندنا... ولكن ما أن تبدأ نشرة الطقس، يصمت الجميع وينام الأولاد ونطرد الضيوف ونعتدي بالضرب على كلّ من يتفوّه بحرف... لماذا؟ لأننا نريد أن نعرف إذا كانت ستثلج في آذار.

لا بدّ أن نوضح لمرّة واحدة وأخيرة، أن لا شيء يمكن أن يتحقق بأيّ شكل من الأشكال من أغنية وائل كفوري، ولا بدّ أن نعرف أنّ الطقس يكون ماطراً ومثلجاً في الشتاء، معتدلاً في الخريف والربيع، وحاراً شيطانياً في الصيف... ولا يمكن أن «تشتّي بآب»، ولا وجود لشيء إسمُه الثلج الأسود... وكلّ ما زاد على ذلك فهو من عمل ليلى عبد اللطيف.

بيكون اللبناني شاري وشاح من السويد وغطاء روسي للرأس مصنوع من جلد الدب القطبي، وموصّى عمته على جاكيت روّاد الفضاء من كندا، ويقود سيارة رباعية الدفع لا يقلّ ارتفاعها عن سطح الزفت عن 3 أمتار، ومركّب تدفئة مركزية على الطاقة النووية في البيت، وبعد كل هذا تجده متوتّر من غيمتين رماديتين تعبران سماء المتن الأعلى... يا حبيبي، تأكّد أنّ الصقيع ما أن يرى منظرَك الملفوف بكلّ ما خلق ربّنا من صوف وبولييستر، سيندب حظّه وسيسبّ الساعة التي قدِم فيها إلى لبنان.

لا شكّ في أنّ الإنسان ورثَ في جيناته هذا الخوف من تبدّل الأحوال الجوّية، لأنه قبل التطوّر والتكنولوجيا كانت الفصول تؤثّر بشكل كبير على الإنسان الذي كان يعيش في المغاور ومن بعدها المنازل البدائية، وعلى زرعه ومواشيه، تلك التي كان يعتمد عليها بشكل أساسي للعيش... ولكن اليوم مع وجود وسائل التدفئة والتبريد الخرافية التي تملأ حياتنا في كلّ جوانبها، لم يعد لتبدّلِ الأحوال الجوية أيّ تأثير على حياتنا، باستثناء تبليل سكربيناتنا وجزماتنا وإجبارنا على تنزيل الشتوي وتطليع الصيفي، وعدا ذلك السوبرماركات مليئة بالمعلّبات التي تساعدنا على تخطّي أكبر كارثة مناخية.

طمّنوا بالكن، ستمطِر وتثلج وترعد وتبرق وتعصف هذا الشتاء، وطمّنوا بالكن أيضاً أنّ وضعَنا المعيشي والوطني باقٍ على حاله... وكلّ ما يمكننا أن نتمنّاه عاصفة تقتلع المسطولين من بيننا.

(الجمهورية)